اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• "الرحيل من بغداد" فيلم عراقي مطلوب للمشاهدة في كل حين! -//- يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

"الرحيل من بغداد" فيلم عراقي مطلوب للمشاهدة في كل حين!

كتابة : يوسف أبو الفوز

تصوير : شادمان عليّ فتّاح

اخيرا توفرت لي فرصة مشاهدة فيلم "الرحيل من بغداد" انتاج عام 2011 ، من سيناريو واخراج ، المخرج والمصور السينمائي قتيبة الجنابي (مواليد 1960 بغداد ) ، فوجدت ان فناننا المبدع قدم للسينما العربية عموما، وللسينما العراقية خاصة ، فلما سيعيش طويلا في الذاكرة ، فهو ليس فلما عن احداث عابرة ، اثر موجة ما موسمية ، انه فيلم لذاكرة وطن وشعب ، هو تأريخ وذاكرة الشعب العراقي ، الذي لا يختلف كثيرا عن الشعوب العربية التي قمعت طويلا من انظمتها الديكتاتورية بأشكال مختلفة . قصة الفيلم تؤرخ لمعاناة أجيال عانت كثيرا من الملاحقة والظلم البوليسي من قبل نظام حزب البعث في العراق طيلة اربع عقود ، منها جيل المخرج ذاته ، حيث تلامس قصة الفيلم خيوطا من معاناته الشخصية . فقتيبة الجنابي اضطر لترك وطنه العراق لاسباب سياسية في سبعينات القرن الماضي، وظل كثيرا يعاني من ملاحقة سلطة النظام التي كان يمكنها ان تؤذي العراقيين المعارضين في كل مكان ، فأن " يد الثورة طويلة " على حد تعبير الديكتاتور صدام حسين. قال لنا قتيبة الجنابي : "حين أستلم الديكتاتور صدام حسين السلطة مباشرة في العراق ، وعد العراقيين بأن يكون في عقل كل مواطن عراقي شرطي أمن " ، هذه الحقيقية التي تحولت الى واقع فعلي حاول الفيلم رصدها على طول 86 دقيقة . فالشخصية المحورية في الفيلم ، المصور صادق ، الذي كان يعتاش على تصوير الاعراس والافراح قاده نجاحه في عمله لان يكون مصورا خاصا لعائلة الديكتاتور وحاشيته، ثم صار يكلف بتصوير ممارسات الاجهزة الامنية الصدامية من تعذيب الناس وقتلهم ، وفي نهاية الفيلم نكتشف أن المصور دل الاجهزة الامنية على أبنه الشيوعي المعارض للنظام، فأقتادوه للاعدام بطريقة وحشية وبشعة وكان الاب المصور يقف خلف الكاميرا يصور عملية القتل ، وتحت ألاحساس بتأنيب الضمير، يقرر الهرب من العراق مصطحبا معه بعض الاشرطة التي صورها عن ممارسات النظام القمعية ، فلم تسكت عن ذلك الاجهزة الامنية وبعثت من يتعقبه للانتقام منه . الشعور بالمطاردة هو الجو الكابوسي الذي خيم على مشاهد الفيلم ، فنرى المصور صادق وهو يعاني في البحث عمن ينقله الى لندن حيث تقيم زوجته التي تخلت عنه كما يبدو لنا ، ولم نفهم كمشاهدين في بداية الفيلم تهربها من مساعدته بتوفير ما يحتاج من مال لازم ليدفع للمهربين ، الا في الدقائق الاخيرة من الفيلم حين نسمع اعترافه بتعاونه مع الاجهزة الامنية وتسليمه أبنه لهم ليضمن بقاءه في عمله وطمعا في عفو نظام لا يرحم معارضيه ، وبعد هروبه وملاحقته يكون جزاءه شخصيا من اجهزة النظام طلقة قناص ترديه قتيلا في غابات هنغاريا الحدودية ، ليموت بشكل غير مأسوف عليه لدوره في تسليم أبنه لوحشية النظام التي يعرفها وطالما صورها بنفسه . قصة الفيلم حوت شخصيات معدودة فتعامل المخرج مع ممثلين محدودي العدد وغير محترفين ، ما عدا البعض منهم (الهنغاري أتيلا سوليموسي ادى دور المهرب ) ونجح المخرج في ادارتهم بنجاح ، فعلى قلة عدد شخصياته استطاع المخرج من خلال ممثليه ان يقدم حبكة معبرة ومقنعة واحداث مكتضة بالحياة وتفاصيلها ، فكانت تلقائية الممثلين ، خصوصا صادق العطار في شخصية المصور ، عنصر قوة للفيلم ، اذ جاء اداءه عفويا مفعما بالصدق وقويا ومقنعا ببساطته ، اضافة الى كون المخرج استخدم في تصوير غالبية مشاهد الفيلم الكاميرا المحمولة بلقطات قريبة اعطت حيوية للحركة ورصدت الكثير من التوتر والخوف والاحساس بالمطاردة الذي شمل غالبية المشاهد . الفيلم استخدم ببراعة وذكاء بارز المادة الوثائقية الفيلمية ، التي غطت جزءا غير قليلا من مساحة الفيلم ، لكنها لم تكن مادة مقحمة او مفتعلة لترتيش الفيلم ودعمه ، بل كانت مادة اساسية من بناء الفيلم واحداثه ، وظفها السيناريو دراميا لتكون جزءا متكاملا من بناء النص وتساهم في تصاعد دراما الاحداث ، ساعد على ذلك كون الشخصية الاساسية ـ صادق ، تمتهن التصوير فجاءه استذكاره لما صوره ــ وغالبيته مواد وثائقية ـ ليس مقحما على بناء النص ، ومن خلال هذه الاستذكارات الوثائقية تعرف المشاهد على جانب من وحشية نظام صدام حسين في التعامل مع الشعب العراقي ومعارضيه . ان استخدام هذه المواد الوثائقية بما حملت من قسوة وبشاعة فرضت تصنيف الفيلم ليكون للمشاهدين ممن بلغوا الثامنة عشر من العمر مما حرم الفيلم من مساحة عريضة من الجمهور على حد قول المخرج في حديثه معنا . هاجس تقديم الحقيقية في شهادة فنية عن واقع عاشه الشعب العراقي ليكون هناك شيء يعيش طويلا ويعبر عن معاناة جيل ، عانى كثيرا من سياسات نظام صدام حسين القمعية، دفعت بالمخرج لاستخدام شخصية حقيقية ، فشخصية الابن الشهيد سمير، أستخدم لها أسم وصورة الشهيد الشيوعي سمير (سمير يوسف كامل أسمه الحركي عمار ) الذي كان مهندس اذاعة الحزب الشيوعي العراقي المعارضة لنظام صدام حسين وهو صديق شخصي للمخرج ، استشهد مع الانصار الشيوعيين في كردستان في مجزرة بشت أشان 1983 ، وكان ذلك استخداما ذكيا مما جعل شخصية الشهيد في الفيلم صوتا قويا يحرك الاحداث . الاب صادق المصور يكتب رسائلا لابنه سمير يلومه فيه لانه نغص عليه حياته في الاستفادة من هبات وعطايا حكومة الثورة والحاكم القائد ، ويلومه لانه التحق بالشيوعييين ، لكننا اخر الفيلم نتفاجأ بأعتراف الاب كونه من الذين نجح النظام الديكتاتوري في مسخ شخصياتهم وحولهم الى مخبرين وادوات تخدم ألته القمعية وارهابه السياسي ، فالمصور صادق كان ميتا بخطيئته قبل ان يموت برصاص القناص في غابة حدودية ! المخرج حاول في نهاية الفيلم وبذكاء ومن خلال لقطات قصيرة ان يترك المشاهد في حيرة من امره ، فبعد مقتل صادق وانكفاءه على وجهه نرى لقطه له في مكان اختبائه في البيت المهجور عند الحدود ونراه في مشهد عند ساحل البحر ثم صورة لباخرة تمخر البحر قبل ان ينتهي الفيلم ، فهل كانت هذه المشاهد تجري في عقل صادق القتيل أم ان المطاردة وبحث القاتل عنه ومقتله بطلقة قناص ، هي مشاهد زرعها الخوف في عقل صادق الهارب والمطارد ؟!

