اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• القفاصة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بشرى الهلالي

 مقالات اخرى للكاتبة

القفاصة

 

وأنا احاول صرف دواء وصفتي الطبية بعد مراجعتي احد الاطباء اثر تعرضي لمرض بسيط، قررت زيارة صيدلية حديثة الانشاء تقع على مسافة من عيادة الطبيب ظنا مني ان اسعارها ستكون اقل من غيرها، خصوصا وأن الصيدلية التي تقع تحت عيادة الطبيب مباشرة تعتبر من اغلى الصيدليات كونها تستورد ادوية اصلية وغير نافدة المفعول. أثار استغرابي ان الصيدلية الجديدة فارغة من الزبائن، وبحسن نية اوعزت السبب الى كون الاخرى اكثر شهرة وقدما منها، ومما زاد ثقتي في اختياري ان المرأة التي تدير الصيدلية كانت ترتدي اللباس الاسلامي و(منقبة) فأيقنت انها ستخشى الله في عباده. وبعد ان امعنت السيدة الصيدلانية النظر طويلا في الوصفة الطبية، جمعت الادوية في كيس ونقرت على الآلة الحاسبة ثم قالت بثقة: ستة وستون الف دينار، فوجئت بالرقم فاجبتها: الا تظنين ان اسعاركم غالية، اجابت بلا مبالاة: ابدا، هذه هي اسعار السوق. حملت كيس الدواء وقصدت الصيدلية الاخرى، وطلبت من الشابة التي تديرها ان تقدر لي سعر الدواء في الوصفة الطبية، تمعنت فيها ثم اجابت: ستة وخمسون الفا، فعدت الى السيدة المنقبة لاعادة الدواء، استغربت تصرفي متساءلة عن السبب فاجبتها: لم اعد اريده. ببساطة، اعادت الي نقودي، سألتها قبل ان اخرج: ماذا يفعل الفقير عندما يمرض في وجودكم، رمقتني بنظرة لم افهمها كون النقاب قد احكم اطاره حول عينيها الغارقتين في كحل اسود.

 

وفي مناسبة اخرى لاتختلف كثيرا عن تلك، اضطررت لاستدعاء الشاب الكهربائي (الطيب جدا) في محلتنا بعد عطل جهاز تحويل الكهرباء وطلبت منه ان يتكرم باحضار جهاز جديد حسب معرفته، فاتصل بي ليخبرني بانه وجد جهازا ممتازا بثمانين الف دينار، صعقت لسماع الرقم لاني اعلم جيدا ان سعره لايتجاوز الخمسة عشر الف دينار. وفي اليوم التالي ذهبت لشراء واحد بنفسي واستدعيت كهربائيا آخر لنصبه.

 

وفي حادثة ثالثة، ذهبت لشراء ملابس المدرسة لابنتي، فاثار اعجابنا قميص في احد المحال، سألت البائع عن سعره فقال: ستة عشر الف دينار، لكن ابنتي كالعادة اصرت على البحث في السوق علها تجد افضل، وكونها لم تجد افضل، عدنا الى صاحبنا، وكأنه كان ينتظر عودتنا، احضر القميص ووضعه في كيس، فسألته ثانية عن سعره فقال: عشرون الفا. لم استطع الاجابة لشدة دهشتي، وبعد ثوان من الصدمة، اجبت بتوتر: لكنك قبل ربع ساعة قلت ان سعره ستة عشر الفا فاجاب مبتسما: اتصلوا بي قبل دقائق وقالوا ان سعر الدولار ارتفع الآن.

 

وفي حادثة رابعة، كنت قد اشتريت جهاز العاب لابني قبل فترة وكان البائع قد اخبرنا انه من الضروري عودتنا بعد شهر لتحديث الجهاز بمبلغ 75 دولارا. وفعلا قصدنا البائع لتحديث الجهاز لاكتشف ان عملية التحديث هي استبدال صحن القرص بواحد آخر (أصلي) سألته: من اين جئتم بالاصلي فاجاب: انه يعود للجهاز اصلا لكنه وصلنا بعد شهر من استيراده، وادركت انهم قاموا باستبدال القرص الاصلي بواحد عادي ليجبرونا على العودة ودفع مبلغ اضافي.

 

خلال اسبوع واحد تعرضت الى اربع محاولات (تقفيص)، وفي تعداد بسيط لنفوس العراق سيظهر ان عدد القفاصة وعمليات (التقفيص) اكثر من عدد البشر في بلدي، فما الذي حدث؟ قبل سنوات كنا نعرف هؤلاء او من يدعون بـ(القفاصة)، كان عددهم لا يتجاوز اصابع اليد، نعرف احدهم في سوق ما او في محلة ما وعادة مايكون مادة للتندر ويتجنب الناس التعامل معه الا بعض البسطاء او الغرباء الذين تنطلي عليهم الاعيبه فيحصل منهم على ما يريد. وفي السنوات الاخيرة، رغم انتشار الاحزاب الاسلامية، والطقوس الدينية والمصلين في الجوامع، تراجعت الكثير من الاخلاقيات، وصارت التجارة ليست شطارة بل امتهانا واستغلالا وضحكا على ذقون البشر. وليت الـ (تقفيص) في عالم التجارة فقط، بل في كل شيء حتى صارت النزاهة نكتة والانسان الشريف (حقنة) والصادق (فطير) والنظيف (ساذج) والمؤدب (نصبة). ربما اصبح من الضروري ان تباشر وزارة التجارة بتوزيع الحبال مع الحصة التموينية ليصبح اللعب عليها جزءا من طقوس المواطن العراقي عله يجاري (فهلويّي) هذا البلد من السياسيين والتجار وابنائه الذين صار معظمهم جزءا من اللعبة، وويل لمن لم يتعلم القفز على الحبال حتى الان؟

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

جريدة الناس

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.