اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الرأسمالية ببساطة – المجموعة الثالثة – الحلقات من 11 إلى 15// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الرأسمالية ببساطة – المجموعة الثالثة –

الحلقات من 11 إلى 15

صائب خليل

 

11- الاستغلال في الرأسمالية – لماذا يبدو غامضا؟

 الجميع يشعر بوجود استغلال "غير انساني" في النظام الرأسمالي، لكن الأمر يشوبه بعض الغموض. وفي الوقت الذي يكون عمل العبد واضح الاستغلال بالنسبة لنا، وكذلك عمل القن في الإقطاع، فأن العامل في المعمل يبدو 1- كمن يستلم أجوره حسب اتفاق حر بينه وبين صاحب العمل و 2- هو ليس مجبر عليه.

 لقد بين ماركس ان القيمة المضافة للسلعة تأتي كلها من العمل، وان الحصة التي يحصل الرأسمالي عليها ليست سوى سرقة، كما شرحنا في منشورات سابقة. والحقيقة أن أصحاب العبيد كانوا يجادلون بأنهم يصرفون على عبيدهم والاقطاعيين أنهم يعطونهم حصة من المحصول، مثلما يجادل صاحب العمل بأنه يعطي أجوراً.

اما النقطة 2- فهي الحرية الظاهرية للعامل بترك العمل. فعلى العكس من النظامين الاقطاعي والعبودية، يبدو العامل في النظام الرأسمالي "حراً" في اختيار عمله او رفضه. كما يبدو انه قادر على "الإضراب" عن العمل إن أحس بالظلم فيه، ويتم التفاوض عليه والوصول إلى حل مرض للطرفين عادة. فمن أين يأتي الاستغلال إذن؟

 مما لا شك فيه ان العامل في النظام الرأسمالي أكثر حرية من العبد والقن، لكن ليس الى الدرجة التي يتصورها المرء لأول وهلة. فرغم أن العامل ليس مجبراً على العمل عند "سيد" معين، لكنه مجبر على العمل عند "طبقة معينة" هي طبقة أصحاب المصانع الرأسماليين. يمكنه ان يرفض العمل عند فلان، لكنه مجبر ان يختار واحداً من تلك الطبقة يعمل عنده، ومن هنا جاءت عبارة "الاضطهاد الطبقي". لا يملك هؤلاء قانونا أو شرطة لإجبار العامل على العمل، إلا انه سيعاقب بالجوع والفقر إن لم يعمل. ولو أن صاحب معمل خفض اجور العمل كثيرا دون المعدل العام فسيتركه عماله إلى معامل أخرى، على الأقل نظريا. لكن هذا يفترض أولاً وجود طلب على العمال أكثر من المتوفرين، وهو أمر قلما يكون صحيحاً، فمن النادر جداً أن تكون هناك فترة أو مهنة بدون بطالة.

 إن مصلحة العامل وصاحب العمل متناقضتان فيما يتعلق بالأجور، فما يحصل عليه أحدهما يخسره الآخر. ولذلك فأن ما يحدد الأجور هو قدرة "التفاوض" أو "الضغط" بينهما. ويمتلك صاحب المعمل ميزات عديدة تجعله الأقوى. الأولى هي أن العمال ليسوا كائنا واحداً بل كائن يتوزع على اجسام اشخاص كثيرين لا يسهل جمعهم في رأي واحد لمجابهة صاحب المعمل. ويعمل أصحاب المعامل الكثير من اجل منع او تخريب العمل النقابي الذي يسعى لسد هذه الثغرة بدرجة ما.

 والميزة الأخرى أن صاحب العمل يستطيع ان يغلق مصنعه ويبقى لفترة طويلة دون ان يعاني من الفقر، بينما لا يملك العامل عادة ما يعيش به أكثر أيام او أسابيع، يجبره بعدها العوز إلى العودة راضيا بكل الشروط. ومن هنا فان "التفاوض" الذي ينتهي بالرضا، ليس ضامناً للعدالة كما يتخيل المرء.

 في حلقات قادمة سنبين ان اضطهاد العمال يمكن ان يزيد عن اضطهاد العبيد، وان ذلك قد حدث ويمكن ان يحدث من جديد.

