اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الرأسمالية ببساطة – الحلقات الخمسة الثانية// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الرأسمالية ببساطة – الحلقات الخمسة الثانية

صائب خليل

 

6- تقييم السلعة بالعمل فكرة ماركسية؟

 يتصور الكثيرين ان القول بأن قيمة السلعة في السوق تتحدد بكمية العمل المبذول في انتاجها، هو من ابتكار "النظرية الماركسية"، أو انها جزء من "عقيدة اشتراكية".

 لكن الحقيقة الغريبة والمدهشة هي أن الفكرة فكرة رأسمالية بحت، قال بها كبار الاقتصاديين الرأسماليين مثل عراب الرأسمالية آدم سميث حيث قال: ".. لذلك، فأن العمل هو المقياس الحقيقي للقيمة التبادلية لجميع السلع"(1)

وكذلك قال ديفيد ريكاردو، أحد أعظم الاقتصاديين الرأسماليين في التاريخ:

"إن قيمة السلعة، أو اية كمية من اية سلعة يتم مبادلتها معها، تعتمد على الكمية النسبية من العمل اللازم لإنتاجها"(2).

 وقد سبق ريكاردو ماركس في هذا الأمر بنصف قرن، بينما سبقه سميث بقرن كامل! لذلك فتقييم السلعة بكمية العمل، فكرة رأسمالية سابقة لماركس وليس لماركس أي فضل فيها!

من أين إذن جاء التصور بانها ماركسية أو اشتراكية؟

 لأنه إن كانت قيمة السلعة تتحدد بقيمة العمل المبذول فيها، وأنه ليس هناك دور للرأسمال في "خلق" تلك القيمة، فالاستنتاج الطبيعي من ذلك هو أن كل أرباح السلعة يجب ان تعود لمن صنعها، أي الذين اشتغلوا لينتجوها، وليس لصاحب رأس المال أي حصة فيه.

وهذا مبدأ ماركسي بالتأكيد، ومن هنا توقع الناس أن إعادة قيمة السلعة إلى العمل، هي فكرة ماركسية.

ما الذي فعله ماركس إذن؟ قام فقط بإكمال الاستنتاج الطبيعي للفكرة. قال إن كل الأرباح يجب ان تعود الى العامل! كان بإمكان سميث او ريكاردو بالتأكيد ان ينال أي منهما شرف تلك المساهمة المهمة. لماذا لم يفعلا ذلك؟ لأن ذلك يعني جر غضب السادة الأقوياء عليهم وما يعني ذلك من كلفة ومخاطر، وهو ما أقدم ماركس عليه ودفع الثمن لذلك "المال والسعادة والصحة والعائلة" كما قال.

 

7- المواد الأولية وعلاقة العمل بـ "القيمة المضافة" للسلعة

 إن كنا نقول بأن "العمل" وحده هو الذي ينتج "القيمة التبادلية" للسلعة، أي قيمتها في السوق، فما هو دور بقية عوامل الإنتاج التي تدخل في السلعة مثل المواد الأولية أو الأجزاء المكونة للسلعة؟

 لنفترض ان لدينا سلعة تتكون من مكونات عديدة ومواد أولية يمكن شراؤها من السوق، ويتم تجميعها وربطها ببعض بشكل ما، لتكوين السلعة. والآن لا شك بان قيم تلك المكونات والمواد الأولية قد دخلت في قيمة السلعة. ولكن من المؤكد أن علينا أن نبيع السلعة المنتجة بسعر أعلى من مجموع أسعار مكوناتها، وإلا ما كان لعملنا فائدة. إن الفرق بين قيمة السلعة ومجموع قيم المواد التي دخلت في انتاج السلعة، يسمى "القيمة المضافة". فلو كان مجموع قيم المواد الأولية لسلعة معينة 10 الاف دينار، وقمنا ببيع السلعة الناتجة بـ 12 ألف دينار، فأن "القيمة المضافة" تساوي الفي دينار. ومن الطبيعي ان كل "الأرباح" الناتجة من الإنتاج تتركز في "القيمة المضافة". والآن، ما الذي أنتج "القيمة المضافة"؟ إنه العمل!

 كيف نبرهن هذا؟ لنفترض أن عملية تجميع المكونات لتركيب السلعة لا تحتاج إلى أي عمل. عندئذ لن يدفع أحد أية "قيمة مضافة" للسلعة أكثر من قيم موادها الأولية ومكوناتها. لأنه يستطيع ببساطة أن يشتري بنفسه تلك المكونات من السوق، دون تلك القيمة المضافة، مادام ذلك التجميع لا يحتاج إلى "عمل" (فرضا).

