اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الحلاقة بين الأمس واليوم -//- لطيف ﭘولا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الحلاقة بين الأمس واليوم

لطيف ﭘولا

سألت رجلاً ، بلغ من العمر عتياً، عن مهنة الحلاقة أيام زمان وفي عهد طفولته بالذات. تأملني العم ميخـا وهـز رأسـه. ثم أخذ نفساً نفسين من غليونه وقال : في الحقيقـة يا ولـدي الحلاقة لم تكن كما هي عليه اليوم من راحة ووداعه وبساطة وسرعة، بفضل الأدوات الكهربائية التي يستعملها الحلاق الآن. فهي تمتاز بجودتها وحداثتها وتطورها ولذلك تكون لينة وناعمة وملساء وسهلة الاستعمال. وعمل الحلاقة اليوم هو تصفيف وتنظيم الشعر اكثر من أن تكون حلاقة لذا ترى الناس يضعون رؤوسهم بين يدي الحلاق بطمأنينة وقد يغلب عليهم النعاس ويأخذهم النوم وهم على كرس الحلاقة، والحلاق يمرر مشطه الناعم على رؤوسهم وعلى نبرات صليل المقص تتناغم مع حركات أصابع الحلاق المعاصر، والعطور تنتشر في المحل حتى يخال للمرء وكأنه في جنينة.

في أيامنا لم تكن الحلاقة هكذا. في أحد الأيام وقبل سبعة وثمانين عاماً عدت مع أخي هرمز من البيدر وأشارت إلينا والدتي بحلاقة رؤوسنا عند الحلاق العم  (شمعون طعان ) لأن اليوم التالي كان يوم أحد، ويوم عرس أبن خالي. وعندما سمعت بأسم الحلاق امتلكني الرعب. لأن الحلاقة في تلك الأيام تعني ما تعنيه من قساوة، أي جلف الشعر كلياً، وأحياناً مع فروة الرأس وبأداة بدائية تسمى (مـَﮕـريتا) أي الشفرة. وعليه كان على الشخص أن يخرج من دكان الحلاق ورأسه مسلوخاً سلخاً ومخضباً بالدم كخروفٍ هارب من يد القصاب بعد أن عملت به السكين جروحاً بليغة وهكذا ذهبت مجبراً مع أخي هرمز إلى دكان العم شمعون.. الحلاق. فنادى على ولده لينقع رأسينا المدبوغ دبغاً من العرق والتبن سيما وكانت أيام الحصاد والبيادر. جاء ولده وراح يبلل ويدلك رأس أخي هرمز وهو يصيح: أي رأس عليك يا هرمز! قد ملأه القش والتبن! أهذا شعر أم شوك؟ فأجابه أخي: وهل تراني قادم من الحفلة؟ إنني قادم من البيدر..

ثم جلس أخي على مسطبة صغيرة فوقها حصيرة أمام الحلاق وكأنه أمام المقصلة. وأنا أنظر أليه والى الحلاق القاسي وهو يهيئ سكينه المسماة (شفرة) وقلبي يضطرب من الخوف وجسمي يرتعد كالورقة. ثم راحت السكين تعمل برأس أخي هرمز وكأنه يقط قلم الرصاص. كل ضربة يقلع خصلة من الشعر ومعها قليلاً من فروة الرأس. فيصيح أخي: آخ قتلتني! فيجيب الحلاق بغضب: صمتاً أيها الأحمق! أتظنني أصبغ رأسك بالحناء؟! هذه حلاقة وليست مزاح. أجل والله أنها الحلاقة عذاب ورعب. ورأيت الدم يسيل سواقي على وجه أخي هرمز ولتلافي ذلك أخذ عمي شمعون قليلاً من الـﭘـوش (وهو نبات جبلي كالقطن) ووضعه على الجرح. وبعد قليل أصبحا جرحان وثلاثة وأربعة حتى أمتلأ رأس أخي بشجيرات الـﭘـوش! امتلكني الخوف من ذلك المشهد المرعب. وأنا في تلك الحالة التي يرثى لها سمعت صوت عمي شمعون كملاك الموت ينادي أبنه هيئ لي الرأس الثاني! فقلت في نفسي جاءك الموت يا ميخا! وكالمحكوم عليه بالإعدام تسنى له قبل التنفيذ الهروب، فهربت بجلدي قفزت من الدكان راكضاً لا ألوي على شئ حتى دخلت الدار لاهثاً. وانزويت في احدى الزوايا المظلمة. ولما وصل أخي هرمز إلى البيت مسلوخ الرأس إلا من البوش، مصبوغاً بالدم.  نادى جارنا العم (كشو ) إلى والدي: أو جبو! أو جبو! هل حصدتم شعر هرمز لتزرعوهُ  ﭘـوش؟!

فأجاب والدي: نعم وأسقيناه معجون طماطة!..

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.