اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• مسلسل "الحسن و الحسين" هل هو آخر ما سيختلف عليه المسلمون ؟

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د.هاشم عبود الموسوي

مقالات اخرى للكاتب

مسلسل "الحسن و الحسين"

هل هو آخر ما سيختلف عليه المسلمون ؟

 

تابعت فى أماسىرمضان المبارك ، ومن على شاشة الفضائية المغربية حلقات المسلسل الذى اثار جدلا طويلا (هذه المرة ليس بين الفنانين ومنتجى الافلام والمسلسلات ) وانما بين الفقهاء والمثقفين وحتى السياسين ... هذا المسلسل  (الحسن و الحسين) وصل فى هذه الايام الى حلقاته الاخيرة ،والى النقطة الحرجة ،التى تبلورت فيها الخلافات على الخلافة بين فرق المسلمين وعاشت التنافرات والاجتهادات المتبادلة باسقاط الطرف الثانى بكل السبل والى يومنا هذا ... وقد اختلطت المقاصد بالاهداف .. لاادرى من هو الممول لهذا المسلسل ،ولماذا تم اختيار عرضه فى شهر رمضان ، لابد لذلك من حكمة لدى من اختيار ذلك ...ولكنى بعد هذه المقدمة ، سأحاول أن أقدم عرضا تاريخيا موجزا يبين ان الخلافات كانت موجودة منذ الايام الاولى للهجرة النبوية من مكة الى المدينة .. واستمرت وتفاقمت بعد وفاة الرسول (ص) واجزم بأن كل ممثلى هذه الاطراف المتنازعة هم من المسلمين والمؤمنين, والكل يعرف بأن الشبهات والحملات الاعلامية والثقافية ضد الاسلام وأهله ، لم تتوقف وذلك منذ فجر الدعوة الاسلامية وأهله وحتى يومنا هذا ا وحتى  بعد صدور كتاب "الصراع بين الحضارات" لكاتبه  " هنتغتون" وما بعده.

وان كانت هذه المزاعم المغرضة تأتى من غير المسلمين ،فهذا امر طبيعى، لكنها أصبحت اليوم تأتى من المسلمين وغيرهم على حد السواء لاسيما فى هذا العصر الذى اصبحت السيادة فيه لحرية الرأى والتفكير والنشر والصحافة والاعلام وأحدث ماتوصل اليه العلم فى وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

ولكني اود الآن آن أعود الى السياق التاريخى لمنشأ هذه الخلافات والاسباب الموضوعية التى أنشأتها، متسائلا هل كان ممكن الا تكون ؟

هذه محاولة شفافة لاستبيان بعض جوانب (قد تكون مهمة في حياتنا المعاصرة) لروافد الخلافات ومرجعيتها ، وهي محفوفة بكثير من المخاطر الذاتية والموضوعية،... لأني يجب أن أتعامل مع هذا التراث الديني والاجتماعي بطريقة توفر قدراً من الموضوعية، تاركاً قدراً من المسافة بين الحقيقة من جهة والعواطف والرغبات من جهةٍ أخرى.

وسأحاول اتّبَاع المنهج الفلسفي الديكارتي في بحثي ودراستي لهذا الموضوع، محاولاً التجرد عن ميولي الشخصية. وعليّ (بما في ذلك من صعوبة) أن أُطهّر وعيي من أي عقيدة سابقة ، محاولاً الشك في كل المعارف التي تكدست في وعيي كإنسان ، خلال تأريخ حياتي التي تجاوزت التسع وستين سنة.. ومن أجل أن أكون واضحاً أكثر في توجهاتي. فأقول: بأن المذهب الفلسفي لديكارت يعتمد على المقولة الفلسفية الآتية: "أنا أفكّر.. إذن أنا موجود". هل يُمكن لي حقاً أن أتجاوز ما تراكم من مكونات الوعي الواقعي التأريخي الموضوعي الذي تكوّن لديّ؟ وبإرادة ذاتية.

أتمنى أن يصب هذا الجهد في إزالة جزء ممّا ترسب من القناعات والخرافات التي علقت بفهم الناس للدين الإسلامي ، والتركيز على أن العلم ركنٌ أساسي من الإسلام، وبذلك يعود العرب والمسلمون إلى المشاركة في التقدم العلمي والتكنولوجي معتمدين على تطوير الفكر الذي توقف منذ حوالي ثمانية قرون، علماً بأن هناك 750 آية قرآنية تحض على العلم واستعمال العقل في كل شؤون الحياة .. والتي تدعو إلى أن "أصول الدين، يجب أن نعرفها بالدليل والعلم واليقين لا بالتقليد والظن والتخمين.