 والآن، لنأخذ سلعة أخرى تحتاج فيها عملية تجميع المكونات إلى ضعف كمية العمل التي تحتاجها في السلعة السابقة. هل ستكون "القيمة المضافة" أيضا ضعف تلك التي في السلعة الأولى؟

 نعم بالتأكيد. لأنها إن كانت اقل، فسوف يفضل العاملون إنتاج سلعتين من النوع الأول والحصول على ضعف "القيمة المضافة" من ذلك على ان ينتجوا السلعة التي تكلف نفس العمل بقيمة مضافة أقل. وسوف يستمر انتقال العمال الى السلعة الأولى حتى تتناسب "القيمة المضافة" بين السلعتين، بنفس نسبة العمل بينهما. والعكس صحيح، فإن كانت القيمة المضافة للسلعة الثانية أكبر من ضعف القيمة المضافة للأولى، فسينتقل اليها العاملون، ويحدث العكس حتى تتوازن القيم المضافة مع كميات العمل، مرة أخرى.

 

8- هل الاحتكار جزء من النظام الرأسمالي؟

 لقد جاء النظام الرأسمالي بالذات، بوعد بالتحرر من الاحتكار، لذلك لا يمكن اعتبار الاحتكار جزء من نظريته، رغم انه مصاحب أكيد لكل نشاط رأسمالي عملي، ومنسجم مع الأخلاقية الرأسمالية في البحث عن المصلحة الشخصية فقط، وادعاء آدم سميث انها ستجلب الخير للجميع في نهاية الأمر.

 لقد جاء النظام الرأسمالي على أشلاء الأقطاع ودولة المدن التي تميزت بمؤسسات احتكار المهن وجعلها مقصورة على القائمين بها في ذلك الوقت، في نظام بين النقابات وعصابات المافيا السرية. وبالفعل فقد كانت "الماسونية" أي "البنائين" إحدى أشهر تلك المنظمات السرية المؤسسة على اتباع مهنة معينة واحتكار اسرارها ورخصة ممارستها.

 لهذا فأن وجود أي احتكار في منظومة الإنتاج الرأسمالية يعتبر "تشوها" فيها، ولا يؤخذ في نظر الاعتبار في تحليل الإنتاج الرأسمالي الحقيقي أو المثالي. والاحتكار على اية حال ليس شيئا منتجا بحد ذاته، بل هو بشكل عام معيق للإنتاج باعتباره يضع شروطا عليه ويشوه "حرية السوق" الرأسمالية في تنظيم نفسها، كما كان آدم سميث يريدها.

 وقد أدرك سميث وغيره مشكلة الاحتكار، لذلك فقد نبهوا إلى ان السوق الرأسمالية التي تحل إشكالاتها بنفسها من خلال العرض والطلب يجب ان تتكون من وحدات صغيرة بالقياس إلى حجم السوق، فلا تستطيع أي منها أن تؤثر على حركته.

 

9- لماذا انتقلت البشرية من المشاعية إلى الاستغلال للإنسان؟

 يؤكد علماء التاريخ القديم أن الإنسان عاش الفترة الساحقة الأكبر من عمره بشكل "مشاعيات" مشتركة، يعمل فيها كل افراد القبيلة لجمع ما يستطيعون، ثم ليتمتعوا بما جمعوا من طعام ولباس وغيره بشكل جماعي. والسبب بسيط، وهو ان الانسان القديم كان قليل الكفاءة وكان بحاجة إلى التعاون التام في الصيد والدفاع والزراعة، حيث لم يكن الافراد قادرين على ان ينتجوا على انفراد ما يكفل حياتهم، وكان العمل الجماعي يزيد الكفاءة ويجعل الحياة ممكنة...بالكاد.

 ثم حين تطورت أدوات الإنتاج، وصارت أكثر كفاءة، فإنها سهلت على الإنسان الحياة فكانت نعمة من جهة، لكنها صارت نقمة أيضا من الجهة الأخرى. فقد صار الإنسان يستطيع ان ينتج ما يزيد عن حاجته الأساسية للحياة. وبالتالي فقد صار استغلاله ممكنا ونافعا، وهكذا بدأت العبودية. ولنلاحظ ان ليس جميع الشعوب قد مرت بهذه المرحلة. فهنود القارة الأمريكية لم يكونوا يصلحون كعبيد للبيض المهاجرين، لذلك تمت إبادتهم واستجلاب العبيد من السود الأفارقة.

