اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مئة عام على انطلاق الحرب على وعي الشعوب// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

مئة عام على انطلاق الحرب على وعي الشعوب

صائب خليل

 

11 تشرين الثاني 2016

في تمام الساعة الحادية عشر من اليوم الحادي من الشهر الحادي عشر من عام 1918 توقفت الحرب العالمية الأولى, وفي كل عام يقف الناس في الغرب لمدة دقيقة صمت واحدة على أرواح الجنود الذين قتلوا في تلك الحرب. انه “يوم الذكرى” كما يسمونه (Remembrance Day)

لكن، مثل معظم ما يروج في العالم اليوم من ثقافات فأن ما يتم تذكره في هذا اليوم، وما يتم تأمله في "دقيقة الصمت" تلك، فارغ تماما من المحتوى والمغزى! فتذكر الجنود وزيارة مقابرهم والألم على مصيرهم ومصير العالم، وكل الصور الفظيعة التي تركتها لنا أربعة سنوات من حرب الخنادق، لم تجد بعد طريقها الى وعينا لتمنع تكرار الحروب وما ينتج عنها من المآسي إطلاقاً. لقد وجد المستفيدون منها طريقة لمنع وعينا لها وتمكنوا بذلك من إدامتها رغماً عنا. دعونا ننظر لبعض الحقائق لحظة.

فاز ودرو ولسون بالانتخابات تحت شعارات حملته بعدم التدخل، بينما كانت الحرب العالمية الأولى تطرق أبواب أوروبا. فقد كان المزاج الأمريكي ضد تلك الحرب تماما. وكانت فئات الشعب الأمريكي المعزولة عن بعضها البعض من مهاجرين من مختلف الجنسيات الأوروبية ضد دخول الحرب. فهكذا كانت المجموعات ذات الأصول الألمانية والسلافية التي لا تريد الحرب ضد وطنها الأم. وكان اشد المتحمسين ضد دخول الحرب هم الإيرلنديون الذي يرفضون مساعدة بريطانيا الكريهة تحت اية ظروف. وروج القساوسة فكرة أن الحرب في أوروبا هي "عقاب الله على الذنوب" التي ارتكبتها. وفي العام 1916 تمت إعادة انتخاب ولسون تحت شعار "هو الذي ابقانا بعيدين عن الحرب"، لكن ولسون كان يخبئ نوايا أخرى. 

 

وهكذا بقيت اميركا خارج الحرب لثلاث سنوات، حتى بدت الفرصة مواتية لولسن لحصد محاصيل الحرب دون خسائر كبيرة جداً، إن هو دخلها. إنما كان يعيقه موقف الرأي العام الأمريكي المضاد تماما للحرب، وكذلك كل ما كان قد ادعى سابقاً من مواقف خلال حملته وما وعد بتحقيقه من وعود. ولإقناع الشعب بضرورة دخول الحرب، قام ويلسون باستئجار صحفي وطبيب نفسي: الأول صحفي مشهور في نيويورك تايمز، واسمه ليبمان والثاني برنايس. وكان إبن اخ سيغموند فرويد، والذي وضع فيما بعد أسس الدعاية الغربية و"أخلاقياتها".

 

قام هذان بتأسيس حملة دعائية غير معهودة للترويج للحرب. وكانت الفكرة الأولى هي استخدام ذات ما يخشاه الناس ليجعلوهم يرغبون به. فاستغل خوف الناس من الحرب واشمئزازهم منها، لدفعهم إليها! وصور لهم ان التخلص من ويلات الحرب لا يكون إلا بدخولها بقوة، وأن ذلك سيكون لمرة واحدة فقط، وأن الشر سيتم القضاء عليه بعد ذلك ليعم السلام!

 

واستخدمت حملة ولسون الأفلام والأغاني ولوحات الإعلان ورقابة المطبوعات والملاحقة والاعتقالات الجماعية. تم تصوير الألمان كوحوش "الهون" الذين يهمون بافتراس النساء والأطفال الأمريكان، وتم إيجار مجموعات مما سمي بـ "رجال الأربع دقائق"، والذين كانوا يقدمون خطابات قصيرة تحفز على التحرك نحو الحرب. وصورت البوسترات الجنود الألمان يقتلون الأطفال البلجيكيين وتم منع تداول اللغة الألمانية قانوناً، وتم تغيير الأسماء الألمانية فتحولت الـ "فرانكفورتر" إلى "الهوت دوغ". وهكذا، ما ان حل عام 1917 حتى كان ذات الشعب الشديد النفور من الحرب، يضغط من أجل دخولها!

 

وهكذا تم منع "السلام" تحت شعار "السلام" (شعار: الحرب التي ستنهي كل الحروب) مثلما منعت كوبا قبل ربع قرن من ذلك الوقت من تحرير نفسها، بالقيام بحملة عسكرية لـ "تحرير كوبا" ومثلما يمنعون الشعوب اليوم من ان تحكم نفسها، تحت شعار جلب "الديمقراطية" الى البلد وحمايتها، ومثلما يقومون اليوم بخلق الإرهاب وتجنيده تحت شعار "الحرب على الإرهاب" ودعم داعش بحجة "الحرب على داعش" وقصف الجيش العراقي والحشد والجيش السوري بحجة مساعدتهم على قصف داعش.

 

قبل مئة عام توصل سادة العالم المتعطشين للحروب المربحة، إلى الطريقة الحديثة لمعالجة نفور البشر من الحرب، وإعادة تشكيل وعيهم لقلب المقاييس ودفعهم لقبول ما يريدون. لقد ابتدأوا بخداع شعوبهم ثم امتدت خبرتهم إلى بقية العالم. وهكذا اديمت شعلة الحرب والموت، ومازالت البشرية في سباق زمن وصراع بقاء، بين الوعي والغيبوبة، وهي تدفع الكثير من الدماء والدموع.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.