اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

شعب مستقطب وأسئلة صعبة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

شعب مستقطب وأسئلة صعبة

صائب خليل

2 حزيران 2017

 

 قبل بضعة سنوات قدّم عراقيان لاجئان في هولندا طلبا للتعيين في شركة أسلحة – قال لي أحدهما: كنا نعلم اننا سنرفض، لكن أردنا على سبيل المزاح ان نعرف بأية حجة سوف يرفضوننا.

وبالفعل تم رفض طلبنا، وحين سألنا عن السبب قالوا لنا بصراحة: لأنكما عراقيان في الأصل!

سألناهم هل لديكم أي مؤشر ضدنا، هل هناك أي معلومة ربما تكون قد وصلتكم عنا تسببت في الرفض؟

قالوا لا.. هذه الدائرة حساسة، وهذه هي القضية كلها.

 يقول.. قلنا لهم: لكننا من معارضي صدام وخرجنا قبل فترة طويلة، كما ان صدام سقط وجاءت حكومة صديقة للغرب.

 قالوا ولو.. الاحتياط واجب، نحن لا نتهمكم بشيء لكننا لا نعين إلا من نطمئن له تماما وليس عليه أي احتمال مقلق.

 ضحكنا، وقلنا: اليس هنا التمييز على أساس الأصل ممنوع؟ قالوا نعم، لكن لنا حقوق خاصة تسمح لنا برفض أي شخص لدينا أي سبب للشك فيه.

وهل انزعجتم؟ سألته.. قال لا بالعكس شكرناهم وقلنا اننا نفهم الموضوع.

 قبل أيام كتبت متسائلا عن تعيين قاسم الاعرجي في منصب وزير للداخلية، بعد ان عرفت انه كان قد قضى حوالي سنتين ونصف في سجون الأمريكان، وانهم أفرجوا عنه باعتباره "متعاون".. واعتبرت مثل هذه السيرة مقلقة، لا يصلح صاحبها لمثل هذا المنصب.. فلا شك ان الرجل الذي اعتقل كمقاوم للأمريكان قد تعرض للكثير من التعذيب او الضغط وحين يطلق سراحه بهذا الشكل، فالاحتمال وارد أنه بالفعل "متعاون"، خاصة انهم لم يعترضوا على تعيينه في هذا المنصب، وكانوا قد عرقلوا استلام ذات المنصب لهادي العامري.

 قلت أنى لا اتهمه لكن هناك مؤشرات مقلقة وأن الأحزاب السرية كانت تعتبر من يسقط من أعضائها بيد الأمن، مستقيلا، كاحتياط أمنى، وحرصا على سلامة الحزب. كذلك فأن الأسير العسكري حين يعود من الأسر، فإنه يسرح من الجيش بدون ان تثبت عليه اية تهمة، بل بدون ان توجه اليه أية تهمة. ولا أحد يعترض على معاملة هذا "البطل" بهذه الطريقة "المهينة". فهناك أشياء اهم من مشاعر هذا البطل أو ذاك.

جاءت ردود الفعل بخيبة الأمل المتوقعة. معظم الذين اعترضوا على هذا الطرح، اعتبروا أن المسألة محاولة لتسقيط الرجل الشريف، وان السجن لا يعني بالضرورة أنه عميل للأمريكان! رغم أنه قد جاء في المقال بوضوح ان احتمال واحد بالمئة او بالألف ان يكون عميلا للأمريكان يكفي، وأن القصد لم يكن اتهامه وإنما التنبيه إلى حساسية المنصب الذي يحتم عدم تحمل أية نسبة مخاطرة. لكن من يحب قاسم الأعرجي بقي غاضبا وبعضهم انتقل فوراً إلى الشتائم.

 الجانب المقابل المؤيد لما طرح في المقالة حول ضرورة إبعاده، كان اغلبه أيضا حسب تقديري، قد اتخذ موقفه لنفس الأسباب، إنما مقلوبة: لأنه يكرهه او يكره حزبه او مذهبه.. الخ، وليس لأنه يرى فيما جاء في المقالة إجراءاً سليما يجب ان يطبق. ولو أن الشخص المعني كان من الجهة التي يفضلها، لوقف بالضد. لم يكن هناك رؤية لـ "منظومة عمل"، دع عنك الحرص عليها. السؤال الوحيد المطروح هو: هل هذا من الجماعة الذين اريدهم؟ إذن انتهى! سأدافع عنه بغض النظر عن الظروف والاحتياطات والضرورات! هل هو من الجماعة الأخرى؟ إنتهى أيضا! سأقف مع ازاحته ولن اسأل أكثر. إن هذا الموقف هو التعبير الأدق عن "روح المحاصصة" التي تثار الضجة ضدها ولكن فقط حين يمارسها الآخرون!

إنه حال مقلق لكن الحقيقة أنى لا الوم احداً. فالوضع في العراق مستقطب إلى درجة مرعبة. والحصول على انسان يمكن، او ان هناك مجرد احتمال ان تعتبره شريفا، في منصب وزير، هي امنية عزيزة ليس من السهل التخلي عنها في هذا الجو الشديد التوتر والاستقطاب. إني اتفهم هذه المشاعر، وأقر انه ليس سهلاً بالنسبة لي أيضا أن أطالب أو اقبل بإزالة وزير يبدو مناسباً حتى لو كانت الحكمة تتطلب ذلك.

مهما يكن السبب ومهما كانت المبررات، فنحن لا نبدو حريصين على سلامة الوطن كله، بقدر ما حرص الهولنديون على اسرار شركة! علما ان الخطأ في مثل هذه الوزارة أخطر على العراق وفي هذه المرحلة بما لا يقاس مما يمكن ان تخسره شركة أسلحة بسبب جاسوس. لقد رفضت الشركة حتى ان يعطوه عملا بسيطا لا علاقة له باختراع جديد، او منصب يتيح له الحصول على معلومات حساسة، لكنهم يرون أن الرجل لن يموت من الجوع إن ذهب يبحث عن عمل آخر.. ولا كذلك قاسم الأعرجي!

يجب ان نلاحظ اخيراً أن مثل هذه الأسئلة لا تطرح على المواطن في أي بلد، إنما يترك القرار فيها لمؤسسات تتبع منهجية علمية ثابتة صقلتها عشرات ومئات السنين من التجارب، لكن العراق بلد بلا مؤسسات وبلا حكومة، ويجد الناس أنفسهم أمام اسئلة كبيرة لا يقدرون على استيعاب حيثياتها وتاريخها، فيعاملونها وفق خبراتهم التي تنحصر في القضايا الشخصية والأخلاق الشخصية. ويبدو لي ان هذا الحال ليس مصادفة، فالمهمة الأساسية المطلوبة من المنصبين على رأس السلطة في العراق، هي ان يحرصوا على ان لا تكون هناك حكومة في البلاد، ولا مؤسسات وقد حققوا مهمتهم بنجاح كبير. ربما ليس الذنب في هذا ذنبنا ولسنا ملامين على شيء، وربما تبرر لنا ظروفنا هذا الحال، لكن علينا ألا نفاجأ حين تأتي النتائج يوماً على غير ما نرجو.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.