 

12- ألا يبرهن سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية، فشل النظرية الماركسية؟

 اليس جزء من صلاحية النظرية، هو في قدرتها على الصمود بوجه التحديات؟ فلا يمكننا توفير ظروف مختبرية خاصة لأي نظرية على أرض الواقع. القوة هي شرط من شروط الوجود والبقاء، وبالتالي فقوة النظرية مؤشر على سلامتها، وسقوطها على ارض الواقع دليل على ضعفها كنظرية مناسبة للحياة. أليس كذلك؟

للإجابة بشكل عام وعلمي اولاً، في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه "صلاحية النظرية" للتطبيق، من الناحية العلمية.. النظرية إما ان تكون صحيحة أو خطأ (متناقضة) وتبقى النظرية سليمة مادامت لا تحتوي تناقضا، حتى لو كانت بالفعل تحتاج ظروفا لا تتوفر في عالمنا. يمكننا مثلاً ان نكتب نظرية مفيدة على سطح المريخ فقط.. وهي صحيحة في هذه الحالة.. وإن كانت تجربتها قد فشلت على سطح الأرض، فهذا ليس ذنبها. ففقط عند إمكانية توفير الشروط التي تضعها النظرية لنفسها، يمكن الحديث عن فشل أو نجاح تجربة النظرية. وحتى في هذه الحالة فإن الفشل لا يعني نهاية النظرية بل يجب دراسة هذا الفشل وتحديد أسبابه وهل هو بسبب خطأ في التجربة أم ان النظرية بحاجة إلى تعديل ما، ام انه يبرهن خطأها. هذا من الناحية العامة وينطبق على جميع النظريات.

لكن ما الذي فشل حقاً بالنسبة للنظرية الماركسية؟ إذا اعتبرنا ان كتاب "رأس المال" هو اهم ما في النظرية الماركسية، فإن اهم ما جاء فيه هو البرهان بأن الرأسمالية تقوم على سرقة. من يريد البرهان على خطأ تحليلات نظرية ماركس، فعليه ان يبرهن عدم وجود تلك السرقة، وإلا تبقى صحيحة، مهما تكرر فشل البشر في الاستفادة منها لخلق نظام آخر، كالاشتراكية مثلا. واستمرار الرأسمالية في سيطرتها على الاقتصاد رغم تبيان كونها مرفوضة أخلاقيا وعلميا، يعني إما أن البشرية تريد الاستمرار في نظام اقتصادي يقوم على السرقة، او أنها لم تكن قادرة على تغيير ذلك النظام، (بسبب تسلحه او سيطرته على الإعلام أو على البنوك أو مصادر العيش أو اية أسباب اخرى)، وهذا ليس شأن النظرية الماركسية.

 صحيح أن ماركس (ومن جاء بعده) قد حاول أن يحدد تداعيات الاستمرار في ذلك النهج الاقتصادي، وحاول ايجاد شروط وطريق الوصول إلى تطبيق التغيير المطلوب عملياً، لكن هذا أمر آخر منفصل عن تحليل الإنتاج الرأسمالي. فحتى لو كان هذا التوقع خاطئاً، وحتى لو لم تكن الشروط التي وضعها ماركس للتطبيق كافية، فهي تبقى تقديرات لنتائج استمرار السرقة وتقديرات للطريقة المناسبة للتغيير. وحتى خطأ تلك التقديرات لا يفند النظرية الاقتصادية لماركس في تحليل الرأسمالية. النظرية قالت لنا: "هذه سرقة"، وتركت لنا ان نتصرف بهذه المعلومة بما نشاء في حياتنا ومستقبلنا. فإما أن نقبل السرقة ونغير اخلاقنا الرافضة لها، أو ان نحافظ على اخلاقنا ونسعى لتغيير النظام الذي يناقضها ويسرقنا. والحل الثالث هو ان نكتفي بتطبيق اخلاقنا على الضعفاء ونغمض أعيننا عن الأقوياء.

 إن القاء اللوم على النظرية هنا، اشبه بمن يفشل في القبض على اللص، فيستنتج إنه ليس لصاً، ثم يعود ليلقي اللوم على من أبلغ عنه!

