بشرى الهلالي

 مقالات اخرى للكاتبة

     الى قادة الحكومة الجديدة..احذروا صرخة محمد البو عزيزي..

لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره.. تخرج من احدى جامعات تونس ليعمل كبائع متجول للفواكه والخضر، لم يعترض على مصيره او على سنوات عمره التي تناثرت على مقاعد الدراسة.. لكن عمله هذا لم يرق للسلطة فبادر اعوانها الى مصادرة بضاعته وضربه لتقطع بذلك باب الرزق الوحيد الذي فتحه محمد عنوة. ومع ذلك لم يعترض او يقاتل بل لجأ الى السلطات المحلية والقضائية في بلدته (سيدي بو زيد). وعندما لم يجد اذنا صاغية لشكواه.. أحرق محمد نفسه امام دار البلدية.. هكذا بكل بساطة.. جرى كل شئ بشكل سلمي. هل اختار محمد التضحية بحياته ليقول (لا)؟ ام انه كان مجبرا عندما لم يجد امامه من وسيلة للصراخ سوى الموت! لكن موته لم يخمد صرخته بل كانت سببا في هدير صرخات الاف الشباب من العاطلين عن العمل غطت سماء سيدي بو زيد وامتدت لتشمل محافظات اخرى.

في تعليق له على ماجرى، قال محلل سياسي تونسي "ان ماحدث في تونس هو حركة سلمية مسالمة او انتفاضة اجتماعية بامتياز جوهرها المطالبة بالعمل ومقاومة الفساد الذي استشرى في الدولة بسبب هيمنة السلطة واعوانها على موارد الدولة واحتكارها للوظائف". وبعد مضي اكثر من ثلاثة اسابيع على الانتفاضة (السلمية) سقط مايقارب ستة وعشرون قتيلا برصاص القوات الحكومية حتى الان وفي مدن مختلفة من تونس!!

لم يسبق لي ان التقيت هذا الشاب.. وبالطبع فهو ليس من اهلي او معارفي.. الا انه ابكاني في وقت نفذت فيه الدموع.. ربما لانني سبق وان شاهدته في اكثر من مكان..على ارصفة الاسواق والمناطق التجارية في بغداد وغيرها.. حيث يقف عبر مساءات متشابهه ببنطاله الجينز وشعره المصفف ب (الجل) لايملك من حياة بدت طويلة بمعاناتها سوى (بسطية) وحلم بزوجة وبيت وحياة لاتختلف عن حياة اولاد السياسيين والبرلمانيين وكل من ابتسمت له الحياة سواء أكان خارج البلد او داخله. فقد شاءت الظروف ان يبتسم الحظ لهذه النخبة وكل من اقترب منها او جاورها على طريقة (من جاور السعيد يسعد) حتى صار كل من له - ماض او تاريخ حقيقي، او مزيف يحكي قصة ما اصابت صاحبها بضرر في زمن النظام السابق- هو المواطن الحقيقي وابن هذا البلد والجدير بالحصول على كل الامتيازات بينما تراجع ابناء البلد الذين لم (يدنوا زبيلهم) في زمن النظام السابق.. ولم يكن لهم شرف الحصول على قصة مميزة او لقب مميز في هذا الزمن.. تراجع هؤلاء الى آخر الصف، فصعد اقرانهم من المحظوظين سواء بشهادة او بغير شهادة ليحصلوا على اوامر وظيفية جاهزة يتم توقيعها وقتما يشاء المسؤول.

عشرة اشهر مرت على الانتخابات.. وشهران تقريبا على اعلان تشكيلة الحكومة الجديدة.. وكالمعتاد، تعطلت الحياة قبل الانتخابات وبعدها. لم تتعطل فيما يخص العديد من المصالح الخاصة والمنافع بل تعطلت فيما يخص المواطن الفقير.. فكان قرار ايقاف التعيينات هو من القرارات التي حرصت الجهات الحكومية على تطبيقه. ومع بزوغ فجر الحكومة الجديدة.. هلت الوعود بالدرجات الوظيفية التي طال انتظارها وباضافة غيرها واطلاق التعيينات التي قد تتحول الى مجرد اعلان بينما يتم توزيعها (جوه العبايه) كما قالت موظفة في احدى الجامعات عند سؤالها عن موعد اطلاق الدرجات الوظيفية. وامام ابتسامتها المتكلفة ورنين نغمة هاتفها الخلوي، حاول (حامل الشهادة العليا) اليائس اخبارها بكل ما اراد.. اراد سؤالها حول سنتين او اكثر ضاعت منه ومن غيره منذ تلك اللحظة التي لم يتبقى منها سوى صورة لعباءة سوداء وكتاب كبير اسود امتلأت صفحته الاولى باختام اساتذة رحل بعضهم عن الحياة. هل تعني هذه السنوات الضائعة بانتظار الوظيفة شيئا في سجل الخريج المهني؟ هل يستطيع المطالبة بعمره؟

لكنه ابتلع اسألته.. فالامر لايعني الموظفة التي تلتصق بكرسيها، كونه من حقها ومن حق ابنة المدير العام واخوته وابناء اخوته الذين احتلوا كراسي عديدة حتى وان كان اكبرهم لايملك شهادة اعدادية.

عذرا محمد البو عزيزي.. فاحراق نفسك جريمة والانتحار اثم.. ونحن شعب خبر كل انواع القهر وتعود تحمل كل الظروف.. فلا اخشى ان تنتقل عدوى الحرق الى شبابنا.. فقد شبعنا موتا.. لكن كل مااخشاه هو ان ينفجر القهر صرخخخخخخخخة.. فاحذروا !!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

http://www.kitabat.com/i78969.htm