ان كون مخرج الفيلم عاش حوالي خمسة عشر سنة في هنغاريا ، حيث اضطر لترك وطنه والعيش تحت هاجس المطاردة حتى سقوط النظام البعثي، جعلته عليما وخبيرا بتفاصيل حياة المطاردين والباحثين عن الامان بعيدا عن رجال امن النظام الديكتاتوري ، وجعلته ايضا عليما باماكن التصوير واليفا معها ، فهكذا كنا نلمس ان اللقطات كانت مرسومة بذكاء وفنية عالية دون اخطاء كثيرة ، وكان مونتاج الفيلم يقدم اللقطات بتوتر محسوب مع الموسيقى الجميلة من توم دونالد. هذا الفيلم الذي انجز بميزانية متواضعة وتطلب من المخرج تقريبا عامين لتنفيذه مع فريق العمل الذي صبر كثيرا ، يقول لنا ان السينما الجادة لا تحتاج الى بهارج كثيرة . ان نجاح الفيلم وفوزه بالعديد من الجوائز التي يستحقها ، والاستقبال الجيد من العديد من النقاد الاجانب والعرب ، والاوساط السينمائية في المهرجانات في اكثر من دولة ، جعلت من الفيلم جواز مرور ناجح لمخرجه للتحرك نحو المهرجانات الدولية والتعامل مع شركات الانتاج وصناع السينما ، ومن جانب اخر فأننا نعتقد ان هذا النجاح يلقي مسؤولية كبيرة على المخرج المثابر والحيوي ، الذي قال لنا انه لا يريد ان يكون لفترة طويلة سجينا لفيلم "الرحيل من بغداد"، وها نحن معه ننتظر انجازا يليق بامكانياته خصوصا بعد الخبرات التي اكتسبها من انجاز هذا الفيلم وسلسلة الافلام القصيرة التي سبقته والتي كان تمرينا جادا لانجاز هذا الفيلم الذي جاء مكثفا بدون حشو وثرثرة وخطابات فائضة مما يجعله يبقى طويلا في الذاكرة ويظل مطلوبا للمشاهدة في كل حين !

* عن تاتو ـ جريدة ثقافية شهرية تصدر عن مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون / العدد 43 السنة الثالثة - كانون الاول 2012

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.