اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

السناجب في أزمة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

السناجب في أزمة

صائب خليل

 

متى تحدث الأزمات الاقتصادية؟ الجواب البديهي الذي يتبادر للذهن لأول وهلة هو: حين يحدث جفاف أو شتاء طويل اتلف الزرع، او حين تشتعل حرب ما!

وهذا صحيح ومنطقي، فما يسبب “ازمة” في الموارد يحدث نقصاً في الإنتاج وبالتالي يسبب "ازمة" اقتصادية.

لكن هذا ليس كل شيء... المدهش والمحير في نظامنا الاقتصادي الذي يسمى "الرأسمالية"، أن معظم الأزمات لا تحدث بسبب نقص الإنتاج، وإنما... زيادته!

هل هذا معقول؟ أليس هذا مناقض للمنطق، أم المشكلة في قصور فهمنا لـ "اسرار" الاقتصاد المعقدة؟

بل انت محق تماما. إنه ليس معقولا، ولا منطقياً. واقتصادنا كله ليس "منطقي"، وليست المشكلة في صعوبة فهم الاقتصاد كما يريدون ان يخدعوا الناس. حتى أن "سنجاباً" يستطيع أن يشرحها.. لنستمع الى هذه القصة:

 

عندما يحل الصيف، يبدأ السنجاب بجمع اللوز مؤونة للشتاء. فإن كان الموسم زاهراً جمع السنجاب مؤونته دون جهد، وقضى بقية وقته بالتمتع بالحياة ومطاردة "السنجابات"، وإن كان الموسم مجدباً توجب عليه ان يعمل أكثر، وربما يجوع في الشتاء، خاصة إن كان طويلا وبارداً. ويبدو النظام الاقتصادي للسنجاب بسيطاً ومنطقيا تماما: يحدث "انتعاش اقتصادي" عندما تزدهر الدنيا ويكثر "الإنتاج" وتحدث "ازمة اقتصادية" عندما يشح "الإنتاج".

إضافة إلى ذلك فالسنجاب يعرف العطلة والاستلقاء في الشمس، لكنه يستطيع العمل متى شاء. لذلك حين يسمع بعض العبارات الغريبة عليه مثل كلمة “بطالة”، فإنه يبتسم ساخراً من البشر الغريبي الأطوار، ويهز رأسه ويذهب في طريقه... أما حين يسمع أن أزمات البشر تحدث غالباً بسبب "فائض الإنتاج" وليس قلته، فإن السنجاب كان يستلقي على ظهره، وفي بعض الأحيان يموت.. من شدة الضحك!

 

لكن الحال لم تدم. فذات يوم ظهر سنجاب محتال ادعى أنه ورث أشجار اللوز في الغابة، ووضع عليها حراساً. أعلن السنجاب "مالك" الأشجار، انه "سيعطي" العمل للسناجب لتجمع له اللوز، وأنه سيمنح كل سنجاب 3 لوزات في اليوم مما جمع. غضبت السناجب، لكنها لم تجد خياراً سوى القبول. لقد أرادوا تجنب المشاكل ما داموا سيجمعون مؤونتهم ومؤونة اطفالهم للشتاء. ومع الوقت تقبلوا أن الأشجار تعود بالفعل لهذا السنجاب ولم يعودوا يطرحون الأسئلة. وهكذا كان صاحبنا يقضي يومه مستلقيا في الشمس، بينما تجمع له السناجب الأخرى ما يحتاجه ويزيد.

مضى الصيف الأول مرهقاً لم تتمتع فيه السناجب العاملة بأية عطلة، وكان ما جمعوه بالكاد يكفيهم لعبور الشتاء، حتى جاء الربيع دافئاً ومشمساً، وبدا أن الموسم سيكون موسماً رائعاً.

وبالفعل جاء الصيف ممتلأً بالثمار، حتى ان السنجاب الواحد كان يكتفي بقطع نصف المسافة لجمع نفس العدد من اللوز، فتضاعف "الإنتاج"، وفرحت السناجب ووعدت نفسها بالكثير من اللوز ووقت المتعة. لكن أحدها انتبه إلى مفاجأة مزعجة: انها كانت تحصل على نفس الكمية من اللوز، رغم الموسم الممتاز، وكل اللوز الإضافي كان يذهب للسنجاب "مالك" الأشجار.

ورغم غضبها، استمرت السناجب بالعمل، فالتخلي عن المتعة اهون من الموت جوعا في الشتاء.

لكن مفاجأة أكبر كانت في انتظارهم بعد شهر ونصف، حين أعلن المالك، أنه كان هناك "فائض في الإنتاج" وأن حفرته امتلأت بالجوز وانه لا حاجة له بالمزيد، وطلب من السناجب ألا تعود للعمل ابتداءاً من الغد، ولباقي الموسم! وتصور السناجب ان بقية الجوز لهم ففرحوا، لكنهم صدموا حين وجدوا الحراس يمنعونهم من الوصول إلى أية شجرة. وهنا همس أحدهم بهدوء كأنه يتذكر شيئا ضحك منه في الماضي: “بطالة"! لكن احداً لم يضحك هذه المرة!

 

ولأن السناجب لم تعمل إلا نصف الموسم فإنها لم تجمع سوى نصف حاجتها، وكان عليها ان تعيش شتاءاً قاسياً لم تنسه طيلة حياتها.

 

تغيرت حياة السناجب، ولم تعد تشعر أن الغابة ملك لها، ولا مواسمها تفرحها، بل صارت إذا رأت بوادر موسم مزدهر، تشعر بالم في المعدة. ومنذ ذلك الحين لم تعد السناجب تموت من شدة الضحك حين يتحدث أحد عن "أزمات اقتصادية" تسببها "زيادة الإنتاج".

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.