اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• العزاء الحكومي .. آخر تقليعة لاستفزاز المواطن

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كتابات - بشرى الهلالي

 ·        العزاء الحكومي .. آخر تقليعة لاستفزاز المواطن

 

كانت الحركة غير عادية في ذلك اليوم.. أغلق المدخل الوحيد للمنطقة بحواجز اضافية.. وامتدت نقاط التفتيش والحراسات لتحيطها من كل جانب مما أثار العديد من التساؤلات لدى اهل تلك المنطقة.. وانتشرت الاشاعات كالعادة بسرعة البرق، فمنهم من أكد سماعه خبرا عن عمل ارهابي محتمل يستهدف شخصية مهمة تسكن هنا ومنهم من ذكر بأن عناصر ارهابية تختبئ في احد الدور وستجري حملة تفتيش دقيقة للقبض على المجرمين، بينما رجح البعض الاخر من (المتفاءلين) زيارة احد المسؤولين الكبار للمنطقة.. وصدق نفسه فبث الاشاعة التي انتشرت بسرعة البرق لتداعب احلام البسطاء التي لا تعد ولا تحصى.. فسارع بعضهم ليطوي شكواه في ورقة على أمل أن تتلقفها يد المسؤول الكريمة.. بينما تسابقت النساء لشراء مايمكن شراؤه خشية ان يمتد الحصار الى يومين او ثلاثة فقد يرغب المسؤول بقضاء بعض الوقت لدى اقاربه الذين يسكنون هذه المنطقة. وقبل ان تطير الاشاعات مع نسيم الصباح لتداعب اذان المواطنين في المناطق الاخرى.. اقتحم المنطقة رتل من السيارات الفخمة تسبقها العجلات العسكرية واليات الشرطة باصواتها التي اقتحمت مملكة احلام الفجر ليقفز النائمون يسبق كل منهم حدسه بالمجهول الذي يترقبونه منذ ليل الامس.. وفتحت باب احد الدور في المحلة والتي لم يسبق للجيران ان تشرفوا بطرقها او حتى التقرب منها كونها محاطة بالوان خاكية من كل جانب.. ودخل طابور من الرجال الى الدار ليخرج بعد قليل وقد حمل رجاله على اكتافهم نعشا تلاقفته الايدي اما تبركا واما تزلفا. وانجلى كل شئ اخيرا.. فقد اعلنت القنوات الاعلامية وفاة والد السيد الوزير عن عمر ناهز التسعين.. وتراجعت احلام ابناء المنطقة الوردية والبنفسجية وحتى السوداء منها لتتحول الى واقع لا يختلف عن واقع الحال في ساحات الحرب.. فعلى مدى ثلاثة ايام ظلت المنطقة محاصرة بكل انواع الاليات وتوافدت العربات الرئاسية والوزارية والبرلمانية بكل انواعها على المنطقة البريئة حتى ظن من لا يعرف السبب بأن حرب التحرير ستنطلق من هذه المنطقة.. ولم يكن امامهم سوى الترحم على روح المرحوم الذي انعمت عليهم وفاته باستمرار التيار الكهربائي في المنطقة طيلة ايام مجلس الفاتحة..

 

 

 

وفي اليوم الثالث على وفاة المغفور له.. و(من سوء الصدف).. وبعد ان فرغ المذيع من بث اخبار المفاوضات حول تشكيل الحكومة وتسمية الوزراء للكتل المشاركة ودور الجارة فلانة والجارة علانة والاتصالات الحنونة من العرابة الكبيرة و و.. ذكر خبرا عن انفجار عبوة ناسفة في سوق في تلعفر اودت بحياة عدد لا يستحق الوقوف عنده.. فلم يسقط في الانفجار سوى عشرون بين جريح وقتيل وتهدمت بعض البيوت والمحال التجارية التي يبدو انها كانت آيلة للسقوط.. وكالعادة ظهرت امرأة تندب جثة طفل.. ورجل يشهق جزعا من ضياع محله وسيارة او اثنتين طمس الحريق هويتهما.. واكوام من الحجر والاثاث المبعثر ركاما على قارعة الطريق.. وحفرة تركتها السيارة المفخخة لتبقى شاهدا على عذابات لا تنتهي لشعب الفقراء..

 

 

 

لم يكن مشهدا جديدا.. بل طالما تكرر طيلة سبعة سنوات مضت.. فقد مزقت الانفجارات اجساد الاف العراقيين.. لكن ماهو جديد تكرار حالات غلق الطرق والاسواق والاحياء ليوم واح او لثلاثة ايام وتعطيل مصالح المواطنين وشل حركتهم من اجل ان يؤدي احد المسؤولين واجب قراءة الفاتحة.. او لحراسة سرادق عزاء قريب لاحد المسؤولين.. حتى ان نقطة التفتيش في منطقتنا بادرت وبكل جرأة الى منعي من الوصول الى بيتي مساءا بعد عودتي من العمل لوجود عزاء حكومي ابتلت به محلتنا في ذلك اليوم.. ورغم ان الموت لا يفرق بين غني وفقير، الا ان حظ الفقراء دائما كان اوفر في حصاد الموت كونهم لا يملكون مايقلهم الى دول الجوار او مايحصنهم في مكاتب عالية الابراج.. ولذا قد يضاف الى احزانهم على فقدان اعزاءهم قلقهم بشأن تدبير مصاريف العزاء التي ارتفعت شأنها شأن أسعار كل الاشياء لتظل ارواح ابناءهم ارخص من التراب.. وليظل حلمهم وهم يقفون عند مدخل سرادق العزاء ان يسمعوا اصوات صفارات موكب احد المسؤولين الذي جاء لمشاركتهم احزانهم -ولو لغرض اعلامي- ليشعرهم بأن دم طفل او شاب او حتى شيخ عراقي ليس أرخص من دم والد السيد الوزير..

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.