كـتـاب ألموقع

خوشابا -//- لطيف ﭘـولا

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: لطيف ﭘـولا

تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013 11:58

الزيارات: 1893

اقرأ ايضا للكاتب

خوشابا

لطيف ﭘـولا

لا ادري لماذا كان جدي ينادينيدون غيري من الاطفال في البيت , فكان ينادي بصوته الجبلي الجهور - خوشابا - !وكانه ينادي على فارس شجاع , فكنت اجيبه :

ـ لبيك ياجدي!. اذهب اليه مسرعا , يمسك بيدي وياخذني الى ينبوع ماء عذب في الوادي القريب منبيتنا نسبيا ,والمجاور لبئر بيث شمونا . فكان يغسل وجهي بالماء العذب وكانه يعمدني بماءطاهر , ولانني ولدتُ يوم الاحد , قبل عيد انتقال مريم العذراء بيومين في 1945 في شهر آب , وعمدتُ في يوم الاحد ايضا لذا كان اسمي في العماذ وحسب امر جدي (( خوشابا )) وكان لايسمح لاحد ان يناديني الا خوشابا . ولان جدي كان مرتلا وقارئا سريانيا وملما بتاريخعشيرته وامته , فكان متعصبا للغته وبني قومه .

كان جدي في الطريق الى البئر والعودة الى البيت يتحدث معي وكانهيتحدث مع رجل وانا طفل في الرابعة او الخامسة من عمري . ربما كان جدي يعلم بان ليحسا وذاكرة وحبا لكل حرف قاله لي ليبقى يدور في دمي مع الكريات الحمر والبيض ويوقظقلبي اذا غفل عما قاله لي جدي .

قلت له يوما وانا عائد من مدرسةالاطفال , الصغار قبل الابتدائية , وكان المربي الفاضل الشماس يوسف شامايا يعلمناالابجدية السريانية , قلت له والفرح يغمر قلبي : جدي ... جدي لقد تعلمت السريانية . ضحك جدي وقال يا ولدي خوشابا : ان لغتنا بحر ولا زلت في الخطوة الاولى . لم افقهلما قاله جدي من ان لغتنا بحر ...

كان جدي يقص لي ويرتل ويغني بالمويحكي عن هجرة عشيرته من مدينة سميل الى القوش قبل اكثر من ثلاثمائة عام , وكيفقبلها هاجر اجداده من باز ... وكيف تركوا القوش في نهاية القرن التاسع عشر, بسببهجوم قام به اناس برابرة متوحشون على القوش, وسكنوا تلكيف لمدة سنتين ثم عادواالى القوش ليجدوها خرابا , عمل بها السيف والسلب والنهب , كان جدي يكتب بالدم علىشغاف قلبي ....

مات جدي وانا في العاشرة عشرة منعمري, لم يعد احد يناديني خوشابا .. وراحت السنين تترى , نسيت جدي وكل ما قاله ليوانا في خضم الدراسة والعمل ومعترك الحياة الشاقة والملاحقة والخوف والاضطهادوالاعتقال . وكنت بين الحين والاخر اصدح بتراتيله والحانه ولكن سرعان ما تذوبذكرياتي لجدي في لـُجة حياتي الصاخبة المتعبة والمتلاطمة على جسدي المنهوك ليل نهار .

وبعد تخرجي من الجامعة اصبحتمدرسا للغة الانكليزية في قرى الجنوب , نادتني الطبيعة فكنت وحدي على ضفاف الانهار , وحدي في البساتين المهجورة وبين الادغال المغمورة , وعبثا حاول زملائي التاكيد علىخطورة مغامراتي . هنالك سمعت صوت جدي مرة ثانية بعد عشرين سنة يناديني : خوشابا !!!بكيتُ وحدي ! لانني كنت قد نسيته لمدة عشرين سنة .ربما كان جدي يناديني, ولم اكناسمعه وانا اجري لاهثا بين المدرسة والمعمل ,وربما كان قد تركني الى ان يقر لي قرار . هنالك لم يتركني جدي وحدي , اعاد الي ذاكرتي , التي كانت في فترة النقاهة , كلكلامه , كل تراتيله , ورحت اعيد في تلك المجاهل قراءتي في السريانية . وكلما اخطوخطوة اتذكر قولجدي) , لغتنا بحر يا بـُني (,!وبدات اكتب رسائل وشعر ومقالات واغاني ,السريانية ,وتاكد لي ان لغتنا ليست بحرفحسب بل هي بحر المحيط,ومن لا يصدق فليعم في هذا البحر, وليرى كيف تغريه اعماقه السحيقة المليئة بالدررالنفيسة . كيف لا وهي امتداد لعظمة بابل وآشور , ولغة البشارة والمسيح , ولغة مارافرام ومار نرساي ومار ماروثا , ومار يعقوب السروجي ومار خاميس برقرداغي وبرديصان ... وغيرهم .

اجل كلما اسبر اغوار هذا البحراسمع صوت جدي يصرخ :

تقدم يا خوشابا !!

واليوم عرفت لماذا كان جدييناديني بملء فمه ... خوشابا !!!

• < السابق
• التالي >