اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• غربة الروح

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بشرى الهلالي

 مقالات اخرى للكاتبة

غربة الروح

 

حينما التف الأمس بعباءته ورحل، جرجر خلف اذياله طفولتنا التي كانت تتراقص فوق خطواتنا. لم تكن الطفولة مرحلة وانقضت، كانت حلما يرافق الحقيقة.. ضحكة تطفر فوق غصات القلوب المتعبة، لم يكن لها سن محددة، لكنها.. كانت موجودة، ترفرف فوق متعنا البسيطة،  تطوق الروح بسياج من الياسمين، وتبعثر الفرح في دروب يعشش فيها الأمان. لم يكن الفرح بحاجة الى اذن كي يغزو قلوبنا، كنا نطارده اينما ذهب ويطاردنا اذا ماغبنا عنه.. يحضر حاملا عصاه السحرية بالف صورة وصورة، مرة مع صديق نحب واخرى في جلسة عائلية أو رحلة عفوية وربما مع وظيفة متواضعة او درجة جيدة في امتحان، او مع وليد جديد ينضم الى العائلة. طالما عانق الفرح وجوهنا التي مافكرت يوما بانه قد يرحل بغتة في ظلام الليل، يلوث بياض وجهه البارود ويتحشرج صوته ويضيع مع اصوات الرصاص. بحثت عنه الروح طويلا حتى نسيت شكله، ولم تعد تعرف الدروب التي يسلكها هاربا من وجوه متعبة صار يبدو لها مجهول الهوية. وعندما غدت الروح وحيدة، ادركت ان زمن الطفولة قد انقضى والى الأبد، واننا كبرنا بل شخنا في غفلة من الزمن. راحت الروح تقلب صورا بهتت الوانها، بعثرت كل دفاتر الذكريات.. راجعت كل ارقام الهواتف والعناوين التي كان الفرح يهدهد اصحابها.. ويوما بعد يوم.. وسنة بعد سنة، شاخت الروح. كعجوز مقعدة إحتلت زاوية ما من البيت الكبير الذي مازال كل شئ يتحرك فيه، مازالت العيون ترى والشفه تضحك واللسان يسب ويشتم.. مازالت اليدين تفعل ماتعودت فعله ومازالت الخطوات تستهلك القدمين على دروب سحقتها، مازال العقل صامدا يجاهد لابتكار اساليبا جديدة للحياة. وهكذا، وجدنا انفسنا بمواجهة العقل الذي اخذ على عاتقه برمجة حياتنا واحلامنا.. طموحاتنا وآلامنا. ربما يبدو هذا جيدا، فليس من السهل ان يحتفظ المرء بعقله في بلد يحاصره الجنون.. ومهما حصل فالحياة يجب ان تستمر، لكن عزلة الروح منحت العقل (آلية) حتى صار كل منا روبوت متحرك يستمع الى صوت العقل الذي استحوذ على كل ماتبقى من انسانيتنا حتى الأمل. لم تعد الأحلام والآمال تنتمي الى الروح بل صارت ملفات في ذاكرة العقل تخضع لمخططات وحسابات، تخضع بدورها الى كل مايحيط بنا من ظروف.

 

تم توقيع شهادة وفاة الروح رسميا.. لم تعد الأعياد ملونة.. لم تعد الأعراس مهرجانات فرح بل واجب مفروض على الجميع، حتى العروسين، تغلغل اليباب في كل مفردات الحياة حتى اصبح البحث عن فرح يحتاج الى مجهود يتجاوز حدود قدراتنا احيانا وربما يحتاج الى ادراجه على اجندة مشاغلنا التي تشبه دورة الزمن. صارت الضحكات مجرد دعاية لمعاجين الأسنان، والفرح ورقة محفوظة في ارشيف الروح التي احتواها اليأس، صرنا نستيقظ صباحا.. نذهب الى العمل.. نأكل ونشرب.. ننام ونصحو، ونحيا دون أن نشعر بمعنى الحياة بل نقاتل فقط من اجل الإستمرار، من اجل ان نقول اننا هنا نقبع في زاوية من زوايا الزمن. وشيئا فشيئا صارت الآلة لغة العصر.. اليد آلة والعين آلة والعقل آلة.. لم يعد غريبا ان يشترك الجميع بشكوى واحدة (الضجر)، دون ان يدرك هؤلاء ان الضجر استفحل عندما فرضنا على الروح الإقامة الجبرية، وتآمرنا مع من تآمر عليها. استهلكتها الغربة، وفقدت جنسيتها من كثرة السفر في مدن اغلقت حدودها في وجهها.. فعادت منكسرة تناشد العقل ان يعقد صلحا معها لتمنح الإنسان انسانيته التي قد تطلب اللجوء عما قريب عندما يصدر العقل امرا ببرمجة المشاعر. لذا، عوضا عن استجداء الفرح، لنضم صوتنا الى صوت الروح، ونناشد العقل ان يتخذها نصيرا فهي الوحيدة القادرة على انعاشه قبل ان يأتي اليوم الذي يكتشف العقل فيه حجم وحدته ومسؤوليته، فيولي هاربا..!!!

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

http://www.kitabat.com/i84307.htm

جريدة الناس 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.