اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أيهما أكبر السلم الكبير ام السلم الصغير؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

أيهما أكبر السلم الكبير ام السلم الصغير؟

صائب خليل

29 تشرين اول 2016

 

عندما يسألك أحد مثل هذا السؤال، تستنج فوراً ان الجواب لا يمكن ان يكون: "السلم الكبير"! لأنه لو كان كذلك لانتهى الحديث بخيبة أمل بسبب خلوه من المفاجأة.. لذلك لا يبقى إلا: "السلم الصغير"! او ربما هما متساويان بالحجم؟ هل هناك أي احتمال لجواب آخر؟ ... لا؟ ... فكر(ي) في أي احتمال آخر، وسنترك الجواب حتى نهاية هذا الحديث.

.

أريد ان أوضح في البداية نقطتين. الأولى هي ان هذه مقالة مبسطة لا تتحدث عن تفاصيل السلالم الموسيقية، وإنما عن السلمين الرئيسيين في الموسيقى الكلاسيكية (الغربية)، أي السلم الكبير والسلم الصغير، ولن نتطرق إلى سلالم مشتقة منها مثل السلم الهرموني والميلودي، ولن نتحدث عن السلالم الشرقية ايضاً. لذلك فإني ارجو ان لا يصاب من يعرف القليل من الموسيقى بخيبة أمل انه لم يخرج منها بأي شيء مقابل وقته، وفي نفس الوقت اطمئن القارئ غير المطلع موسيقيا بأنه لن يجد مفاهيم غريبة عنه.

.

النقطة الثانية التي اريد توضيحها هي أن هذه المقالة تحتوي، إضافة إلى المعلومات العامة المتفق عليها، اجزاءاً تمثل رأيي ونظرتي الخاصة للموضوع، والتي توصلت اليها من التأمل الشخصي، والاستنتاج المنطقي، وبالتالي قد لا يتفق معي الجميع عليها.

.

لنبدأ رحلتنا الصغيرة هذه بمعلومة بسيطة جدا (مخاطراً بأن تكون مملة لمن يعرفها، ارجو تحملها)، وهي ان الموسيقى تتكون من "نغمات" صوتية لها ذبذبة محسوبة. فمثلا الـ (لا) الوسطية في البيانو تتذبذب بمقدار 440 مرة بالثانية (أي ان الوتر يتذبذب ذهابا وإيابا 440 مرة في كل ثانية عندما يعزف "لا").. وتأتي النغمة الأعلى منها (سي) بذبذبة اعلى قليلا وهكذا..

الرقم الذي بدأنا به عشوائي وليس له أية خاصية تجعله موسيقيا بحد ذاته، ويمكننا ان نجعل الـ (لا) 450 مثلا دون ان يكون هناك مشكلة. إلا أن العلاقة بين النغمات مهمة، فيجب علينا ان غيرنا الرقم الأول، ان يتم تغيير النغمة التالية أيضا لتناسب هذا التغيير. فاختيار رقم البداية عشوائي تماما، لكن اختيار بقية النغمات محدد بدقة نسبة إلى الاختيار الأول. وتستمر الزيادة في رقم الذبذبة بنسب محسوبة بدقة باستمرارنا بتسلسل النغمات.. لا..سي..دو...ري.. الخ.

.

وفي نقطة محددة يصل هذا الرقم إلى ضعف الرقم الذي بدأنا به.. أي اننا سنصل إلى 880 ذبذبة في الثانية. وهنا نلاحظ أن هذه النغمة تعطينا نفس الإحساس الذي اعطتنا إياه النغمة 440!! ولذلك فقد أعطيت نفس الاسم، أي "لا". ثم حين نستمر، نجد أن كل نغمة تالية تشابه تماما النغمة السابقة التي لها نصف تذبذبها.. وهكذا تكون لدينا مجموعة نغمات (لا، سي، دو، ري، مي، فا، صول) ذات نغمات متصاعدة الذبذبة، لتليها مجموعة أخرى كل واحدة منها ذات ذبذبة تساوي ضعف الذبذبة للنغمة المقابلة لها في المجموعة الأولى، ونسميها ايضاً (لا، سي، دو، ري، مي، فا، صول). فمثلا، (مي) في المجموعة الثانية، لها ضعف ذبذبة الـ (مي) في المجموعة الأولى والـ (فا) أيضا بالنسبة للـ (فا) في المجموعة الأولى وهكذا..

.

