اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• تكريم (فرّاشة)

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بشرى الهلالي

 مقالات اخرى للكاتبة

تكريم (فرّاشة)

 

لا أعرف لماذا سميت ب(الفرّاشة)، هل لأنها تظل تدور طوال النهار بين الادارة والطلبة لخدمتهم أم لسبب آخر؟ وكما هو متعارف عليه فـ (الفرّاشة) هي المرأة التي تقوم بالخدمة والتنظيف في المدارس والدوائر الحكومية. وليس هذا موضوع الحديث الآن، فلم يفكر أحد بالكتابة عن هذه الشريحة من عمال وعاملات الخدمة، شأنهم شأن العديد من الشرائح المستضعفة. عندما تذكر كلمة (فرّاشة) أمامي، تجول في ذهني فورا صورة امرأة عجوز بثوب اسود رث، تتلفع بـ (فوطتها) السوداء، تستجدي نظراتها (الالف دينار) من اهالي الاطفال يوم اعلان النتائج! ولايختلف الامر عنه في دوائر الدولة، فهذه هي صورة عاملة الخدمة او المنظفة او(الفرّاشة) في كل مكان في بلدي. تراقصت هذه الصورة امامي وانا اصغي لقصة ابنة اخي حول احتفال مميز حضرته في مدرستها في هولندا، وكان سبب الاحتفال هو تكريم السيدة (آن ماري) التي تعمل كمنظفة في مدرستها الابتدائية. وآن ماري قضت 25 سنة في خدمة المدرسة والطلبة والادارة بكل تفان واخلاص، ووصلت الى سن التقاعد، فقررت ادارة المدرسة تكريمها باقامة حفل وداع لها. اما ما جرى في هذا الحفل فهو ما لم تحلم به سندريللا ليلة هبوط الساحرة عليها. فقد اتصلت ادارة المدرسة باهالي الطلبة مطالبة اياههم بالحضور الى المدرسة في اليوم المحدد وتحضير هدايا للسيدة آن ماري، وأبلغت الطلبة والاهالي بعدم ذكر الموضوع امام آن ليكون مفاجأة!

 

 

 

وللمرة الأولى شهدت المدرسة ارتداء طلبتها لزي موحد في يوم الاحتفال، حيث ارتدى الطلبة زي (المنظفة) وحمل كل منهم (المقشة)، كما ارتدت المدرسات وادارة المدرسة ربطات شعر شبيهة بتلك التي ترتديها آن ماري اثناء قيامها بالتنظيف وايضا حمل كل منهم، رجالا ونساء (المقشة)، كما تم تقديم مسرحية عن حياة (آن ماري) من قبل الاطفال تم تدريبهم عليها من قبل الاساتذة، وقدمت مديرة المدرسة قصيدة شعر تمتدح فيها سيرة حياة وعمل آن ماري وحرصها على الاطفال ونظافتهم والتزامها بعملها طوال 25 سنة. لم يتغيب اي من أهالي الطلبة، بل حضر الجميع محملين بالهدايا والورود وعلب الحلوى، فكان يوما لن تنساه (الفرّاشة) آن ماري التي شعرت بالزهو والفخر بنفسها وبتاريخها المهني.

 

لم يكن ما قصته ابنة اخي لي خيالا، بل هو حقيقة لا تشبه الحقائق في بلدي، فاستاذي (البروفيسور) الاخير في اختصاصه في الجامعة والذي خدم بلده لاثنين واربعين عاما رافضا مبدأ الهجرة في سنوات القتل، قدم آخر محاضرة له أمام اثنين من طلبته فقط ، وظل يجري بين مكاتب الجامعة طوال خمسة اشهر لاتمام معاملة التقاعد، فلم يتحمل قلبه بطر الموظفات وساعات الانتظار للحصول على توقيع فلان وعلان، فمات قبل ان يحصل على (الامر الاداري) للتقاعد. لم يفارقني الندم وشعوري بالذنب لاني لم ابادر مع زملائي لاقامة حفل وداع له، ربما لانني ظننت حينها بأن الجامعة ستبادر حتما وسيكون بامكاننا عمل الكثير لاجله!

 

 

 

ومع ذلك، عاش هذا البروفيسور حياة كريمة وحظي باحترام وتقدير ورفاهية لم تتوفر لكثير من المبدعين غيره الذين هاجر بعضهم للحصول على اعانة اللجوء، ومات بعضهم على الارصفة، اغتيل بعضهم وعزل البعض الآخر لكفاءته، تاجر بعضهم باسمه وباع البعض مبادئه. وفي معظم الحالات، كل ما يحصلون عليه هو تقرير مصور في برنامج ثقافي يرثيهم -بعد وفاتهم- وحفل تأبين.

 

تساؤل بريء، لو كنا نعيش في بلد السندريللا آن ماري، فهل كانت قدم طالب القرغولي ستقطع في الغربة وهو آخر العمالقة؟ وهل كان محمد درويش سيموت فقرا ومرضا دون ان يحصل على عمل في عشرات المؤسسات الاعلامية؟ لا أعلم هل سيضحك درويش في قبره ام يبكي إذا علم بأنه أصبح مادة للعديد من المقالات و(اعمدة) الرثاء في صحف لفظته في حياته؟

 

تساؤل بريء، هل يوجد بلد ،غير بلدي، يكره مبدعيه حد النكران بينما يعشقونه حد الموت؟

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

جريدة الناس

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.