 

13- هل الماركسية ضد الملكية الخاصة، وهل هناك حدود للطموح بالثراء فيها؟

 هناك مفهوم شائع بأن الاشتراكية ترفض الملكية الخاصة وأنها جيدة للفقراء فقط. بل يتبنى البعض دون ان يعي، شعارا إعلاميا مغرضاً بأن الاشتراكية "توزع الفقر" على الناس، وأن البلدان الثرية ليست بحاجة لها.

 ليس هناك، حسب قراءتي لـ "رأس المال" ما يحرم الملكية الخاصة. والحقيقة أن التحليل الماركسي للرأسمالية لا يحلل أو يحرم أي شيء، بل يبين فقط كيف تعمل الرأسمالية، ويترك لأخلاقنا بنفسها ان تحكم على كل جزء أو مفهوم من مفاهيم الرأسمالية، ولتحلل ما تشاء وتحرّم ما تشاء.

 التحليل الماركسي يقول إنه إذا عمل إنسان لحساب آخر، فأن هذا الأخير لن يربح من عمل العامل إلا بسرقته. فإن كانت اخلاقنا ترفض سرقة جهود الآخرين، يجب ان نرفض النظام الذي يعمل فيه انسان لحساب إنسان آخر، وهذا كل شيء. ولا يستنتج من هذا أي رفض او تحريم للملكية الخاصة. بل ليس هناك حدود لتلك الملكية ضمن هذا الإطار، قدر تعلق الأمر بالماركسية.

 إذا كان الأمر كذلك، لماذا تستولي الاشتراكيات على بعض أملاك الأثرياء وأراضيهم عندما تصل الى الحكم؟ هذا موضوع آخر قد نناقش عوامله في منشور قادم مطول. أما الماركسية فلا تحمل في طياتها حسب قراءتي أي تحديد للثروة. ولا تجد الماركسية أية مشكلة في امتلاكك حتى لوسائل الإنتاج التي تستخدمها لعملك. كما أنك لست مضطراً ان تعمل في مؤسسات الحكومة بل يمكنك بكل تأكيد ان تعمل لحسابك بل وأن تؤسس شركتك. وما اقوله هنا ليس "تطويراً" للماركسية يتساهل في بعض مبادئها، بل هو في صميم المبادئ الكلاسيكية للماركسية.

 يمكنك أبعد من ذلك، أن تشارك أصدقاءك او من تريد في شركتك، ولن تكون مخالفاً للماركسية مالم يعمل فيها أحد لحسابك مقابل أجر. ويمكن لهذه الشركة ان تتعاون مع شركات اخرى، وان تشتري حاجاتها من انتاج من يعمل لحسابه الخاص. فإن نجحت تلك الشركة وجعلت منكم من اصحاب الملايين، فليس هناك أي اعتراض لدى ماركس على ذلك!

بل وعلى قدر تعلق الأمر بماركس فلا شك عندي أنه سيفرح بإنجازكم ويباركه لكم، لأنكم تكونون قد اثبتم أن نظامه منتج ولا يحد طموح الإنسان، وأن هذا الطموح ممكن دون سرقة جهود الآخرين!

 

14 - ماذا عن مساهمة "رأس المال" في إنتاج السلعة وبالتالي في "القيمة التبادلية" لها؟

إن الكثير مما كتب ماركس يدور حول دور "رأس المال" في انتاج السلعة وكيفية حساب ذلك الدور، ويبين أنه دور "مساعد" فقط، يدخل الإنتاج ويخرج منه كما هو، ولا يسهم في انتاج "الأرباح" التي تتحقق من بيع السلعة في السوق. إن هذه النقطة المركزية في الماركسية هي نقطة الخلاف الأساسية بين ماركس ومن سبقه الذين يؤكدون وجود دور لرأس المال في انتاج الربح. وهي قد تكون ايضا النقطة الأكثر غموضاً عند الدارس الجديد لماركس. فكيف لا يسهم رأس المال في انتاج القيمة؟ ولماذا هو ضروري إذن لإنتاج السلع؟ هذه النقطة ليست واضحة هنا في هذه المرحلة المبكرة، وتبدو غريبة، لكنها ستزداد وضوحا مع التقدم في دراسة الموضوع.

