اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الأول من نيسان – رأس السنة الآشورية// وليم أشعيا عوديشو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الأول من نيسان – رأس السنة الآشورية

وليم أشعيا عوديشو

 

 

الأول من نيسان هو جزء من التراث الثقافي للشعب الآشوري وهو اليوم الذي يحتفل فيه الآشوريين مع بزوغ شمس العام الجديد منذ الألف الرابع قبل الميلاد وهو تأريخ تواجد الآشوريون المتواصل في بلاد ما بين النهرين حتى يومنا هذا ، وخلال تلك الفترة استطاعوا تأسيس حضارة رائعة تركت بصماتها على الحضارة البشرية وما ملحمة كلكامش وقصة الخليقة وشريعة حمورابي ركيزة الشرائع الأساسية في العالم والجنائن المعلقة إلا وهي روائع فكرية وعمرانية تعود إلى العراقيين القدامى أحفاد سومر وأكد وآشور وبابل ، ويحتفل شعبنا في الوطن والمنافي المتناثرة في الأول من نيسان في كل عام برأس السنة البابلية الآشورية الجديدة ، ليطل علينا ( أكيتو ، العام الجديد ) مجدداً بكل ما يحمله من قيم تأريخية معلناً خلوده الأزلي وباعثاً الأمل في نفوس العراقيين كافة مبشراً يحلم في الخلاص من الدكتاتورية التي ابتلينا بها نحن أبناء النهرين ، ورغم تباشير ( أكيتو ) وفرح الأرض التي روت ظمأها بسبب سقوط كميات جيدة من الأمطار هذه السنة والتي ألبست الطبيعة في الوطن حلتها الرافدينية الرائعة ، ورغم كل المحن فأن شعبنا في الوطن والمنافي وبهذه المناسبة يناشد كافة القوى السياسية للعمل بالتضامن وتجاوز كافة الخلافات ورفع كل الحواجز بينها لتكون مؤهلة للتعامل بصدق مع أجواء عملية بناء العراق الجديد وإعادة اعماره وتبني الخطاب السياسي الذي يؤكد الثوابت الوطنية وبما يتناسب مع متطلبات المرحلة لتبدو قادرة على التعامل مع أجواء العراق الجديد ، فالأول من نيسان يحمل أحد المعاني الخالدة في حياة امتنا الآشورية والذي إلتزمته ومارست مفرداته الإنسانية لمواجهة التحديات وخوض عملية التواجد في الوطن رغم المحن ، ولقد جعل أجدادنا الأول من  نيسان يوماً متميزاً من خلال التزام الإنسان لأخيه الإنسان وتجسيد الشرائع السماوية التي تحدد حقوق الفرد وواجباته في المجتمع وتقوية علاقته بالأرض التي ولد فيها لأنها مصدر الخير والعطاء ، وبمرور آلاف السنين وشعبنا يمارس إحياء هذه المناسبة ليؤكد بأن الوعد لا زال قائماً بين الأجداد والأبناء هذا الوعد التاريخي الذي تحول الى قسم متجسد في حقيقة خالدة مفادها أن الأول من نيسان هو بداية تدوين حضارة العراق القديم بما احتوته من أحداث عظام تحولت الى أرث يعتز بها كافة العراقيين ، وتأريخياً تعتبر الأعياد ظواهر اجتماعية قديمة ترتبط بمراحل تطور الإنسان وهي استمرارية لممارسات دينية واقتصادية مورست لفترات طويلة زمنياً  والتي يعتبر فيها عيد أكيتو ( رأس السنة الآشورية ) أحد أقدم تلك الأعياد حيث يتواصل الاحتفال به حتى يومنا هذا ومن أشهر المناسبات المحتفل بها عند سكان بلاد ما بين النهرين ، واحتلت لديهم مكانة مقدسة لارتباطها بموسم الأمطار وبداية السنة الجديدة  ونمو الأعشاب وتكاثر الحيوانات ، وتدل الألواح الطينية المكتشفة في المدن الآشورية القديمة في العراق بأن الاحتفالات كانت تستمر لمدة اثنتي عشر يوماً تتخللها ممارسة طقوس دينية وسحرية وشعائر وتقديم قرابين ومرور مواكب احتفالية كبيرة وإقامة بعض الألعاب الرياضية ورقصات ترمز الى كيفية نشوء الخليقة ، وغالباً ما كان المشاركون في تلك الفعاليات يرتدون ملابس وأقنعة تنكرية ومن الملاحظ ان عادة التنكر تلك لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا في احتفالات العام الميلادي الجديد في كافة أنحاء العالم ، وكانت الاحتفالات تقام في ساحات كبيرة ويحضرها أعداد كبيرة من المشاهدين والمشاركين من ممثلين وموسيقيين وغيرهم إضافة الى ضيوف كبار كالملوك والزعماء الذين كانوا يحضرون من الدول المجاورة ، وتكمن أهمية كل تلك