اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• (عوجة) هذا الزمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بشرى الهلالي

 

مقالات اخرى للكاتبة

(عوجة) هذا الزمان

20/06/2012

في طريقي الى محافظة بابل في عمل ما ، كان لابد من عبور جسر (طويريج). كنت قد مررت به قبل ثلاث سنوات، كان مغلقا لاعادة اعماره ما اضطرنا حينها لسلوك جسر صغير متهالك، فكان اجتياز طويريج اشبه بمحنه لشدة الزحام. ولأكثر من مرة تناهى الى سمعي ما يقوله البعض عن تحول طويريج الى (عوجة) جديدة، ما زاد فضولي لمعرفة اوجه التشابه، وتساءلت إن كان ابن هذا القضاء الذي تسلم السلطة قد نحا منحى سلفه الذي جعل من (العوجة) اجمل بقعة في البلد - كما يقال. ولم يكتف مروجو هذه القصص بحسد اهل طويريج بل بالمقارنة بين القضاء وبين العاصمة ومحافظات العراق التي مازالت لاتختلف عن اي قرية في تضاريسها وغبارها وارصفتها المبعثرة دوما.

لم يكن هذا فقط سبب فضولي، بل ان ارتشف نظرة من المكان الذي حملني احد الاصدقاء (السلام امانة) ان مررت به يوما، كنت اود ان انقل صورة تشبه الاشاعات لتدغدغ مشاعر الصديق الذي يلوذ من غربته بذكرياته عن وطنه الصغير. لم اجد ما القي التحية عليه سوى شارع وحيد حظي بكساء قاتم بينما شوهت بلاطات الرصيف المبعثرة صور اعمار لم يمض عليه الكثير.

سنوات طويلة مرت منذ ان فارق الصديق القضاء الذي كان يسمى (سليبا) لكثرة ما تنقلت عائديته بين كربلاء والحلة، لكن ذاكرته الممتلئة بملاعب الصبا وممالك الشباب لن تواجه هجوما معلوماتيا جديدا، فـ (عوجة) هذا الزمان يخيم الهدوء والحزن على ملامحها الفقيرة.

اديت الامانة، وحييت طويريج (نيابة)، وانا اتساءل عن البقعة التي نبعت منها ذكريات هذا الغريب : بيته.. مدرسته.. ام الشارع الوحيد الذي شهد رفقة الطريق المدججة باحلام يتقاسمها شباب طوى صورهم الزمن في ذاكرته، فنسي حتى ملامحهم او اصوات ضحكاتهم؟

فلتطمئن ذاكرة الغريب فـ (طويريج) لم تغير طباعها كثيرا بل بقيت وفية رغما عنها، وإن كانت موطن رئيس الوزراء. وهناك في ركن منها، تتكور امرأة عجوز في ركن غرفة ما.. ربما تكون نائمة الآن فالوقت مبكر، لتفز بين لحظة واخرى على صوت قرقعة احد الابواب.. ويجيب صوت وحيدة خليل (هب الهوى واندكت الباب.. كل ظنتي جايين الاحباب.. ثاري الهوى والباب جذاب). عند ذاك.. تعاود العجوز النوم وهي تطلق حسرة يأس، فالغياب لن يعودوا قبل ان تتحول طويريج الى (عوجة).

وخلال عبوري الجسر ثانية في طريق العودة.. ودعت طويريج ليكتمل اداء الامانة، وانا اتفحص وجوه صبيان وشباب تغرق في (دشاديش) ونساء تلفهن دوامة الحياة في عباءات سود، وشيوخ متعبين ينفثون دخان ايامهم في قهوة متهالكة على رصيف.

لم ازر (العوجة) في حياتي، لكني سمعت الكثير من الكلام الذي يشبه الاحلام عن تفاصيلها وحياة ابنائها في زمن تولى فيه ابنها (البار) السلطة فجعل منها مملكة سعيدة في بلد محاصر، بينما ظلت (طويريج) محاصرة ككل جزء في هذا البلد.. ولا نملك ان ندين ابنها.. لانه بذلك يطبق الديمقراطية !.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.