كـتـاب ألموقع
الغموض في النص الشعري// مصطفى معروفي
- المجموعة: مصطفى معروفي
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 23 كانون1/ديسمبر 2021 11:02
- كتب بواسطة: مصطفى معروفي
- الزيارات: 1698
مصطفى معروفي
الغموض في النص الشعري
مصطفى معروفي
مجموعة من تجارب الشباب الشعرية تحاول أن تظهر بالمظهر المتعالي والناضج، وتتخيل أن السبيل إلى ذلك يتم عبر آليات خاصة في الكتابة، من هذه الآليات آلية الغموض، بل إنني أرى أنها آلية الإبهام، وأنا هنا أفرق بين الإبهام والغموض، فالمقصود بالإبهام هنا التعمية والإغراق فيها، حتى أن القاريء ليحتار في أمره، فلا يدري هل هو أمام نص شعري أو أمام طلسم من الطلاسم التي يستعصي فك رموزها. ولنعط مثالا بهذا المقطع من قصيدة لأحد الشباب:
فكوني كأرض
لأعرف أن ذراعي المحيط،
وأني حين سأزأر بالوحش، مثل المغارة
حنجرة
لصدى الصلوات
وأعرف أن سرير، عليه المسافات
تخلع أشجارها الوبرية، والريح تلفظ
ملء رئات الغواية
أنفاســـــها الأولى/
فالقاريء هنا مهما بلغ من فهمه للشعر، ومهما حاول أن يصل إلى المرمى الذي يتغياه الشاعر - هذا إذا كان للشاعر مرمى هنا - فإنه لا يصل إليه أبدا. وأرى أن مثل هذا الشعر ساهم في توسيع الهوة وتعميقها بين القاريء وبين الشعر بصفة عامة.
الشاعر الغامض الملغز في نصوصه الشعرية هو خاسر في جميع الأحوال، فهو مثله مثل المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، والقارئ قد يجد نفسه محرجا أمام النصوص الغامضة غموضا قاهرا ،فلربما يذهب بعيدا إلى حد اتهام نفسه بالقصور وقد يتهمها بالغباء، لأنه لم يستطع فك مغالق النص وحل ما غمض منه ، مع أن السبب في هذا هو صاحب النص نفسه الذي قد لا يتوفر على خلفية ثقافية تسمح له بكل أريحية أن يعبر بوضوح عما يختلج شعوره .
قد يقول قائل : الشعر هو هكذا، والشعر الغامض أحيانا يجد له المرء لذة قد لا يجدها في الشعر الواضح.
وهنا نتساءل: كيف يلتذ المرء بنص لا يفهمه؟
حقيقة أجدني حائرا أمام شاعر يريد عن عمد أن يعقد نصه تعقيدا لا لشيء إلا ليقال عنه أنه شاعر عميق الدلالة يتمتع بثقافة عالية ،مع العلم أن هذا الشاعر لجأ إلى الغموض من أجل حاجة في نفس يعقوب وهي أن يشعِر المتلقي بأنه أقل منه ثقافة أو أنه يخفي ضحالة أدبية و يتستر بالغموض لكي لا ينكشف أمره.
أصحاب قصيدة النثر يفعلون هذا، وهم في نظري يريدون أن يقنعونا بأنهم يكتبون الشعر، وبأن الشعر لكي يكون شعرا عليه أن يكون غامضا، والأنكى من هذا أنهم يكتبون نصا عاديا هو أقرب إلى الخاطرة و يقولون عنه بأنه شعر، ولا يتورعون أن يهاجموا الشعر الأصيل ويصفونه بأوصاف تقلل من شأنه حتى يضفوا الشرعية على ما يقترفونه في حق الشعر وفي حق القراء من خربشاتهم.
إلى الأمس القريب كان المرء يقرأ قصيدة أو ديوانا أو حتى مقطعا شعريا والبيت والبيتين لشاعر ويخرج من كل ذلك بأنه قرأ بالفعل شعرا، وكانت القصائد والأبيات تحفظ عن ظهر قلب، أما اليوم فنجد أنفسنا أمام سيل جارف من الشعراء ولا نجد الشعر إلا في بعض الممرات القليلة جدا تائها يبحث عمن يقرؤه، لا يعرف كيف يبحث لنفسه عن مكان وسط هذا الركام الهائل من الابتذال وقلة العفة.
وأخيرا نقول بكلمة واحدة بسيطة هي:
الغموض ضار والوضوح نافع.
المتواجون الان
509 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع