اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حكاية عقود التراخيص– 2 عقود “مشاركة الإنتاج” وعقود “الخدمة”// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

حكاية عقود التراخيص– 2 عقود “مشاركة الإنتاج” وعقود “الخدمة”

صائب خليل

 

إن سمحنا لأنفسنا بالكثير من التبسيط، تقسم العقود النفطية الحالية إلى نوعين، هما عقود الخدمة وعقود مشاركة الإنتاج. وعقود الخدمة هي عبارة عن استئجار الدولة لـ "خدمات" شركة نفطية تقوم بالعمليات النفطية لحساب الدولة، مقابل مبالغ متفق عليها. وهذه هي العقود الطبيعية المعتادة، والتي تتطلب من الدولة أن تتكلف بكل المصاريف وتتحمل الاحتمالات المختلفة (المخاطر)، إلا أنها تحفظ للدولة حرية التصرف بنفطها، وتحقق لها اعلى الأرباح عادة.

عقد مشاركة الإنتاج يحرم الدولة من كمية أكبر من عائد النفط، وإضافة إلى ذلك فهو يقيد حريتها في التصرف بنفطها. فجزء من هذا النفط، حسب العقد، يعود قانونيا إلى الشركة. ولذلك فأن الحكومة تضطر إلى التفاهم مع الشركة على كمية النفط المستخرج وكيفية التصرف به. بينما تكون الحكومة حرة في التصرف بنفطها في حالة عقود الخدمة. ولهذه الأسباب كلها فأن الحكومات الوطنية لا توقع أية عقود مشاركة مع الشركات، إلا إذا كانت مضطرة لها، ولم تكن تملك خياراً غيرها.

 

ويعود تاريخ هذه العقود إلى نهاية مرحلة "الامتيازات" الشديدة الظلم، وتم اختراعها كطريقة اكثر ارضاءاً للدول مع احتفاظ الشركات بحصة في النفط وقدرة على التأثير على السياسة النفطية للدولة. وفي تلك المرحلة كانت تلك الدول مضطرة لقبول مثل هذه العقود لأنها كانت لا تمتلك ابسط الاستثمارات اللازمة، ولا الخبرات الفنية اللازمة لبناء مؤسساتها النفطية المستقلة. وتركت هذه العقود مع تغير توازن القوة لصالح الحكومات، ولم تبق تستعمل إلا في حالات خاصة تضطر فيها الحكومة لقبول تلك العقود، أو تكون ذات علاقة مصالح مشبوهة مع الشركات، وعلى حساب شعبها، كما هو الحال في كردستان.

 

عقود مشاركة الإنتاج لا تمنح جزءاً من النفط في باطن الأرض للشركات، وإنما بعد استخراجه. وتستخدم هذه الحقيقة بين المدافعين عن تلك العقود لتبريرها. لكن الحقيقة الأولى هي ان النفط لن يباع إلا بعد استخراجه. والثانية هي أن الشركات تتصرف بالفعل كمالك لذلك النفط وهو تحت الأرض، حيث ان الشركات تستخدم مثل هذا "الحق" لتنشر أن "لديها" حجم مخزون معين، كلما ازداد كلما ارتفعت أسهمها في البورصة. ومن المتوقع ان تدافع الشركات بكل الوسائل عن ذلك "الحق" إذا ما تجرأت الحكومة وتصرفت بشكل ينتقص منه.

 

متى تكون الدولة مضطرة لعقود "مشاركة الإنتاج"؟ في حالة التنقيب في مساحات استكشافية جديدة، تكون هناك مخاطرة أن تفشل الشركة باكتشاف النفط، او ان يكون قليلا غير اقتصادي او لا يكفي لتسديد الكلفة. ولا تريد الحكومات عادة، تحمل مخاطرة دفع أموال ضخمة بدون ضمان. لذلك تتقدم الشركات المستعدة للمخاطرة بعرض للحكومة، تتحمل به المخاطرة في حالة الفشل، مقابل حصة من النفط المكتشف في حالة النجاح. فإن لم يكتشف أي نفط، فأن الدولة لا تخسر شيئا. ولكن إن اكتشف النفط، فستكون حصة الشركة منه أكبر، وأرباح الدولة منه أقل مما هي في "عقود الخدمة". فعقود المشاركة أمر مقبول في حالة وجود مخاطرة كبيرة بالفشل، أو العجز التام عن توفير الاستثمار الحكومي لاستخراجه، باعتبار أن النفط كان سيترك تحت الأرض لأن الحكومة لم تكن تريد المخاطرة بأموالها.

 

إذن، إن كان الحديث عن استغلال حقول منتجة او مناطق تم اكتشاف النفط فيها أو كانت هناك مؤشرات قوية بأن النفط موجود بصورة شبه مؤكدة، فأن الطبيعي هو أن تتعاقد الحكومة بشكل عقد "خدمة"، لأنه لا توجد هناك مخاطرة كبيرة، ولا مبرر لدفع مبالغ اكبر للشركات او خسارة سيادة الدولة على نفطها.

 

تبنى رئيس الوزراء الأول الذي اختارته سلطة الاحتلال، الدكتور إياد علاوي السياسة التي أوصى بها "مشروع مستقبل العراق" ونشرت في "الميدل إيست إيكونومكس سيرفي MEES"، وقام الأستاذ فؤاد الأمير بترجمتها ونشرها في "الغد" البغدادية في أيلول 2004 بعنوان "علاوي يضع الخطوط العامة للسياسة النفطية الجديدة"(1) والتي أكد فيها على “عقود مشاركة الإنتاج”.

ويقول الأمير: انتظرت أسبوعا لأتيح لعلاوي الرد وتكذيب ما جاء في المقالة إن أراد، فلما لم يفعل، قمت بالرد عليها.

كانت المؤامرة مخططة بالتفصيل إذن، إلا أن خبراء نفط عراقيون وأجانب، وصحفيون ناشطون، تصدوا لتلك المؤامرة بهمة، فأفلت العراق (ولم تفلت كردستان) من المرحلة الأولى من مؤامرة عقود المشاركة على نفطه، تمكنت بغداد من انقاذ نفطها من عقود "مشاركة الإنتاج".

بالنتيجة، فان جميع العقود التي ابرمتها بغداد مع الشركات، كانت "عقود خدمة" بينما العقود التي ابرمتها كردستان، كانت "عقود مشاركة انتاج".

 

ويحاجج المدافعون عن عقود الخدمة، بأن عقود المشاركة محرمة في الدستور العراقي الذي يؤكد أن النفط العراقي ملك لكل الشعب العراقي. ووجدت حكومة كردستان لذلك صعوبة كبيرة في شرعنة عقودها. وحاولت اقناع الشركات ان تسعى بأي شكل الى توقيع ولو عقد بسيط واحد مع بغداد، بشكل عقد مشاركة، لكي تتمكن من استخدامه ذريعة للضغط لشرعنة عقودها. إلا ان بغداد، التي استبدلت المسؤولين عن النفط بشخوص اقل اخلاصاً للبلد مثل عادل عبد المهدي وجبار لعيبي، وجدوا صعوبة كبيرة في تمرير عقد مشاركة صريح واحد، لأن فؤاد الأمير ورفاقه قد تمكنوا في هذه الأثناء من توعية الناس بخطورة تلك العقود. لقد فاتت الشركات فرصة تمرير تلك العقود حين كان أياد علاوي رئيساً للحكومة، ولم يكن احد يعي تلك المصطلحات. لكن المحاولات مازالت مستمرة ومازالت الخطورة كبيرة بوصول عبد المهدي الى رئاسة الحكومة.

 

(1) “علاوي يضع الخطوط العامة للسياسة النفطية الجديدة”

ترجم المقال ونشر في صحيفة الغد (منبر اليسار الديمقراطي) العراقية في 22/11/2004، ونشر الأستاذ فؤاد الأمير مقالة لمناقشة هذه السياسة في العدد الصادر في 9/1/2005. وكلا المقالين موجودين في كتاب: «مقالات سياسية اقتصادية في عراق ما بعد الاحتلال». فؤاد قاسم الأمير، نيسان 2005، دار الغد.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.