اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

انتخاب ترامب – هل نفرح به أم نحزن؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

انتخاب ترامب – هل نفرح به أم نحزن؟

صائب خليل

10 تشرين الثاني 2016

 

عندما ترشح ترامب مع كلنتون لرئاسة اميركا، كانت دهشة كبيرة وامتعاض لي. لكن كان هناك فيها بعض الرغبة "الشريرة" بأن يفوز هذا الكائن البشع، لأنه خير "شكل" يكشف "محتوى" اميركا البشع. والفكرة هي انه إذا صار هذا الرجل رئيسا لأميركا فسيعرف العالم والأمريكان أنفسهم، حقيقة نظامهم السياسي، ولن يجرؤ أحد ان يدافع عنه، حتى العملاء المأجورين سيجدون صعوبة كبيرة في الإفصاح عما يريدون قوله، دع عنك إقناع أحد به.

إلا انني لم أتصور انه سيفوز، فهو يمثل "مخاطرة" كبيرة للنظام. الناس الآن يكرهون اميركا ويخافونها فكيف إن كانت تحت رئاسة وحش صريح لا تغطيه اية مظاهر؟

 

كنت أتصور ان النظام قدم الرجل لكي يقبل الناس بحكم كلنتون البشع، سواء كان في سياستها المالية التي تتجه نحو الأثرياء أو في سياستها الخارجية فيما يتعلق بإسرائيل والعرب. لكن ظني خاب، وتم انتخابه بالفعل! وكما عبر احد الكتاب في عنوان مقالته: "الآن صارت احشاء اميركا السوداء وجها لها ايضاً".

 

والآن وقد حدث ما حدث وانتخب ترامب، ما هو موقفنا منه ومن اميركا ترامب؟ هل نفرح لأن اميركا ستنكشف ام نحزن لكراهيته وعنصريته المعلنة ضد المسلمين، أم ماذا؟

ولكي نجيب عن هذا السؤال، يجب ان نفهم تأثير الرئيس الأمريكي في سياسة أميركا. فالشائع هو ان تلك السياسة لا تتأثر، وأن اميركا "دولة مؤسسات" (كما يلذ لمحبيها ان يطلقوا عليها)، ولها سياسة ثابتة (أو ثابتة تقريبا). والحقيقة هي ان اميركا يمكن ان توصف بأنها "دولة عصابات" مالية وسياسية وعسكرية، تعمل من وراء الكواليس وتتجاوز الخيار الشعبي. ولذلك فخطها السياسي محدد الى درجة ما، بغض النظر عن الرئيس وعن رأي الناس في مختلف القضايا.

 

لكن هذا ليس صحيحاً تماما، فالرئيس مؤثر. ولا نستنتج هذا عن طريق فحص الدستور الأمريكي، لأن إمكانيات التلاعب كبيرة به، وإنما بفحص الأحداث التاريخية في فترات حكم مختلف الرؤساء. فنحن نعلم مثلا أن الرئيس كندي قد تم قتله. ولو كان بإمكان النظام تجاوزه بطريقة أسهل، لما كان هناك داع لتلك الفضيحة الخطرة. ونعلم أنه كانت هناك مؤامرة مدهشة حالت دون حصول كارتر على الرئاسة للمرة الثانية، من خلال تأجيل استلام الأسرى الأمريكان لدى إيران لكيلا تحتسب له نقطة ترفع شعبيته! وهي مؤامرة لم تكن سهلة لو افتضحت في وقتها.

 

إذن للرئيس تأثير مهم، فما هو تأثير ترامب المنتظر؟ من الطبيعي انه ليس متوقعا أن يسمحوا أن يحرق الرئيس الأمريكي الأوراق على بلده، لذلك فما تحدث عنه من نوايا لن يحدث بهذه الحدة، بل قد لا يكون له وجود عملي. الشيء الوحيد الذي يمكن ان يرشدنا إلى ما ينتظرنا من اميركا ترامب هو صفته باعتباره شخص أبله ومتخلف ثقافيا وتعليميا. فهو يفخر مثلا بأنه لم يقرأ كتابا أبداً. وهذا يعني بالتأكيد ان هناك جهة ما جاءت به لتسيره كما تشاء، فالحمقى (أو المتظاهرون بالحمق) هم الوحيدون المستعدون للطاعة بلا اعتراض تقريبا. فماذا تريد تلك الجهات عادة من الرئيس الأحمق الذي تأتي به؟ وهل يختلف عما يفعله الرئيس الاعتيادي الذي يفوز بقدراته؟

 

يمكننا ان نستدل على ما يريدون من خلال مراجعة تاريخ اثنين من الرؤساء "الحمقى" في التاريخ الحديث لأميركا، وهما ريغان وبوش الإبن. وكانت فترتي رئاسة كل منهما كارثية على العالم وعلى اميركا أيضا، وبنفس الاتجاهات.

 

فسنوات الثمانينات الريغانية كانت مأساوية على العالم. وكان ريغان من البلاهة أنه اعلن بعد زيارة لدول اميركا الجنوبية أن الزيارة كانت مفيدة جداً فقد "اكتشف" ان الدول التي زارها، دول مستقلة! وكان مستشاروه يجدون صعوبة في تقديم أي تقرير (شفوي) إليه لأنه لم يكن ينتبه او يسجل ملاحظات. وكانت فترة حكمه هي الفترة التي شهدت اميركا الوسطى والجنوبية فيها إرهابا كبيرا من قبل القوات الحكومية التي تدعمها اميركا، ضد الشعب وبشكل خاص ضد المعترضين على سياسات تلك الحكومات الدكتاتورية. وكان خبراء التعذيب والإرهاب الامريكان (ومنهم جون نيكروبونتي، السفير الأمريكي الأول في العراق) ينطلقون من قواعد خاصة في هندوراس إلى جميع الدول المجاورة التي تحتاج مساعدتهم لكبح شعوبها. وفي العراق ادامت حكومة ريغان الحرب العراقية الإيرانية بمساعدة الطرفين وكان رامسفيلد يلعب دوراً في ذلك.