النشاطات في إدراك طريقة الحياة في ذلك الزمان ومن كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والروحية وكيفية توارثها من قبل الأجيال الحالية في العراق سواء من قبل الآشوريين أو الاخوة الإيزيديين ، وكان يشارك في الاحتفالات الملك وحاشيته والكهنة وبقية الشعب وفي اليوم الاول يقوم الملك بوضع حزمة من محصول الشعير حول تمثال الإله آشور تعبيراً عن الشكر والامتنان له ، أما في اليوم الثاني والثالث فتكون المراسيم عبارة عن طقوس سحرية ودينية في المعبد الخاص وبحضور الكهنة لتمجيد الإله وذلك بالسجود نحو القبلة باتجاه شروق الشمس إضافة الى الطواف حول المعبد ، وفي اليوم الرابع يقوم رئيس الكهنة في سرد قصة الخليقة على مسامع الملك وحاشيته وعموم الشعب ويبدأ بعدها في عملية إعلان بدء السنة الجديدة رسمياً ، وتبدأ في اليوم الخامس عملية تقديم القرابين والذبائح للإله ورش جدران المعبد بدم تلك الذبائح وتعقبها عملية تقديس مياه نهر دجلة برمي الذبائح فيه ، وفي اليومين السادس والسابع  تصل الاحتفالات ذروتها  في قيام الملك بالإعلان عن خضوعه وانصياعه للإله المقدس وأداء صلوات الغفران وتأديته قسم الالتزام بما تمليه عليه واجباته في حماية الشعب والمعابد والمدن من الأعداء والدخلاء والغاية الأساسية من الفعاليات في اليوم السابع هو تبيان ما ستؤول إليه الأمور في حالة غياب السلطة المتمثلة بالملك وفي هذا اليوم يتنازل الملك عن العرش ويعلن عن هجرة الإله للناس لتسود الفوضى والاضطراب في عموم البلاد ويعتقد البعض بأن ظاهرة الكذب في الأول من نيسان والتي يطلق عليها ( كذبة نيسان ) يعود اصلها الى ما كان يمارس في هذا اليوم من فوضى واضطرابات ، وفي اليوم الثامن يتم الإعلان عن عودة الإله وجلوس الملك على عرشه من جديد وسيادة حالة الاستقرار والأمن ، وأما في اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر من الاحتفالات فكانت مخصصة لطقوس خاصة بالزواج المقدس وزيادة النسل وفي اليوم الثاني عشر وهو اليوم الأخير فكانت تطغي عليه مراسيم حفل الختام وتوديع الضيوف والمتمثلة في مغادرة الإله بعد مباركته الملك والشعب والبلاد ، ولا يزال الآشوريين في مواطنهم التاريخية في العراق يحتفلون في الأول من نيسان مع بداية الربيع من كل عام ولكن بطريقة تختلف عما كان قائماً قبل آلاف السنين بعد ان قاموا بتجريد طريقة احتفائهم بتلك المناسبة من كافة جوانبها الميثولوجية والتي تتعارض مع إيمانهم المسيحي ، ولعل ابرز ما يقوم به الآشوري منذ حلول ساعات الفجر الأولى في الأول من نيسان هو قيامه بجلب حزمة من العشب الأخضر وتعليقها في أعلى مدخل الدار قبل نهوض الأطفال والتي كان يسميها جدي الطيب ساوي أوديشو بكلمة دقنا دنيسان ، وهي التسمية الآشورية لقبضة العشب الأخضر المعلقة فوق مدخل الدار والتي تعني بالعربية ( لحية نيسان ) وهذا المشهد لا يفارق مخيلتي ولا زلت أتذكره وكيف كان والدي يعد العدة ووالدتي تحضر الطعام للخروج مع أهالي القرية الى المروج الخضراء للاحتفال بقدوم نيسان الخير والبركة التي وللأسف   الشديد  سرعان ما اختفت تلك الحياة الطيبة في وطننا العراق مع قدوم النظام الدكتاتوري الذي ظل جاثماً على صدور العراقيين لأكثر من ثلاثة عقود مظلمة وقام بتحويل تلك المروج النيسانية الخضراء الى ربايا صفراء وزرع فيها الالغام بدل الكروم ، ومع حلول كل نيسان جديد وبزوال كابوس الدكتاتورية من العراق في التاسع من آذار / 2003  نأمل أن ينهض أطفال العراق كافة في الأهوار والسهول والجبال وهم يمسكون في يدهم ( دقنا دنيسان ) مهللين فرحاً بقدوم نيسان العراق الديمقراطي والموحد ونيسان التعددية والفدرالية والمجتمع المدني والدستور الدائم وحقوق الانسان ، وهذا هو الأول من نيسان الذي يتمناه كافة العراقيين ليكون وطن النهرين كالحرية التي هي حق لكل العراقيين  . 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.