اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

بهجت والنار .. حكاية من زمن الحصار// لطيف نعمان سياوش

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

بهجت والنار .. حكاية من زمن الحصار

لطيف نعمان سياوش

عنكاوا

 

من وسط (سكرابات) بيته المتهالك حمل استاذ بهجت ابريقه العتيق وهو بعض ما تبقى لديه من خردوات البيت، ولو كان يأتى بثمن لما كان بقي هو الاخر لحد الان .. حمله بيده، وراح يتوسل جارته لتقرضه نفطا ..

طرق الباب بتردد طرقات خجلة تشبه طرقات الاطفال الى حد كبير ..

رفعت حسيبة الستاره التى تلى باب دار كل عائلة متحفضه لاسيما في الاحياء الشعبيه والفقيره، وما ان لمحت بهجت حاملا ابريقه حتى امتعضت، وتغيّرت ملامح وجهها .. توقفت فكيها من لوكة علكتها. قالت وهي تهز طرفها المثير، وقد بان جزء من فخذها: اي قرض هذا؟ .. لابل قل اعطينى ابريقا من النفط  .. هذه هي المرة الرابعة خلال هذا الاسبوع ..

قاطعها زوجها المسيحي الذي اسلم على دينها مذ شاهدها وتعرف عليها قبل سنوات. قال لها موبخا وهو يرمى سيكارته بعيدا: امنحيه يا امرأه، ولا تقفي في طريق الخير ابدأ .. هيا بسرعة .. اخذت حسيبه الابريق من ماموستا(*) بهجت وهي تدردم موجهة كلامها لزوجها: (انت الاخر لن تتخلى عن مسيحيتك المفرطة) ..

سارت نحو صنبور النفط مسرعة .. تعثرت، وسقطت على الارض، وبانت اجزاء اخرى من فخذيها المكتنزين المحمرين ..

اما بهجت الذي راى هذا المنظر الغارق في الاثاره ما عاد يعره اية اهمية، ولا يثير عنده أي حس برغم شبابه ذلك لفرط معاناته وكساده .. لا بل لو تعرت حسيبه امامه تماما بجسدها الناري لمارف له جفن!! انه يعيش عالم اخر يحول دون تفكيره باى شي ىسوى توفير خبز يوم الافواه الجائعة لو استطاع الى ذلك سبيلا  ..

اما زوجها الذي صار يتابع حركاتها وهو يشعل سيكارته الاخرى وينفث دخانها في الفضاء قائلا: استاذ بهجت اي شى تحتاج قل لي .. لفرط امتنان بهجت كاد يقبل يد جاره الطيب.

حمل ابريقه، ثم تامل برهة وسرح بخياله بعيدا، تألم لما آل اليه حاله فهو ما عاد يجد اي حرج من رفض الجيران مثل حسيبه او غيرها طلباته وطلبات زوجته الغزيرة والتى الفتها المحله وملّت منها .. وزوجته ربة بيت لاتملك وسيلة لدعم الاسرة.

منذ عدة سنوات يدرّس الاستاذ بهجت توفيق عبد الله اللغة الكردية في ثانوية نوروز للبنات في عنكاوا. لم يتجاوز ال(45) ربيعا. عرف بدماثة خلقه، وطيبة قلبه .. متزوج وله خمسة اطفال .. وجع الحصار اللعين على هذا الرجل وعائلته كان عميقا وموغلا حد العظم وفاق بقية العوائل للحد الذي لا يستطيع المرء الصمود امامه مهما بلغ من الصبر والتحمل درجة..

لم يكن الاستاذ بهجت يخجل من جوعه او فقره امام زميلاته المدرسات اللائي كن يسعين بين فترة واخرى مد يد العون له ..

كان يقول لهن: (لا اريد الذهاب الى البيت، لان هناك مأساة خمسة افواه جائعة تنتظرنى .. لا نملك في البيت رغيف خبز واحد!! اريد ان ابقى هنا حتى بعد الدوام .. لقد بعت كل ما املك، ولم يبق لى سوى طباخ سكراب، وبعض الكتب) ..

صباح يوم 1997/1/19 قام بتقبيل اطفاله الخمسة بعمق واحدا تلو الاخر، وكانه يسافر الى بلد بعيد، ولن يعود ابدا، وهو يحاول جاهدا اخفاء حزنه العميق، وبداخله مرارة موجعة لانه سيتركهم جوعى .. ولج الحمام حيث كان قد اعد كل شى .بعدها ظل يسكب النفط الذي اخذه من حسيبة على راسه، وثيابه، وجسمه الهزيل ثم اوراقه، وكتبه التى وضعها حوله ..

ثم اشعل النار..

بعد ان سارت النار في جسده وكيانه بعض الوقت في الحمام خرج الى المحلة مسرعا والنار تلتهمه من كل حدب وصوب، وصار يصرخ بهستريا: (ايها الناس .. ايها الناس!!) ..  تجمهر الناس مذعورين صغارا وكبارا، رجالا ونساء. الكل يصيح بصوت عال .. الله اكبر .. الله اكبر .. انسان يحترق!! .. من انت يا هذا؟ صرخ احدهم وهو يحاول جاهدا مع الاخرين اطفاء الشعلة الملتهبة ..

ظل يهذي، ويخرج اصوات غريبة كمن جن جنونه، وفقد عقله: بررررررررررم .. بررررررررررم .. انا ماموستا بهجت.. احرق نفسي احتجاجا على الجوع الذي دمرنى، وعلى الزمن الحقير، واحتجاجا على العام المعدوم من كل انسانية .. احاااا .. احاااااااااااااااااا.. بررررررررررم .. برررررم .. ها انذا اموت جائعا الى الابد الى الابااااااااااد .. برررررم .. و ااااااو .. برررررررررم .. 

سقط على الارض، ولم تمض ثوان حتى انقطع صوته، وتوقف نبضه .. وانتهى كل شئ !!..

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.