كـتـاب ألموقع
يـوم إعــدام گـورج -//- لطيف پــولا
يـوم إعــدام گـورج
لطيف پــولا
رغم مرور اكثر من خمسين عاما ، إذ كنت ُ في الرابعة من عمري... لازلت ُ اتذكرها بحزن ٍ، صديقتي گـورج ِ . كان لونها برتقالي ، ذات عيون عسلية، رشيقة كأنثى الفهد . لم تـُسجل هذه المعلومات عنها في البطاقة الشخصية ، اذ لم يكن لها هوية الاحوال المدنية ، إلا اننا كنا جميعا نسميها بهذا الاسم (گـورج ِ ) وقد تطبعت عليه وتعودت أُذناها على اسمها فاذا ناديناها من قريب او من بعيد : گورج ِ ! گـورج ِ ! كوﭺ ! كوﭺ! تراها تاتي مسرعة نحونا ، ملبية ندائنا بلمحة ِ البرق ِ . لم تفرح بجرائها ولو مرة واحدة . إذ لازلت ُ اتذكر كيف كانت تلتوي حنانا وتحترق ألما وهي تبكي عواءا وتعوي بكاءا على جرائها، وتبحث عنهم في كل مكان ذهابا وايابا ، لا يقر لها قرار، كأي أم ثكلاء فقدت اولادها الخمسة . إذ كان لنا في البيت طفل وُلـِدَ جلادا ، هوايته ذبح جراء القطط والكلاب . ومن حسن حظنا لم تتعرف عليه المنظمات الارهابية في كـِبره .. ولازلتُ اتذكر بالم وباسف شديدين ذلك اليوم الذي تم فيه حكم الاعدام بگورج ِ ، لا لشيء إلا لوفائها اللامحدود وحرصها على البيت الى حد الاستماتة في سبيله ، فكان جزاءها الموت ذبحا ، كانت رقيقة لطيفة تحب اللعب معنا نحن الاطفال المفعمين بالبراءة ، إلا واحدا كان جلادا بالولادة . كانت وَدودة معنا ومع اهل الدار، مع الاصدقاء والاقارب والجيران ، وكأنها تربطها وأياهم بنفس الوشائج التي تربطنا نحن وإياهم . كيف لا ، وهي واحدة من اهل البيت؟ فكانت كلما قدم واحدٌ منهم الى الدار تهز له ذيلـَها بحرارة ، مرحبة ً به . وذات يوم حصل ما لم يكن في الحسبان ِ ، إذ زارنا شخصٌ يدعى ( حميد ) ، لم يكن لگـورج ِ سابق معرفة به ، ومن دون ان يلاطفها كصديق لتتعرف عليه، ومن دون اذن من اهل الدار، أراد الدخول رغما عنها مستهينا بحمحمتها والتي كانت بمثابة إنذار ، ثم نباحها الشديد لتثنيه عن تصميمه ريثما يسمع اهل الدار نباحها ليقفوا على حقيقة هذا الشخص . ومن سوء الحظ لم يكن احد في الدار . وركب المدعو (حميد ) رأسه وتقدم عنوة ً، فما كان من گورج ِ إلا توجيه عضة خفيفة من عقبه . اقول عضة خفيفة لان انيابها كانت مقلوعة , ذلك لان شخصا يـُدعى( ميخا ) كان قد قد أُستؤجر لقلع اسنانها . وبمساعدة اهل الدار تم وضع گورج ِ في كيس كبير(گـونيــّا ) حُـبس كل جسمها إلا رأسها ، ليتسنى لميخا ان يدخل الكلابتين في فمها ويقلع اسنانها او يقرضها قرضا واحدا بعد الاخر . وما كانت إلا لحظات حتى أُطلق سراحها وهي ترقص كالمجنونة من الالم والدم ينزف من فمها ، ويدا ميخا وآلته مخضبتان بدمها ..ثم يجلس بزهو وكأنه يرفع سيفه بعد ان انتصر في المعركة . كل هذا الاجرام لقاء عدة فلوس توضع في يده الملوثة بالدم .. ! . اجل كانت عضتها خفيفة ، إلا ان (حميد ) ارادها فرصة للابتزاز . فقدم شكوى الى الشرطة، وأستعانة بواسطة قوية في الدولة ! تدعم موقفه وتحقق مأربه لكسب القضية ولنيل الغرامة . حكم على گورج ِ بالموت ذبحا ! ، ليؤخذ رأسها المقطوع الى الموصل للتحقق من إصابتها بداء الكلب . وعليه قدم الى بيتنا عدد من رجال الشرطة لتنفيذ الامر . وطلب من والدي ان يربط گـورج ِ بالحبل . نادى عليها والدي : گورج ِ ! گورج ِ! كـــوچ ! كـــوچ !