المسافة الموسيقية بين "لا" الأولى و "لا" التالية، والتي تمثل ضعف الذبذبة، تسمى بـ "الأوكتاف" فالمجموعة الأولى التي ذكرناها ربما نطلق عليها الأوكتاف الأول، والثانية تمثل الأوكتاف الثاني وهكذا يأتي الأوكتاف الثالث والرابع الخ.. وفي كل أوكتاف تتوزع هذه النغمات بين الذبذبة الأولى وضعفها بطريقة محسوبة كما قلنا.

هناك نقطة أخيرة يجب ان نذكرها، قبل ان نذهب إلى مفهوم "السلم الموسيقي" لنجيب عن سؤال البداية عن ايهما أكبر. وهي ان المسافة الموسيقية بين النغمات ليست متساوية! إنها تتقسم بين "مسافات كاملة" و "مسافات نصفية". فالمسافة بين الـ "لا" و الـ "سي" مسافة كاملة، لكن بين "سي" و "دو" هناك نصف مسافة موسيقية.. وهكذا.. بعضها كاملة وبعضها نصفية. لماذا هذا التعقيد؟ سنعود لهذا السؤال بعد قليل. لكن هنا نقول أن هذا التوزيع ليس ثابتاً، فيختلف فيه السلم الكبير عن السلم الصغير وهذا التوزيع هو ما يمنح لكل من السلمين خواصه. فـ "السلم الموسيقي" هو طريقة توزيع تلك المسافات الكاملة والنصفية.

 

يمكن ان نشبه النغمات الموسيقية الخاصة بسلم ما، بأحجار وضعت في الماء لنسير فوقها. وتوزيع هذه الاحجار له نسق معين بحيث تبعد كل واحدة عن التي تليها اما بمقدار قدم ، او نصف قدم. ثم يتكرر هذا التوزيع كل سبعة حجرات ليعيد نفس التسلسل. الآن يمكننا ان نتخيل اللحن مثل رقصة على هذه الحجرات، تمرن عليها الراقص فهو يعرف مكانها والنسب بينها. وان تعزف نغمة خارجة السلم يعني ان يضع قدمه في مكان غير صحيح ويسقط في الماء!

توزيع هذه المسافات داخل المجموعة يختلف شكله في حالة الميجر عن الماينر.. لكنه لا يختلف عندما تختلف نغمة الأساس، مع الاحتفاظ بشكل الميجر او الماينور له. ففي الحالة الأخيرة تختلف فقط نقطة البداية اما تسلسل (قدم - نصف قدم) فهو نفسه.

يمكننا ان ننقل هذا الراقص إلى اي سلم من نفس النوع (أما ميجر أو مينور) ولا يهم ما هي نقطة البداية (النغمة الاساسية) دون اية مشكلة. لكننا لو نقلناه الى نوع آخر، فسوف يسقط في الماء، لأن الراقص المدرب على تلك الرقصة سيضع قدمه عاجلا او آجلا، حيث لا توجد حجر! فمثلا إن كانت رقصته تتطلب القفز من الحجر الأول إلى الثالث، وكانت مصممة للميجر، فهو سيتوقع ان تكون المسافة التي عليه ان يقفزها قدمين كاملين. فإن نقلناه إلى سلم المينور، فلن يجد حجرا يضع قدمه عليه، لان الحجر الثالثة في الماينر توجد على بعد قدم ونصف.

 

يجب ان نذكر هنا بعض الظواهر "الغريبة" في الموسيقى. وأولها ان هناك "نغمة أساس" للسلم. وهي النغمة التي نشعر بها أن كل شيء قد "استقر" وهبط على الأرض وأن الأغنية يمكنها ان تتوقف هنا. وهكذا يسمى "السلم" اعتماداً على توزيع المسافات وعلى نغمته "الأساسية"، فيكون لدينا سلم "لا الصغير" او "لا الكبير" أو سلم "دو الكبير" و "دو الصغير".. وفي هذه الحالة فأن "دو الكبير" و "دو الصغير" يبدآن بنفس النغمة (نغمة الاستقرار) وهي هنا "دو"، لكن التوزيع في المسافات الموسيقية يختلف كل عن الآخر.

بينما مقارنة سلم (لا الكبير) مع سلم (دو الكبير) نجد أنهما يتشابهان في توزيع النغمات على المسافات الموسيقية، لكنهما يختلفان في النغمة التي يستقر كل منهما عليها.

