اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الثرثره (16) في الحب- حكي أصابع// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

الثرثره (16) في الحب- حكي أصابع

د. سمير محمد أيوب

 

ما أن انتهيتُ من معاينةِ أحد مرضى العناية الحثيثة، في أحد مستشفيات عمان، وكان رجلا قد تجاوز الستين من عمره، في حالة من حالات اللاوعي العميق، من أكثر من أسبوعين، إقْتَرَبتْ مني مرافقته. سيدةٌ أنيقةٌ، نبيلةُ الملامح. أظنها كثيرا تصغره. كانت أصابعها حائرةً وهي تسألني مستفسرة. وكان كلُّ ما فيها حزينا باكيا.

 

قلت بصوت ثابت ناصحا: ليحتَضِنَ كفُّكِ كفَّه. لامِسي بأطراف أصابعك، أطراف أصابعه. أطيلي المُلامسة، حتى تشعري بسلامَكِ الروحي. ويتصل قلبك بقلبه. وتتفاهم بقية أعضاء الجسد، وتُحِسي بأن مَنْ أمامك باتَ جزءً منك.

 

ولمرحلةٍ متقدمةٍ من الإرتياح، بلمساتٍ خفيفةٍ هادئة كنسيمٍ عليل، تلمَّسي جبينَه وإعبثي بِمَشيبه. ولِتَنتعشَ دقَّاتُ قلبه، وتمضي دون توقف، فإنَّها بأمَسِّ الحاجة لسحرِ ما تختزنُ أصابعك من كهرباء، فلا تبخلي يا سيدتي.

 

تركتُها وغادَرْتُ. وفي المساء عدتُ مُتفقدا. لم تبرح مكانَها. بقِيَتْ صامتةً لساعات. لم يُسْمَعُ لها كلاما. دقَّقْتُ فيهما عن بُعد. كانت تُلامسه بأطراف أصابعها. وتُتَمْتِمُ بما يُشبه الرد على سؤال. أنْصَتُّ مَليا. كانت تَحكي له، مُستغرقةً تروي ما لم أتبيَّنه. إقتربتُ. ربَّتُ على كتِفها، وسألتُها مُبتَسما.

 

فقالت بعيون تومضُ فَرَحا: لم أبرح مكانيَ هذا، منذ تركتني. بقيتُ مع زوجي جامدةً هنا صامتة. توقف فيها كلُّ شيء، سوى دقاتُ قلبي، وتمتماتُ أصابعي، وبَرقُ عينيَّ. وعَدَتْة أصابعي، بِنبعٍ من قهوتِنا التي نُحِبُّ، وكمشةِ فيروزيّاتٍ مِمَّا نعشق. فتنهَّدَ يا دكتور. تنهد وتململ. وأظنه إبتسم. ألِهذا الحَدِّ سِحرُ الأصابع؟!

 

قلت مشجعا، وفي يحتضن فرحها: ليس لأطرافِ الأصابع مدى يا سيدتي. عند حوافَّها يتوقفُ كلُّ جميلٍ في الحواس، وفي دهاليز اللاوعي. للأصابع فيضُ إشراق فصيحٍ غيرَ منطوق. لا تُسْمَعُ له حروف. تَسْمَعُه القلوبُ السليمة، إن لم تكن صماء بكماء أو عمياء، ولا متصحرةً مَسَّها يَباس.

 

وتابَعْتُ قائلا: لا يمكن لأطراف الأصابع أن تكذب، وإن كذَبَتِ الألسن أو العيون أو تعابير الوجه. أطراف الأصابع لا تكذبُ أبداً أبدا!

 

تلامُسُ الأصابعِ، ليس ثقافة أو مِيزَة حصرية لأحدٍ على أحد. بل هي في كل المواسم، ولكل الأسباب، حاجةٌ وضرورة. أول نسائم الرحمة، ومبتدى إشراقات الفرح. تُطِلُّ من اللاشعور. بأصابعك، تحكين روايات. وتقولين قصائد. مع أصابعك تَسكتُ كلُّ فنون الأدب إلا العيون. وهنا أقصد عيونَ القلب، فهي لا تحتاج في العادة إلى براهين. فالأصابعُ تفهمُ كلَّ ما لا يُقال.

 

طوبى لمن يملكون أصابع ثرثارة ، يا سيدتي .

 

الأردن – 23/10/2018

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.