اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حلبجة ... مأساة ومستقبل ! -//- يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

ربع قرن على جريمة حلبجة

حلبجة ... مأساة ومستقبل !

يوسف أبو الفوز

شاهد على المجزرة الرفيقة شادمان علي فتاح :

من اجل ان لا نحول مأساة حلبجة الى مناسبة للبكاء واللطم وشتم الطاغية فقط !

المتابعون للصحافة العراقية ، يعرفون مصداقية كلامي اذ اقول اني من الكتاب العراقيين الذين كتبوا وتحدثوا باستمرار عن مأساة مدينة حلبجة ، فارتباطي بهذه المأساة له اكثر من سبب ، منها حجم الجريمة وبشاعتها وكون مرتكبها هو حاكم بحق ابناء شعبه ، حيث يوم 16 آذار 1988، وبتحد سافر لكل الأعراف والمواثيق والأخلاق الإنسانية ارسل الديكتاتور المجرم صدام حسين قوات طيرانه العسكري ومن اكثر من قاعدة عسكرية لتمطر مدينة حلبجة سموم الخردل والسيانيد ولتكون حصيلة ذلك موت حوالي خمسة آلاف مواطن وإصابة سبعة آلاف اخرين ، والغالبية كانت من الأطفال والنساء والشيوخ، لا لجريمة اقترفوها سوى انهم بشر ومواطنون عزل ، والى جانب ذلك معايشتي المباشرة لجانب من ممارسات النظام الديكتاتوري المقبور في حملات الابادة السيئة الصيت التي عرفت بأسم "الانفال"، فخلال وجودي ضمن فصائل انصار الحزب الشيوعي العراقي ، كنت شاهدا على معاناة ابناء شعبنا الكردي وهم عزل  في مواجهة همجية نظام فاشي كان يعتقد ان شوفينيتة الحاقدة قادرة على ابادة شعب عريق ، في حرب غير متكافئة القوى، حيث قامت  صيف عام 1988 فيالق النظام العسكرية المدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة وفي مقدمتها الأسلحة الكيماوية، تدعمها قوى  قوات الجيش الشعبي وافواج مايسمى بأفواج وسرايا الدفاع الوطني ، المعروفة لدى ابناء الشعب الكردي بأسم قوات "الجحوش"، التي شكلها النظام صدام حسين من المرتزقة الكرد لمحاربة أبناء جلدتهم وبلغ عددهم حسب تقديرات المعارضة العراقية اكثر من 480 الف مرتزق (جحش) ، والذين لعبوا دورا مهما سهل لقوات النظام التحرك وتنفيذ عملياته العسكرية الواسعة ضد سكان المنطقة وضد قوى المعارضة ، حيث اجتاحت القوات كل القرى التابعة لاقضية زاخو والعمادية (محافظة دهوك) والشيخان وعقرة (محافظة الموصل ) ومناطق واسعة من محافظتي السليمانية واربيل ، ودمرت كل مظاهر الحياة بنسفها وإحراقها للقرى والبساتين والينابيع وباستخدامها البشع للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا ، وسجلت شهادتي يومها في كتاب " اطفال الانفال" صدر عام 2004  في السليمانية عن وزارة الثقافة في اقليم كردستان ، وسجلت فيه الاحداث من من زاوية ما تعرض له الاطفال الاكراد .  أيضا ما يدفعني للكتابة والحديث كل مرة هو الوفاء للشهداء والضحايا ، والابطال منهم الذين لا تفارق مخيلتي صورهم ومأثرهم البطولية . الى جانب كل ذلك استطيع القول ان مأساة حلبجة ببساطة صارت تسكن بيتي والتقيها كل يوم بأشكال مختلفة . فشادمان (مواليد 1970) شريكة حياتي ، ابنة كردستان ، المناضلة الشيوعية ، هي شاهد مباشر على الجريمة ، وعاشت المأساة بكل تفاصيلها وهي لا تزال صبية.  لكم ان تتصوروا حجم الألم الذي  حملته فتاة بعمرها وهي ترى أمامها مدينة كاملة تحرق والالاف من الناس عاشت بينهم ومعهم وعاشرتهم يذوون مثل التراب ؟ لم ينقذها من الموت سوى كونها تسكن منطقة "كاني عاشقان" المرتفعة نسبيا . لم يكن احد يعرف في البداية ان النظام يستخدم اسلحة محرمة دوليا. والدها المناضل، علي فتاح درويش (مواليد 1936) المعروف بين ابناء المنطقة بأسم "اسطه علي" احد كوادر الحزب الشيوعي في المدينة ، جاء هاربا بعائلته من مدينة السليمانية ،  إذ لم يتركه النظام الديكٌتاتوري يهنأ بحياته كموظف في الاصلاح الزراعي ، فترك الوظيفة والسليمانية ولجأ الى حلبجة ، يستقوي بعشيرته وبالجبال القريبة ، التي يعرف مسالكها ببراعة وأمتهن بناء البيوت لاعالة عائلته. كان يومها مسؤولا عن ايواء مفرزة من المقاتلين الانصار ، ووسط القصف الذي قامت به طائرات النظام مزهوة بنجوم علم الوحدة القومية ، كان الجميع يظنون انه قصف بقنابل تقليدية طالما اعتاد عليها ابناء كردستان ، كان عليه ان يطمأن على رفاقه ويشرف على انتقالهم الى مكان اكثر أمنا . قبل مغادرته الملجأ ، حيث ترك اطفاله ، عاد ليمسك بكتفي ابنته ، شادمان ، ليقول لها : "ان لم ارجع انت المسؤولة عن العائلة". تقول شادمان ذهب ولم يلتفت . كان مدركا لحجم الخطورة ، لكن ضميره يملي عليه ان يقوم بواجبه حتى وان كان ثمنه حياته. ذهب ولم يعد . لم يكن احد يعرف ان النظام المجرم استخدم قنابل كيماوية محرمة دوليا . كل مرة حين تروي شادمان ذلك ، يكاد ينفطر قلبي حزنا وغضبا ، فكيف بها وهي تعيش الالم كل مرة، وكيف بمن بقي من أهل المدينة وقد فقد بعضهم كل افراد عائلته . تتحدث شادمان عن بحثها عن ابيها فجر يوم 17 اذار ، وهي تدور بين جثث القتلى في ازقة مدينة حلبجة ومعها اخوها الاصغر منها ئالان (مواليد 1975) . تقول شادمان : " ان كل الصور التي نقلتها وكالات الانباء عن الشهداء شاهدتها وقبل ان يلفظ بعض الشهداء انفاسهم الاخيرة " . كانت شادمان تدور بين انين الضحايا ورائحة الموت والخردل ، تنتقل من زقاق لاخر تبحث عن ابيها ولتر بنفسها حجم المأساة التي رسخت صورها طويلا في بالها وظلت تعاودها كوابيسا لا تتوقف. هذه الكوابيس لا تلاحق  شادمان وحدها بل كل اهل مدينة حلبجة والقرى المحيطة . ومن بعد خمسة وعشرين عاما هذه الكوابيس صار لها اسما اخر ، لم تعد مجرد صورا وخيالات .  ففي الفترة الاخيرة صار معلوما ، وتناقلت وكالات الانباء ، خبر زيارة وفد بريطاني متخصص بالاسلحة الكيماوية لمدينة حلبجة واعلنت نتائج فحصه للتربة ، حيث تبين وجود بقايا من غاز الخردل القاتل في اماكن عديدة من المدينة خصوصا في الاقبية والسرديب التي كانت تستخدم كملاجيء . مدير بلدية المدينة من جانبه اعلن عن " تسجيل نسب عالية من الاصابة بالامراض السرطانية نتيجة الاصابة بالاسلحة الكيمياوية ورغم مرور السنوات  واهل حلبجة لا يزالون يعانون من تبعات القصف الكيماوي" المعلومات الطبية المتوفرة في كل مكان تشير الى معاناة اهالي المدينة من أعراض امراض مزمنة مثل الاضطرابات العصبية وامراض العيون ومشاكل العقم وامراض جلدية وغيرها كثير .

