اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• بعد إن رحل !!

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بشرى الهلالي

مقالات اخرى للكاتبة

بعد إن رحل !!

 

كانت تجلس في وسط الغرفة، متلفعة بعباءتها السوداء وقد غطت نصف وجهها بشال أسود، أرملة ثكلى محاطة بمجموعة نساء منهن من إنشغلت بمواساتها والبعض إستغرقن في أحاديث جانبية بإنتظار أن تنتهي فترة العزاء لترحل كل منهن إلى بيتها وقد أدت (الواجب) وتلقي عن جسدها السواد لتعود الى حياتها الطبيعية وبيتها متناسية حزن تلك المرأة التي تساوى لديها لليل والنهار في موكب حزن دخل بيتها ولا تعرف متى سينتهي. ضاعت الكلمات وسط غمامة الحزن والألم التي إمتدت مسافات لتقف بيني وبينها، تعثرت خطواتي وأنا أتقدم نحوها بينما كان شريط الذكريات يتراقص  أمامي، مرت أمامي صورتها بثوبها الأخضر القصير وشعرها المموج وضحكاتها الرنانة التي كانت تملأ أركان بيتها الصغير لتحول كل لحظة غضب أو حزن الى حدث عابر، وعبر أمامي طيف زوجها مبتسما وهويردد إسمها بعذوبة، فقد أحبها رغم الكثير من العثرات التي صادفت حياتهما معا. لم يكن يملك الكثير لكنه كان يملك قلبا يهفو لإسعادها هي وأطفاله الثلاثة، ورغم إنهم لم يعودوا أطفالا إلا إنهم مازالوا يتعلقون بأذيال ثوبها عندما تثب خطواتهم الى خارج عالمهم الصغير، فقد تعودت هذه المرأة القوية أن تكون محور مملكتها الصغيرة ومتكأ الزوج الذي وإن كان محبا إلا إنه لم يفكر يوما بأن الغد قد يتحول الى حاجزا يعترض طريق سعادة عائلة الصغيرة، فقضى معظم حياته التي لم تمتد طويلا باحثا عن الترف والمتعة.

 

تقدمت خطوة، سبقتني دموع خرجت عن نطاق السيطرة، فلم أقو على إحتمال منظر إمرأة تحولت بين ليلة وضحاها من كتلة حياة الى شئ مكلل بالسواد مركون في زاوية تشخص إليها نظرات فضولية غريبة، فالمواساة في زمن الموت تحولت إلى كلمات جوفاء مركونة في زوايا اللسان تتدفق فور إنعقاد أي مجلس عزاء، وقد تكون مستنسخة أو متشابهة، فهي كلمات وحسب. وإذا كانت الكلمات تكفي لتخفيف جرح هذه الأرملة فمالذي يمكن قوله لإبنتها الشابة اتي إرتدت ثياب الحزن للمرة الأولى في حياتها؟

 

ضاقت الغرفة حتى شعرت إنها لم تعد تتسع لحجم خطواتي وحزني، إمتدت ذراعي لتحتضن الجسد الهزيل، وبكت كل خلية في جسدي، ليس فقط لأنني أحببت هذه الصديقة وعائلتها كثيرا، بل لأني أدرك بأنه في اللحظة التي سيطوى فيها سرادق العزاء وترحل العباءات السود، ستبدأ رحلة أكثر قتامة في المجهول، فهذه الأرملة الشابة لا تملك في الدنيا سوى بيتها الصغير المستأجر. قالت وقد جمد الدمع في عينيها: نعم، أخطأت حينما تركت عملي وكل شئ، حينما ظننت إن الأمان معه هو ضمان المستقبل، لم أفكر يوما بأن أنياب الدهر قادرة على تمزيق رباط السعادة مهما كانت قوته.

 

صمتت الأرملة لحظة، أطرقت، مدت يدها لتمسك يدي بقوة وقد سقطت دمعة لسعت حرارتها يدي، لم تتكلم، بل كانت نظرتها إلي تقول، رغم حزني الشديد على رحيله لكن حزني على القادم أكبر، فماذا أفعل وكيف أعيل أولادي بعد إن رحل؟؟

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

http://www.kitabat.com/i83355.htm

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.