اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• القادة الترك والإيرانيون بين السياستين الداخلية والخارجية

عبد الرحمن آلوجي

القادة الترك والإيرانيون بين السياستين الداخلية والخارجية

 

يدرك المتابع لسياسة المنطقة ومحاورها, وعلاقاتها الدولية والإقليمية , مدى أهمية السياسة الداخلية , ومدى ما تتركه من أثر على أي توجه خارجي , سواء كان ذلك في امتحان مصداقية هذه السياسة , وحجم التحديات التي تواجهها في عملية التصدي لمعضلاتها, وتوفير مستلزمات استقرارها وتقدمها وازدهارها  , أم في مدى ما توفره هذه السياسة من جدية الطرح وصوابه وموضوعيته أو وقوعه في خلل يصيب في العمق التوازن المطلوب, وامتحانه على أرض الواقع , بما يحقق العدل والكفاية بين مختلف الأطياف والمكونات داخل الكيان الواحد , بعيدا عن صيغ الاستثمار والتسويق الإعلامي والتداول السياسي في الداخل  , والاقتراب من  ذلك التوازن المطلوب في الخارج , ومراعاة مصالح هذه الدولة أو تلك , وهي تحاول القفز فوق الواقع , وتجريبا من نوع المقاربة , ومحاولة الاستفادة من جملة معطيات هي – في الواقع – بمثابة اختبار حقيقي لامتحان الإرادة السياسية , وما تحققه من نتائج ملموسة , سوف تكشف عن آفاق التوجه الحقيقي , وما تقدمه بين يديها من معطيات سوف يثبت جدواها وإخفاقها في مدى الاقتراب من إحداث التوازن الفعلي بين السياستين الداخلية والخارجية , أو الخروج إلى حالة تجاوز الواقع الداخلي والفشل في معالجته , ومحاولة تقديم البديل الخارجي , واستبداله بصيغ وتوجهات ومواقف وضجيج إعلامي تستغل العواطف , وتستثمر الحق لتجاوز التصدي للمسائل الداخلية الملحة والضاغطة والتي ينبغي أن تكون لها الأولوية القصوى , لكونها متصلة أشد الاتصال بحياة الناس ومعاشهم واستقرارهم وأمنهم, بمختلف الطبقات والشرائح والمكونات , وبخاصة في كيانات تعددية لابد أن ترتبط ببعضها بعضا بمصائر وأقدار مشتركة , يفترض تناولها على مستوى رفيع من المسؤولية  .

 نجد مثل هذا التوجه , ومثل هذه الممارسات في واقع الحياة السياسية في كل من إيران وتركيا , حيث يعمد الساسة في البلدين الكبيرين والمؤثرين على سياسة المنطقة إلى التركيز على السياسة الخارجية , بما يقترب من منطق السياسة التقليدي القائم على تصدير الأزمة الداخلية والمعاناة الحقيقية لمكونات المجتمع , وما تحدث من خلل , وفقدان توازن بين ما هو داخلي مضطرب وخارجي يهدف إلى محاولة ردم الهوة , ومعالجة الخروج عن المسار الصحيح والمطلوب في واقع لم يحسم أمره , ولم يتمكن قادة البلدين من معالجة موضوعية للأزمات المستعصية , ومحاولة إيجاد حلول منصفة لها , وهو ما يوقع في البلبلة والاضطراب في مسيرة البحث عن الحلول والمخارج .

ففي الوقت الذي نشهد الاحتقانات الداخلية في إيران تبلغ درجة الغليان فالعنف المسلح , والمواجهة بين أركان النظام والمعارضة الإيرانية إلى درجة إراقة الدماء واستخدام السلاح لقمع المتظاهرين , وتنفيذ أحكام الإعدام بحق الناشطين الإيرانيين عامة والكورد خاصة , والتهديد باعتقال قادة المعارضة " كروبي وموسوي ورفسنجاني " بعد محاولة تجريدهم من صلاحياتهم , وفي الوقت الذي يشتد فيه سخط المعارضة , ويرتفع صوتها إثر الانتخابات البرلمانية والرئاسية , وما تنويه من رفع صوتها والنزول إلى الشارع بمناسبة مرور عام على هذه الانتخابات ودعوى تزويرها , في هذا الوقت بالذات ترتفع الأصوات في النظام الإيراني بالمطالبة بكسر الحصار المفروض على غزة , والدعوة إلى تحقيق في المواجهة الدموية لإسرائيل لقافلة المعونات والمساعدات التركية ضمن أسطول الحرية  - وهو مطلب حق في الأصل - , في وقت يصوت فيه مجلس الأمن الدولي على تشديد العقوبات غير المسبوقة على إيران بسبب برنامجها النووي , بعد الاتفاق التركي البرازيلي مع إيران لتخصيب جزئي لليورانيوم , وفشل هذا الاتفاق في عدول مجلس الأمن عن فرض عقوبات مشددة على إيران , ليختلط الأمر على هذا النظام وهو يبدي تدخلا خارجيا مباشرا وغير مباشر في المنطقة" في اليمن والعراق وأفغانستان ولبنان وحتى في مصر والبحرين " , مع تنامي موجة الغليان والموران في الداخل , وبروز الاتجاهات الإصلاحية المعارضة بقوة وجلاء , , وتواصل الضغط الخارجي بسبب البرنامج النووي , وتحدي النظام المجتمع الدولي بمواصلة التخصيب فوق نسبة ال20% , كما تظل مسألة القوميات – وعلى رأسها القضية الكوردية – معلقة , بل تشهد تصعيدا خطيرا لتتجاوز الحدود الإقليمية إلى اختراقها و وتكرار , وتزامنه القصف المتواصل لإقليم كردستان العراق , وإقامة حواجز داخل المنطقة الحدودية , وتزامنه مع القصف التركي في الجانب الحدودي الآخر, رغم الاحتجاجات العراقية والكردستانية.