 وهكذا دخل الإنسان مرحلة الاستغلال، والتي تطورت إلى مراحل متعددة بدأت بالعبودية ثم خففت القيود وتغيرت إلى الاقطاعية ثم إلى الرأسمالية. وقد وعدت الشيوعية الإنسان بإزالة الاستغلال عنه والعودة إلى حياة مشتركة هي تطوير نوعي ومختلف عن المشاعية القديمة، إنما يشترك معها فقط في عدم استغلال الإنسان من قبل إنسان آخر. لكن من الواضح ان التجربة الشيوعية الأولى لم تنجح في الوصول إلى هذا الهدف. 

 

10- استغلال الإنسان في العبودية والاقطاع

مر التاريخ الاقتصادي للبشرية بأربعة مراحل هي المشاعية والعبودية والاقطاع والرأسمالية وتمت "زيارة" مرحلة خامسة هي الشيوعية في عدد من البلدان ثم نكصت عائدة الى الرأسمالية.

وقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن الانتقال من المشاعية إلى العبودية وقلنا ان سبب ذلك كان تطور وسائل الإنتاج مما مكن الفرد أن ينتج ما يفيض عن حاجته للعيش وبالتالي كان عرضة للاستغلال.

ويجب ان ننبه هنا إلى اننا نتحدث عن الاستغلال ضمن "النظرية" الاقتصادية لكل مرحلة وليس عن تطبيقها العملي، حيث ان الأخير مختلف من بلد لآخر ولا يمكن اجماله في نظرية. والنظرية تؤشر الخط العام وليست مسؤولة عن تفاصيل التطبيق، إلا ما كان ملازما لها بالضرورة. فإذا انتشرت السرقة في بلد رأسمالي ودمرت اقتصاده، فليست النظرية الرأسمالية مسؤولة عن ذلك، لأن السرقة ليست جزءاً من النظرية، وإنما خلل في التطبيق. وبنفس الطريقة فوجود فساد إداري في بلد شيوعي لا يجب ان يؤثر على تقييم النظرية الشيوعية. وحديثنا هنا يقتصر على الاستغلال المتضمن ضمن النظرية وليس بسبب سوء استخدامها.

الاستغلال الاقتصادي هو أن يجبر شخص على العمل من أجل آخر. ولم يكن الاستغلال موجودا في المشاعية حيث يعمل الجميع من اجل سلة واحدة للجميع. أما في العبودية فهو الاستغلال المباشر بواسطة الضغط والتهديد بالضرب او حتى القتل. ويكون العبد تابعاً لشخص آخر هو سيده الذي يمتلكه، ولم يكن يدفع له اجوراً على عمله.

أما في الاقطاعية فأن الفلاح يكون (في العادة) تابعاً لقطعة الأرض التي يعمل فيها. ويكون جزءأً منها يبيعه الإقطاعي عندما يبيع الأرض مثلما يبيع الماشية، لكنه يبقى أكثر تحررا من العبد. ويكون الاتفاق بين الفلاح والاقطاعي بأشكال مختلفة، فقد يعطي الاقطاعي الفلاح حصة من المحصول، أو ان يقتطع له جزءاً من الأرض ليزرعها لنفسه بعد ان ينتهي من العمل في ارض الإقطاعي أو حتى ان يؤجر له الأرض مقابل مبلغ محدد مسبقا.

وفي الرأسمالية يبدو موضوع الاستغلال معقداً لذلك سنترك له الحلقة التالية لكي نفيه حقه دون ان نطيل هذه الحلقة، لكننا نقول هنا باختصار انه مهما كانت الطرق، فما دام هناك شخص لا يعمل، فهناك من يعمل من أجله، وهناك بالتالي استغلال.

 

* الحلقات منشورة على صفحة "الرأسمالية ببساطة"

https://www.facebook.com/Capitalism.Simply/

 

(1)  ثروة الأمم" - الكتاب الأول - الفصل الخامس

https://www.marxists.org/…/wealth-of-nations/book01/ch05.htm

(2) .Chapter 7: Theories of Value

 

http://www.d.umn.edu/…/fac…/jhamlin/4111/2111-home/value.htm

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.