 

وعلى المستوى الاقتصادي، قام الحكم الريغاني – التاتشري بإجراءات اقتصادية شديدة القسوة على الفقراء في اميركا وبريطانيا وقاما بالضغط على بقية البلدان التي تقع تحت تأثيرهما لاتباع سياسة مماثلة، حطمت القطاع العام وتسببت في إفقار كبير للناس، وبشكل لم يعرف له مثيل سابقاً.

ورغم ان السياسة الأمريكية دموية عدوانية بشكل عام، إلا أن مقارنة فترة ريغان المتخلف مع فترة كارتر المتعلم جيدا، تشي بفارق كبير، فمثلا قام كارتر بتوقيع اتفاقية تسليم قناة بنما لأصحابها، وهو ما لم يكن ممكنا تخيله لريغان. وبنفس الطريقة لم يكن ممكنا تخيل ان يحصل الشعب الأمريكي على إنجازات أوباما (رغم مساوئه الكثيرة) مثل التأمين الصحي (رغم محدودية قيمته) من مرشح مثل بوش او ريغان.

 

بالمقابل، عندما أراد "أصحاب الشأن" تنفيذ مؤامرة 11 سبتمبر، والهجوم المخطط على سبعة بلدان، فأنهم حرصوا أن يأتوا بالأحمق (أو المتظاهر بالحمق، لا ندري) جورج بوش. وقاموا بتزوير الانتخابات ليفوز على منافسه. فهناك مؤشرات بأن بوش لم يكن ضمن فريق مؤامرة 11 سبتمبر. فقد تم إبلاغه وهو في مدرسة أطفال، ووقتها بقي جامدا لا يتحرك لفترة طويلة. ولو أنه كان ضمن الاتفاق لرتبوا له سيناريو أفضل. لقد كان لاختيار ابله سبب وجيه إذن، فلا يمكننا ان نتخيل لو ان أوباما او نيكسون مثلا كان مكانه، يمكن أن يمر الأمر عليه بهذه الطريقة.

وعلى الصعيد الاقتصادي كان لسياسة بوش اثر مدمر أيضا للطبقة المتوسطة والفقيرة. حيث تم اعلان قوانين إعفاءات ضريبية ضخمة لصالح الشركات، افقرت الحكومة وأغرقتها بالديون، إضافة إلى تكاليف حروبها. وكان على الأمريكي الفقير والمتوسط أن يدفع الثمن.

كذلك خسر الشعب الأمريكي الكثير من الحقوق المدنية التي تحد من سلطة الحكومة عليه، وتنظم القضاء. وتم استبدال القضاة بآخرين موالين للحزب الجمهوري من معدومي الضمير الذين كانوا يتفننون للسماح للرئيس بتجاوز الدستور وتطبيع عمليات التعذيب، وتدبيج قوانين محاربة الإرهاب. وهي قوانين لا يقصد منها إلا إرهاب الشعب، لأن محاربة الإرهاب لا تتطلب قوانين خاصة إضافية. وقد امتد استعمال تلك القوانين إلى البلدان الأخرى. وما يزال إرهاب محاربة الإرهاب مستمرا حتى اليوم في العديد من البلدان الضحية.

 

وهكذا نلاحظ انه في الحالتين المتوفرتين لدينا في التاريخ الحديث من حكم الحمقى، كان العنف الأمريكي والتحطيم الاقتصادي والمدني، داخليا وخارجيا، يرتفع بوتيرة أكبر بشكل واضح، من الوتيرة الاعتيادية له. فعندما يأتينا "أصحاب الشأن" بأحمق إلى الرئاسة الأمريكية، فإن لديهم عادة خطة لتوجيه ضربة معجلة لتحقيق اجندتهم في دفع العالم الى ما يريدونه له من الخضوع لسيطرتهم التامة.

 ونستنتج من هذا أن علينا ألا نفرح بمثل هذه الحالات ولا نحزن بل ان نقلق! فمن ناحية تكشف اميركا وجهها القبيح لمن يجد صعوبة في رؤيته على حقيقته، وهذا يبشر بالخير. ومن ناحية أخرى فإنه علامة على وجود خطة لتوجيه ضربة جديدة للبشرية وإكمال سحق ما بقي مما حققته في الماضي من إنجازات. ولنا نحن العرب والمسلمون حصة الأسد من القلق، في هذا الزمن الذي تسيطر فيه إسرائيل التي لا تخفي ارادتها في تحطيمنا، على مقدرات الولايات المتحدة الأمريكية وتدير سياستها. فهل سيعي ضحايا هذا النظام (وهم العالم كله عدا إسرائيل)، حقيقة اميركا وبشكل يدفع بهم إلى المزيد من التقارب لمجابهتها، أم يخيب أملنا كما حدث غالباً في الماضي ويتكور العالم مرتعداً ومقدما المزيد من التنازلات والهزائم؟ الجواب عن هذا السؤال هو ما يحدد لنا إن كنا سنفرح بقدوم أحمق إلى البيت الأبيض، ام نحزن، أما الآن فعلينا ان نقلق!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.