 

قلنا ان الظاهرة الأولى الغريبة في الموسيقى هي وجود "نغمة استقرار". الظاهرة الغريبة الأخرى في الموسيقى هي اننا نحس بتوتر في النغمات الأخرى التي تسبق (أو تلي) نغمة الاستقرار، وان هذا التوتر يكون على أشده عندما نصل إلى النغمة القريبة من نغمة الاستقرار، وكأن طائرتنا اقتربت تماما من الأرض، وهي تشد انتباهنا بشدة، وتنتظر بشوق وقلق ان تهبط على الأرض، أي على نغمة الاستقرار تلك. إن هذا التوتر يتحول في ذهننا إلى مشاعر. وغالبية لمشاعر التي نشعر بها في الموسيقى يعود الفضل فيها إلى هذا التوتر. هذه النقطة "الغريبة" في العلاقة بين مشاعرنا والتوتر الموسيقى، هي سر توزيع النغمات على مسافات غير متساوية في السلم. فلو كانت النغمات متساوية البعد، لقل التنوع في التوتر الممكن التعبير عنه في الموسيقى. رغم ان هذا الجزء من المقالة هو تقديري الخاص ولا ادري إن كان متفقا عليه أم لا. لكننا نستطيع مثلا ان نرى هذا التأثير في الفرق بين السلم الكبير والصغير. لكنا دعونا أولا نعرف ما هو الفرق بين هذين السلمين.

 

يبدأ السلم الكبير بنغمة أساسية ثم نغمة تفصلها عن الأولى مسافة كاملة ثم نغمة ثالثة تفصلها عن الثانية مسافة كاملة ثم نغمة رابعة تفصلها عن الثالثة نصف مسافة.. الخ. أي لدينا مسافتين كاملتين ثم نصف مسافة. فنرى ان النغمة الثالثة تبتعد بمسافتين كاملتين عن النغمة الأساسية.

 

أما السلم الصغير فيبدأ أيضا بنغمة الأساس، ثم نغمة تفصلها مسافة كاملة، ثم نغمة ثالثة تفصلها نصف مسافة ثم رابعة تفصلها مسافة كاملة. أي ان السلم الصغير يبدأ بمسافة كاملة ثم نصف مسافة ثم مسافة كاملة الخ.. فنرى ان نغمته الثالثة تبتعد بمسافة ونصف عن النغمة الأساسية (مقابل مسافتين في السلم الكبير).

 

فالفرق الأساسي بين السلمين هو ان النغمة الثالثة في السلم الصغير أقرب نصف مسافة إلى النغمة الأساسية، مما هي في السلم الكبير. وتسمى هذه المسافة "الثالثة الكبيرة" (في السلم الكبير) و "الثالثة الصغيرة" في السلم الصغير. ومن هنا اشتق أسمي السلمين! هذا الفرق في توزيع مكان النغمات يعطي السلم الصغير طابعاً "حزينا" بعض الشيء (لا تسهل ملاحظته، لكنه متفق عليه بين المختصين).

 

والآن حان موعد العودة إلى سؤالنا: أيهما أكبر السلم الكبير ام السلم الصغير؟ من الواضح ان حركة نغمة ما داخل السلم لا تستطيع ان تجعله أكبر او أصغر، لذلك فهو ليس أكبر ولا أصغر. هل هما متساويا الحجم إذن؟ الحقيقة اننا لا نستطيع ان نقيس "حجم السلم" او طوله، او أي شيء يحدد لنا "كبره". فهو ممتد (من الناحية النظرية) من الصفر إلى ما لانهاية له ويحتوي بالتالي على ما لانهاية له من النغمات (التي لا نستطيع ان نسمعها كلها بالتأكيد). وبالتالي فالسؤال عن أيهما أكبر، سؤال لا معنى له!! هذا هو الجواب على سؤالنا الأول.

 

أرجو ان تكونوا قد قضيتم وقتا ممتعا ومفيدا مع هذا النص، الذي اعترف إني لم أستطع تبسيطه إلى الدرجة التي كنت آملها، ورغم ذلك آمل ان لم يكن معقدا جدا.

 

ملاحظة: هذا المقال الصغير مهدى لصديقي الدكتور Musaddak Alhabeebمصدق الحبيب، والذي طلب مني قبل فترة طويلة أن اكتب شيئاً عن السلالم الموسيقية، إثر مقالتي ذات الجزئين ((1) ، (2) ) وأنا هنا البي طلبه معتذرا عن التأخير الكبير، وراجيا ان المقال كان عند حسن ظنه.

 

(*1) صائب خليل - رؤية الموسيقى – 1- لمحة تاريخية ومدخل إلى الجمال

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/818496424874095

(*2) صائب خليل - رؤية الموسيقى 2- رحلة بصرية في عوالم الألحان المتعددة

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/820771334646604

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.