( وهي لغة لمناداة الكلاب في القوش )، جاءت مسرعة ملبية نداء الموت دون عـِلمها .. ربطوا رقبتها بالحبل ، ثم رُبط الحبل بالمِشبك الحديدي للنافذة ، وراحت الهراوات تنهال على گورج ِ من كل صوب كالمطر .. صرخات كورج تثقب أُذني ! وانا حاشر نفسي في غرفة مقفلة الباب والنوافذ ، كي لا اسمع نـُواحـَها الذي شق الظلام الدامس المخيم على الدار ..أكممت أذني براحتي . وكانت الثوان ِ تمر علي ًّ ببطء شديد ، وكنت بين حين والاخر امسح دموعي ومخاطي باكمام قميصي ، ولا اكاد أرى شيئا بعيني التي غشتها الدموع سوى خيال گورج ِ . ثم اعود لاضع اصابعي في أُذنـَيَّ . وكم تمنيتُ ان تهجم عليهم وتمزقهم إربا إربا . ثم سمعت صراخ الشرطي : اهربوا ! اهربو ا لقد قطعت الحبل ! . أخرجت راسي من الباب لأرى ماذا حصل ، وإذا بالشرطة والاخرين يهربون الى الزوايا المظلمة خوفا منها ، ورأيتها كالبرق تجري مسرعة وتدخل الغرفة التي حشرت ُ نفسي فيها لتختبيء تحت السرير . وتلك كانت المحاولة الأخيرة لگورج ِ في النجاة ولكن هيهات . دخل والدي ،راحت تتوسل اليه بصوت يثير الشفقة وبحركة ذيلها وهي منبطحة تحت السرير . ظانة ان يد الرحمة ستنتشلها من ذلك المأزق ، لكن تلك اليد نفسها ، والتي طالما لحستها گـورج ِ ، وضعت السكينة على رقبتها وقطعت رأسها ليؤخذ الى الموصل للفحص .. وكانت النتيجة ان گورج ِ لم تكن مصابة بداء الكلب ، لكنها استحقت الموت حسب القانون لانها كانت وفيـّة! كما هو حال الأوفياء اليوم... . ظلت ذكريات گورج ِ واصواتها في خيالي مدة طويلة ، وكنت احلم كطفل ان اذهب الى الوادي الذي القيت فيه جثة گـورج ِ، دون علم الحكومة ،لاجمع بين راسها وجسدها واضع عليهما العجين ثم انادي عليها باعلى صوتي: گورج ! گورج ِ ! ... كما كنت افعل كل يوم .. وكنت اقول لاصدقائي : حالما تسمع گـورج ِ صوتي بالتاكيد ستنهض وتجري مسرعة الى البيت الذي أحبـَّته ولم يستطع الإيفاء لها وحمايتها من جرم الانسان .
ولم انس گـورج ِ، إلا بعد ان شاهدتُ اجساد شعبنا ورؤوسهم مقطعة في الشوارع والطرقات ، فادركتُ حينها ان الارهاب لم يكن وليد اليوم والامس بل منذ تنفيذ حكم الاعدام بالمخلصة البريئة گـورج ِ . لذا كتبت ابياتا ارثي فيها صديقتي گـورج ِ التي غدت ضحية لوفائها لهذا الانسان الجائر ! :
ﯖورج ِ !
لا تلومي مُبتكرَ السيوف ِ والمشانق ِ
تظاهرَ بالإيمان ِ وليس ، قط ،بصادق ِ
قد خالفَ النواميس َ واستعبدَ الكائنات ِ
يقتلُ من أجل ِ القتل ِ ، فهو شر الخلائق ِ
أُنظري ! ما اصابنا ، مـِن ظـُلمِه، مـِن دمار ٍ
ومأساة ٍ من جور ِ هذا الكائن ِ المارق ِ
فهو عبيدُ طيشِه ، يستعبد ُ إخوتـَه
ماذا يُرجى ،يا گـورج ِ ، من قاتل ِ، من سارق ِ؟
دموي ٌ كالقصاب ِ ، وصلـِفٌ كالفاسق ِ
في صدرِه حرباءةٌ ، له لسان ُ العاشقِ ِ
لو كان لي سلطان ٌ من الكائانت ِ والخالق ِ
حكمت ُ بالعـُقمِ ِ على كل ِ أمرُءٍ منِافق ِ
يـُبررُ إجرامـَه في قتل ِ كل بريءٍ
يستثيرُ شهوتـَه ومـِن دون سوابق ِ
كيف راق لك ربي ! أن تخلق َ هذا الوحشّ ؟
إذا قلت َ يعبدني ! ، فهو كالعبد ِ الآبق ِ
ألم تسمع صراخات وشكاوى ضحاياه ؟
أَم هكذا أردتها تـُحكم بالفوارق ؟!
المتواجون الان
765 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع