اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• مكالمة ! ( قصة قصيرة )

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بشرى الهلالي

 مساهمات اخرى للكاتبة

مكالمة !

 

كل عام وانت بالف خير.. تدفقت الكلمات عبر المسافات بسرعة كبيرة، كان يتحدث بلهفة وشوق ويعدها بهدية عيد الميلاد التي ستصل اليها مع صديق قادم الى الوطن من بلاد الغربة. لم تجب، بل عبرت ذاكرتها المسافات بسرعة البرق لتقلب الاف الدقائق والساعات والايام منذ اللحظة الاولى التي دب حبه في قلبها. تذكرت احتفاله الاول بعيد ميلادها بعد ان اختارها رفيقة دربه من بين عشرات الفتيات اللواتي يتوزعن في عالمه الواسع، حينها كاد يطير فرحا وهو ينتظر حلول ذلك اليوم، مازالت تذكر لون الورق الذي غلفت به هديته الثمينة.. نظرات الحسد التي ارتسمت على وجوه صديقاتها. رجل اعمال وسيم اقتحم عالمها المشحون بالاحلام في زمن الحصار، مغامرا لايستقر في مكان، ارهقتها رحلاته المستمرة، وبين رحلة واخرى، كان يعود ليستريح في كنف حبها ليغادر ثانية فتغادر معه احلامها وتظل سجينة واقعها الذي استكانت فيه لكونها ام لثلاثة اولاد. لم يحضر لحظات ارتفاع حرارة ابنتها الصغرى وسهرها وحيدة دون رفيق سوى دموعها التي تستعجل بزوغ شمس النهار لضمان الوصول الى اقرب مستشفى، لم يقضي ساعات بمؤازرة ابنه الاكبر في ايام الامتحانات. اما ابنتها الوسطى فقد نشأت مجهولة الاقامة عاطفيا، فهو ينسى حتى السؤال عنها في معرض مكالماته الهاتفية السريعة. التف شريط الذكريات سريعا ليعرض امامها بكل جرأة ليالي طويلة من الوحدة والخوف ايام كانت الشوارع ملغمة بالموت، وتذكرت كيف كانت تقضي نهارها تذرع الممر وصولا الى الباب الخارجي بانتظار عودة الاولاد من المدرسة بسلام، فنادرا ماكان يمضي النهار دون سماع دوي انفجار قريب يضطرها احيانا للخروج من جحرها وصولا الى المدرسة للاطمئنان على احد الاولاد. لم تعد تخشى اللصوص او وحشة الليل، فقد تعودت ان تكون وحيدة، ولم تتوقف يوما عن اقتحام شوارع العاصمة ،الموحشة تارة والمزروعة بالموت تارة اخرى، متى مااستدعت الحاجة. تلاشت خلف مسؤولياتها الجسام، لاتتذكر كيف انسابت سنواتها من بين اصابعها كالماء، كيف كبرت، ربما تقاس سنوات عمرها بكمية الدموع التي بللت وسادتها شوقا الى الغائب الذي صار عنوانا لعالمها رغم كونه ادمن الغياب. وللحظة، تصدع شريط الذكريات وهو يستعرض قسمات وجهها الذي تصلبت ملامح الجمال فيه حتى صار مجرد واجهة لرأسها، جسدها الذي تجمدت كل خلية فيه لتضع الشمع الاحمر على انوثتها التي كانت فياضة يوما، فراشها الذي ظل باردا حتى في ليالي الصيف الحارة، وقلبها الذي لم يعد ينبض الا ليضخ الدم.

 

(ساعود قريبا، ولو اني افضل ان تأتي مع الاولاد لقضاء الصيف معي، فالجو هنا رائع، ساجهز لكم التذاكر).. مازالت تصغي الى حديثه المتدفق، لم تخبره ان اولاده لايملكون جوازات سفر لان بصمة الاب شرطا اساسيا لمنح القاصر جواز سفر. كانت تصغي اليه بصمت من يعلم بأن الاحلام دائما قصيرة، لذا تركته يحلم ففي داخلها باتت تدرك تماما ان الحبل السري قد انقطع تماما ولم يعد هذا الرجل سوى شبح من الماضي، لم تعد تملك حتى القدرة على الشوق او العتب او البكاء، فقد اشاحت بوجهها عن شريط الذكريات الذي صدأ لكثرة مااستعرض كل التفاصيل التي احتوتها سنواتها السبعة عشر مع هذا الرجل.

 

انهى كلامه بانتظار اي رد منها، سألته ببرود: هل تعرف ماهو هذا الشهر؟ اجابها بفرح المنتصر: نعم انه شهر....، بسخرية جريح حرب، لم ينل وسام بطولة قالت: لكن عيد ميلادي في الشهر القادم!!

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.