وفي المقابل نجد الجانب المعتم الآخر حول تصدي القادة الترك للمسألة الكوردية ودعوى حلها , وما كان يعقد من آمال على الوعود المبذولة من أولئك القادة لبوادر حل بات يلوح في الأفق , واستعداد القادة الكورد , وبخاضة كاك مسعود البارزاني , للتوسط والتدخل الإيجابي ونزع فتيل صراع دام , ونزيف متواصل , في الوقت الذي بدأ التململ ظاهرا في القوى القومية المتشددة  , لتعلو لغة الجنرالات ,و تتصاعد وتيرة الحل العسكري , والدعوة إلى الشطط والتجاوز  إلى ما وراء الحدود بحجة ملاحقة المقاتلين من حزب العمال الكردستاني , ورفض أي انفتاح مقترح , أو محاولة وقف وتيرة العنف المتبادل والمتصاعد , ليبقى أكبر تحد داخلي محكوما بالمواجهة الدموية التي لم تفرج عن أي حل , مع التأكيد على وقف القتال من جانب واحد , ليعود التوتر من جديد , ويزداد الأمر عنتا وتعقيدا ,  حيث بدا نذير عراك ساخن ومشتد يلوح في الأفق , ويبدو كأن بوادر أخرى خارج  الأزمة الداخلية المستفحلة تجنح إلى طرح نفسها في العامل الخارجي البديل, كلاعب سياسي أساسي في منطقة الشرق الأوسط , وقضاياها المستعصية , بشكل يثر الضجة والاستغراب معا , من تجاوز الحالة الداخلية المتردية إلى معالجات خارجية شديدة التعقيد , لتطرح نفسها رسول سلام , ووسيطا دوليا هاما , في الوقت الذي يغتلي داخلها المضطرب , باحثا  عن حل عادل ومنصف لما يسبب من إراقة متواصلة لدماء الكورد والترك كما صرح بذلك السيد رجب طيب أردوغان نفسه , والذي كان راعي أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة , مع ما في الحصار من ضائقة إنسانية تحمل كل معاني الرهق والتعنت والقسوة , و وما حمله تصريحه الناري أمام البرلمان التركي وهو يشيد بمقاومة حماس المشروعة , ويحمل على إرهاب حزب العمال , في ملاحظة ضمنية لما تعيشه الحالة التركية من قلق وفقدان استقرار وإلا كيف يتوقف النزف المتواصل للدماء دون مواجهة شراكة فعلية في البحث والتحاور والمداولات , و دون بحث جاد عن حل حاسم وعادل للقضية الكوردية كأكبر قضية تواجهها الحالة الداخلية التركية , في تشابه مع الحالة الإيرانية والتصرف الإيراني , مما يدعو إلى التأمل والمقارنة , واقتران العنف والحلول القسرية مع تصدير الأزمة إلى الخارج والتدخل في مسائل في الغاية من الحساسية والتعقيد على النطاق الإقليمي والدولي , مما يطرح سؤالا واقعيا وعريضا , هل يمكن للهروب , والبحث عن مثيرات خارجية أن توقف النزيف ؟!, وهل يمكن لتجاهل معضلة الداخل وحلها العادل والمطلوب بإلحاح أن يزيل الاحتقانات المزمنة وأن يأتي ويتأتى بتصديرها , والتصدي لقضايا لم يحسمها المجتمع الدولي نفسه بثقله وإمكاناته ومشاريعه وقراراته ؟؟!! سؤال مشروع يستوجب الجدية والمسؤولية والمراجعة , وترتيب البيت من الداخل قبل أية انتقالة خارجية , ولو حملت حقا وعدلا وردا للظلم والقهر !! .    

    

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.