اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

شيوعي من طراز خاص! -//- يوسف ابو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

شيوعي من طراز خاص!

يوسف ابو الفوز

حين بدأت أنشوطة الارهاب السياسي لنظام صدام حسين تضيق حول رقبة الوطن ، في اواخر سبعينات القرن الماضي ، ورفض الالاف من ابناء العراق من مثقفين وناشطين سياسين من القوى الديمقراطية الامتثال لسياسة تبعيث الوطن ، اضطروا ، وبطرق مختلفة ، الى ترك البلاد غير مخيرين ، بحثا عن اي سقف امن يحفظ لهم كرامتهم وحياتهم .  صيف 1979 وبعد عام من التخفي والمطارادات ، اضطررت شخصيا لترك البلاد ، عبر الصحراء ، مشيا على الاقدام لاصل دولة الكويت ، وحسب العنوان والعلامات الخاصة ، قادني صاحب الدكان العراقي الطيب الى الاخ "ابو علي " لأجد أنه المناضل عبد الحسين كريم كحوش  ، المعروف جيدا بين ابناء مدينة السماوة باسم "ابو كفاح " . في سبعينات القرن الماضي ، لمن لا يعرف ابو كفاح جيدا ، لا يظن ان هذا الرجل المتواضع ، البسيط المظهر، القليل الكلام والطيب المعشر، هو السكرتير الثاني لمحلية الحزب الشيوعي العراقي لمحافظة المثنى ، فقد عرف عنه خلال عمله الحزبي ابتعاده عن الاضواء ، وظل على الدوام يكره الظهور العلني في النشاطات العامة . ومثل ذلك عرف عنه صلابته وذكاؤه ، وفي ايام دراسته الجامعية في معهد التكنولوجيا في بغداد، قسم الرسم الهندسي ،  دوخ وبمعنى الكلمة المجرم السفاح ناظم كزار بقدراته ودهائه  في العمل السري .  في الكويت سكنا معا  في بيت واحد ، في منطقة شعبية ، وكان ابو كفاح خير صديق ومعلم في امور متعددة . لازمته الشهيرة كانت :

ــ الدنيا بخير !

ويوما ، وكنا نقرأ في بيانات ورسائل قادمة من داخل الوطن، تحوي اخبارا محزنة عن اعتقال مناضلين ، بينهم اسماء معروفة لنا ، شط بي الغضب حين قال لازمته اياها ، وأحتججت :

ـ اي خير ونحن نعيش اجواء كارثية ؟

نظر لي بوجه يحمل نظرة عميقة ، سمحة ، وعيونه الذكية تومض ببريق خاص :

ـ كارثة نعم ، ولكن انظر كان الجلادون يعتقدون انهم سيقتلعون حزبنا من ارض العراق ، ولن يكون له صوت. تمعن في قوائم اسماء المعتقلين ، واعمارهم والتهم الموجهة اليهم ، رجال ونساء بمختلف الاعمار ، بينهم الكثير من الشباب ، يبادرون بأنفسهم ليعيدوا تنظيم انفسهم ، ويرتكبون اخطاء بعضها قاتل فيقعون بيد السطات الديكتاتورية ، ماذا يعني هذا ؟ استمرار المسيرة . سياتي بعدهم آخرون ، يرتكبون اخطاء اقل ، فينهض التنظيم وسيكون لحزبنا صوت للابد في النضال من اجل المستقبل الذي نحلم به . ان الحزب بخير يا رفيقي !

لم يعش الرفيق ابو كفاح ليشهد اليوم الذي حلم به ، يوم سقوط القتلة ، حيث عثر ، بعد سقوط النظام الديكتاتوري على رفاته في المقابرالجماعية في سجن أبو غريب .

في خريف عام  1982 وصل الى كردستان ، الى مناطق عمل انصار الفوج التاسع للحزب الشيوعي العراقي في ريف منطقة السليمانية ، وفي شباط 1983 كان الفوج التاسع للانصار بحاجة الى كادر حزبي متمرس كمستشار سياسي ، فحاولت الى جانب رفاق اخرين اقناعه باستلام المهمة ، فاعتذر ببساطة :

ـ لا أصلح للعمل العسكري !

كان يخفي الجواب الحقيقي ، الذي صار معروفا فيما بعد . لقد جاء ابو كفاح الى كردستان لمهمة محددة : التوجه والعمل في  عمق الوطن !

لم يفقد يوما تفاؤله ، رغم كل الظروف المحيطة والصعوبات التي مر بها الحزب ونضال الحركة الوطنية. كان واسع الاحلام ، لكن احلامه كانت واقعية ، يرى في استمرار النضال واكتشاف طرق جديدة للعمل وسط الجماهير ضمانة للتمسك بالامل وتحقيق الاحلام . في صيف 1983 أختفى تحت ستار السفر للعلاج خارج كردستان . لم يكن يعلم ابو كفاح ، ان ثمة مندسا خائنا ، كان له بالمرصاد ، وتبين فيما بعد انه مسؤول عن اعتقال مجموعة من كوادر الحزب في منطقة الفرات الاوسط ، وكان دليل الاجهزة القمعية لاعتقال ابو كفاح . لم يعتقلوه فورا ، تركوه لفترة لمحاولة رصد اتصالاته وتحركاته ، وحين فشلوا في كشف شيء القوا القبض عليه .  تعرض الى تعذيب وحشي ، فرفض اعطائهم اي معلومة ، لم يقر حتى بأسمه الصريح وتمسك بالاسم الذي حمله في الاوراق المزورة التي كان يحملها .  التقى به المجرم المقبور علي حسن المجيد مرتين ، ليساومه على حياته فقط ليقر لهم ببراءته من حزبه الشيوعي . وامام اصراره وصموده الاسطوري ساقوه في فجر من اواخر اذار عام 1985 الى حبل المشنقة وذراعه معلقة الى رقبته بقطعة قماش عادية . روى سجناء في ابو غريب ان ابو كفاح في طريقه الى حبل المشنقة  راح يهدر بصوت مترع بالاصرار بالهتاف لشعبه وحزبه  ، ورد عليه بعض السجناء هتافاته ، وصلى له البعض صلاة الشهادة  ، ومضى مضاء الجبين في طريق الشمس واثقا ان حزبه سيكون بخير !

* مساهمة في ملف الذكرى 79 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي / عن طريق الشعب العدد 154 الخميس 28 أذار‏ 2013

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.