15- السلعة - لماذا تحسب الرأسمالية الدعارة عملاً، ولا تحسب عمل المرأة في البيت، عملا؟

 للإجابة عن هذا السؤال، علينا اولا ان نعود لنعرّف "السلعة" التي هي طابوقة البناء للرأسمالية. فليس كل "منتج" هو سلعة بالضرورة، حتى لو كان مفيداً. فما تنتجه لاستخدامك الخاص، او لعائلتك، او حتى لكي تهديه إلى شخص ما، ليس سلعة. السلعة هي: المنتج الذي يتم انتاجه بقصد البيع في السوق. ففقط من خلال "السوق"، يكتسب المنتج لقب "سلعة".

هذا ليس مجرد أمر يتعلق بالدقة اللغوية، إنما هذا التمييز ضروري لفهم تركيبة النظام الرأسمالي، وللحيلولة دون اختلاط المفاهيم وتشوش الصورة. فالربح الرأسمالي يحتاج إلى "فائض قيمة" (لتتم سرقته حسب ماركس) وهذا لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال بيع "المنتج" في السوق. وعمل المرأة (أو الرجل) في البيت لا يباع في السوق، لذلك فتلك الخدمة ليست سلعة، ولا تستطيع ان تنتج ربحا لشركة ما، وهي بالتالي عديمة القيمة بالنسبة للنظام الرأسمالي، رغم أهميتها العظيمة للمجتمع! أما الدعارة، خاصة إن كانت منظمة ضمن شركة معينة أو تدفع الضرائب، فهي "سلعة" لها سوقها، وتعتبر عملاً!

 لقد تحدث البروفسور جومسكي عن امرأة اضطرتها دائرة العمل الامريكية إلى قبول عمل يتطلب منها السفر اليومي الطويل لإنجاز عمل بسيط وتافه هو تنظيف بضعة غرف لشركات لتحصل على المعونة الاجتماعية، فكان عليها ان تترك أولادها بسبب ذلك بدون رعاية طيلة النهار وإلى وقت متأخر، مما تسبب لهم في مشكلة كبيرة.

.

 وهكذا يمكننا أن نرى أن عمل المرأة في المنزل، ولنفس الأسباب السابقة، لا قيمة رأسمالية له لأنه لا يمكن تسميته "سلعة"، ولا حتى "سلعة خدمية". وفي حساب الاقتصاد نجد انه لا يحتسب في حساب " الناتج المحلي الإجمالي" (GDP) و"الناتج القومي الإجمالي" (GNP)، بينما تزيد الدعارة من قيمتهما لأنها وفق المنظور الرأسمالي، سلعة خدمية! وإن علمت ان هذان أعلاه هما من اهم مقاييس قوة اقتصاد البلاد، يمكنك ان تستنتج أنه من المحتمل ان يعود الفضل بنسبة (ربما غير قليلة) من "تحسن" اقتصاد بلد ما، كما يقدمها البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو غيرهما من المؤسسات المالية الرأسمالية، إلى تفسخ أخلاق ذلك المجتمع وترك النساء أطفالهن بلا تربية أو عناية واشتغالهن بالدعارة!

.

 نذكر أنه في البلدان التي اعتبرت الدعارة من أنواع العمل المشروعة، مثل هولندا، اثير قبل بضعة سنوات السؤال الصعب التالي: باعتبار ان القانون يقول بإجبار العاطل عن العمل على قبول أي عمل متوفر، فهل ستجبر المرأة (أو الرجل؟) في الدول الرأسمالية، على قبول الدعارة إن لم تجد عملا؟

 ربما يبدو هذا السؤال تهكمياً، وبعيدا عن الواقع، خاصة في بلد ثري مثل هولندا، لكن منطق الرأسمالية يشير إلى انه ليس مستبعداً في المستقبل، خاصة وان الاتجاه العام يسير نحو رأسمالية أكثر وحشية وانفلاتاً، في كل العالم، بعد زوال قلق الرأسمالية من إغراء الاشتراكية.

إنها إحدى الأدلة الناصعة على ان بين المجتمع الكريم والرأسمالية الباحثة عن الربح بأي ثمن، تناقض شديد وصراع حياة أو موت.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.