في متابعة منا لشادمان وهي تعد كلمتها للمشاركة في احتفال بمناسبة مرور ربع قرن على مأساة حلبجة ، كانت غاضبة الى جانب حزنها العميق ، فهي ترى " ان المجرم معروف جيدا ، والضحايا معروفين ، وتفاصيل الجريمة واضحة ، المطلوب الان ليس اللطم والبكاء وشق الجيوب ، ان افضل وفاء للشهداء وللمدينة هو العمل من اجل مستقبل المدينة واهلها ". وعند سؤالها عن التفاصيل تضيف شادمان :" ان عشرات الاسئلة ترد الى البال في ذكرى مأسأة حلبجة ، منها ما يتعلق بالشركات الغربية التي ساعدت الديكتاتور المجرم صدام حسين في امتلاك الاسلحة الكيماوية ، هذه تعتبر شريكا له في الجريمة ، فكم شركة منها تم تقديمها للمحاكمة ؟ أن الاخبار الرسمية من مدينة حلبجة تتحدث بالتفصيل عن تلوث مدينة حلبجة ، فما هي الاجراءات التي قامت بها حكومة الاقليم والاحزاب والمنظمات الدولية لمعالجة ذلك ؟ والاوضاع الصحية لاهالي المدينة واحتمالات انتقال الامراض وراثيا الا يتطلب منشأت صحية واجراءات خاصة للمدينة ؟ "

وتشدد شادمان في قولها: " ان جريمة مدينة حلبجة ونتائجها المأسوية المستمرة تدعوا جميع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حكومة الاقليم والمنظمات الدولية في ضرورة النظر الى المستقبل ، حتى لا نحول مأساة حلبجة الى مناسبة للبكاء واللطم وشتم الطاغية فقط ، ان لمدينة حلبجة واهلها مستقبل افضل يستحقونه يجب العمل لاجل ذلك بتفان وتوحيد كل الجهود لاجل تحقيقه ! " .

مع شادمان نشعل شمعة لذكرى المدينة الشهيدة وذكرى اللشهداء الابطال ونعاهدها على مواصلة العمل من اجل المستقبل الافضل ونرنو الى المستقبل حيث لا حروب ولا طغاة ، حيث يعود العاشق ليغني لحبيبته كلمات الشاعر الشيوعي عبد الله كوران ابن المدينة وفخرها :

تحت السماء الزرقاء

جنب القمم المكسوة بالثلوج

لم أر احد بمثل جمالك

انت وانت فقط !

هلسنكي   15 اذار 2013

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.