اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• الاقليات الدينية وموسم الهجرة الى الشمال

 حسين طعمة

الاقليات الدينية وموسم الهجرة الى الشمال

 

بعد التغيير الذي حصل في العراق بعد العام 2003.كان الكثير من الأقليات الدينية والمذهبية تأمل في إيصال صوتها المطالب بحقوقها المشروعة باعتبارها من المكونات العراقية .بعدما ضلت تعاني من التهميش والاضطهاد وسلخ الهوية ,طيلة فترات الحكومات المتعاقبة في العراق .ووقف الى جانب هذه المطالب الكثير من أبناء الشعب وقواه الوطنية والديمقراطية ,ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة وبعض المنظمات الإنسانية في داخل العراق وخارجه .وكانت تدعو الى قيام دولة مدنية ودستورية يتساوى فيها جميع أبناء الشعب في الحقوق والواجبات وتصون كرامة الإنسان وتعمل على خدمته .بعيدا عن التفرقة العنصرية والدينية والمذهبية استنادا الى القانون الدولي لحقوق الإنسان وتأخذ على عاتقها اعتبار الإنسان قيمة عليا .

لقد واجه هذا التغيير الكثير من العوائق والإشكال وعلى جميع المستويات .وبدلا من أن يرى المواطن نشوة التغيير وتحقيق حلمه في وطن مزدهر يسوده الاستقرار ,ونتيجة للمتغيرات الحاصلة والمتلاحقة وفقدان المنهجية والتخطيط السليم تلك التي وقعت في حكومة بريمر وبعض الساسة العراقيين ,أثناء معالجة الملفات المهمة وعدم أعطاء التصورات الصحيحة بشأنها .وظهور تنظيم القاعدة الذي وقف بالضد من هذه العملية ونزوله بكل ثقله الذي نما واشتد واكتسب الخبرات العسكرية عبر سنين طويلة من حربها في أفغانستان .إضافة الى حركات استجدت بعد التغيير أغلبها عناصر فقدت مراكزها ونفوذها وغيرها من الحركات المعارضة .ونتيجة لكل هذا فقد تأزم الوضع السياسي والأمني وتزايدت الفوضى وصار الوطن ساحة حرب وشهد انفلات امني خطير طال الجميع دون استثناء .حدث بعدها ماهو أكثر دمارا وأشد فتكا حين هوى المجتمع الى مستنقع الحرب الأهلية الطائفية بأجندات أرادت النيل من الوطن وسحقه وتدميره ,ألقت بضلالها على أبناء العراق كافة وخاصة أبناء الأقليات الدينية حيث طالتهم يد الإجرام والقتل وعبثت بدور عبادتهم ومنازلهم وأماكن عملهم .سيما وأن الأقليات العراقية ,وهذا مما زاد الإرهابيين فتكا بهم ,أنهم كانوا مسالمين ألي أبعد حد لا يملكون حتى وسائل الدفاع عن النفس ولكنهم يمتلكون حبا للناس وللحياة ,لا حدود له .أن ما يبعث الأسى في نفوسنا جميعا هو رد الفعل تجاه هذه الحملات الهمجية وعدم اتخاذ مواقف من شأنها الحد من هذه الأفعال الشنيعة بحق أبناء العراق الاصطلاء ممن ارسوا صروح أقدم الحضارات في العالم وصنعوا مجد بلاد مابين النهرين وتأريخها الزاهر .أما من أرسى هذا الصرح فكان يتمثل بتلك الأقليات الدينية التي حافظت على تراثها وطقوسها عبر تأريخ يمتد بعيدا الى ألاف السنين وكانت تمثل أديان الإنسان القديم في العراق وهي المسيحية والايزيدية والمندائية وديانات أخرى صغيرة فالمسيحية تمثل ثاني اكبر الديانات بعد الإسلام .ظهرت في العراق في القرن الأول الميلادي ,بعد ان كان الدين اليهودي والمجوسي والمانوية وعبادة الأوثان هي الأديان السائدة فيها .اغلب المسيحيين في العراق من طائفة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية والارمنية بشقيها والروم وطوائف صغيرة أخرى . قدر عددهم في الثمانينات بالمليون ونصف ,ولكن بسبب الحروب المتكررة والأحداث الأخيرة حدث تسارع كبير في هجرتهم ونزوحهم تاركين منازلهم ومحال عملهم ووطنهم الأم ليلقوا مصيرا مجهولا في بلدان فتحت أبوابها لهم .

أماالايزيدية فتمثل ثالث اكبر الديانات في العراق يصل تعدادها إلى 650000نسمة تقطن في شمال العراق .ويعود ظهورها في بلاد مابين النهرين الى ألاف السنين حين كانت سائدة في العهد السومري والاكدي والبابلي .تعرضت الايزيدية الى حملات إبادة واسعة .ونتيجة التعصب الديني جعل منها ديانة مغلقة .ويؤمن الايزيديون بالاله الواحد (الله)لا شريك له كما يظهر ذلك في ادعيتهم وإرشاداتهم .ويمثل طاووس عندهم ملك يرمز الى النور عكس ما يتصور البعض على انه الشيطان .ولأنها ديانة تبشيرية مغلقة ,فقد نسجت عنها الكثير من الأقاويل والتحريف رغم وحدانيتها .واغرب ما تعرضت له هذه الديانة ان البعض يرجعها كمسمى الى يزيد بن معاوية الذي سبقت عصره بآلاف السنين .وهذا ناتج عن قصور في فهم تاريخ العراق القديم .

اما المندائية (الصابئة) فهي من الديانات السائدة في بلاد ما بين النهرين .بنوا مدنهم قرب الأنهار ,لما للماء من أهمية في طقوسهم الدينية.والمندائية ديانة موحدة أيضا يعود تاريخها الى شيت بن نوح ويستقون تعاليمهم من النبي يحيى بن زكريا .ولغتهم قريبة الى السريانية .اما كتابهم المقدس فهو (الكنزاربا)ورثوا الكثير من الميثولوجيا البابلية ,وفي كثير من الأبحاث التاريخية وجد تشابها كبيرا بين طقوسهم وطقوس البابليين فكلاهما يعتبر الماء مصدر الحياة.ويتشابهون في ارتداء الملابس البيضاء وكذلك تشابههم في إطلاق شعر اللحى والرأس .بعد أن تغيرت الأخيرة مع مرور الزمن وصارت خاصة برجال الدين .أفضل من كتب عنهم ,الانكليزية الليدي دراور بعد أن عايشتهم لفترة من الزمن وقامت بالكتابة عنهم وعن تاريخهم وطقوسهم الدينية .كما كان للباحث العراقي والقاضي زهير كاظم عبود دراسات كثيرة أزالت اللبس والغموض عنهم .كذلك جهوده الكبيرة جدا حول الايزيدية والأقليات عامة .إضافة إلى الجهود الإنسانية التي تدعم الأقليات الدينية مثل هيئة الدفاع عن الأقليات الدينية في العراق وعلى رأسها الدكتور كاظم حبيب وغيرها .يراد من الجميع ألان وقفة جادة من اجل وضع الحلول لمعالجة هذه الكارثة الإنسانية .قبل ان يفقد العراق جذره الحقيقي الذين هم أبناؤه من الأقليات الدينية الذين قدموا الكثير من التضحيات والجهود في سبيل بناء هذا الوطن وخاضوا النضالات الرائعة مع جميع أبناء شعبهم في كل انتفاضاته وثوراته التحررية وسطعت منهم أسماء خالدة في سفر النضال الوطني .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.