إن أول الأحاديث النبوية الشريفة التي سمعناها ونحن صغار هو "بُني الإسلام على خمسٍ ..."، والآن أنا أفهم هذا الحديث فهماً آخر غير الفهم الذي يشرحه معظم من يُسمّون برجال الدين، أو علماء الدين، أو أئمة المساجد. فإذا تصورت الإسلام كبناء يرتكز على أعمدة. فالأعمدة هي ما ذُكر في هذا الحديث الشريف،كبناء يرتكز على أعمدة. فالأعمدة هي ما ذُكر في هذا الحديث الشريف، ولكن الإسلام ليس هو الأعمدة التي يرتكز عليها البناء فقط، كما يتصور كثيرٌ من الناس نتيجة جهلهم بدينهم. فعندما أُحاول أن أتدبر القرآن الكريم بفهمٍ وتأمل أستطيع أن أستخرج ثلاثة أركان رئيسة هي: الأخلاق، والعلم، والعمل. بعد أن أرى العدد الكبير من الآيات ترتكز على هذه الأركان. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى باستعمال العقل الذي هو نعمة الله الكبرى على بني البشر، والذي يُميّزهم عن سائر مخلوقاته، فاستعماله هو بمنزلة شكرٍ على هذه النعمة. وإذا طلب مني أحدٌ أن أذكر الركن الرئيس للإسلام، لذكرت العلم، لأن العلم بكتاب الله العزيز وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم يتضمن الركنين الأخيرين، الأخلاق والعمل.

وإني أرى وبشكلٍ واضح وصريح، بأن إغلاق باب الاجتهاد، والحجر على حرية الفكر كان هو السبب الحقيقي وراء انحطاط أوضاع المسلمين في وقتنا الراهن ..

------------------------------------------------------------------

إن حادث وفاة الرسول (ص) عام 632م، بعد اثنين وعشرين عاماً من بدء الدعوة الإسلامية. أوقع في نفوس المسلمين وضعين مختلفين من البلبلة والاضطراب، تناولا أبعاداً اجتماعية وسياسية ودينية من معنى الإسلام:

ففريقٌ من المسلمين لم يُصدّق أن النبي (ص قد مات، لأنه كان يفهم نبوة النبي خارج حالاته البشرية. لذا قام في وهمه هذا قائلاً: إنّه لا يمكن أن يموت، لكن أبا بكر الصدّيق (رضي الله عنه) وضع الحد الحاسم للبلبلة الناشئة عن هذا الوهم، إذ ردّ الصورة البشرية للنبي (ص) إلى عقول القوم، مستعيناً بالآيات القرآنية التي تنص على بشرية محمد (ص).

وفريقٌ آخر من المسلمين فوجئ بغياب النبي (ص) من موقعه القيادي من مجتمع الدعوة الإسلامية غياباً أبدياً، دون أن يعرف مصير هذا الموقع بعد موت النبي (ص).

وكان لابد لنا أن نتابع رؤية الصراع وأشكاله حول هذا الموقع القيادي، فقد ظهر فور إعلان موت النبي (ص) أن ما كان مكبوتاً من الصراعات القديمة بين مكة والمدينة ، ثم بين المهاجرين والأنصار، ثم بين المهاجرين أنفسهم من هاشميين وغير هاشميين، ثم بين الأوس والخزرج من الأنصار، قد انفجر فجأة والنبي (ص) لا يزال جثمانه في منزل زوجه عائشة لم يُدفن بعد.

دوافع السلطة هي التي تنبهت وتحفزّت حينذاك لدى كل هؤلاء الفرقاء، وانكشفت هذه الدوافع علانيةً في اجتماعهم الذي عقدوه فوراً في سقيفة بني ساعدة، لتقرير أمر الخلافة. وإذا كان أحد زعماء الأنصار أبو عبيدة بن الجراح قد أنهى الموقف بمبايعة أبي بكر – رضي الله عنه – أول خليفة للنبي، فإن الأمر لم يُحسم تاريخياً ولا دينياً. إذ نشأت منذ ذلك الحين أولى بذور الحزبية السياسية المذهبية الإسلامية التي بقيت تنمو مع الأيام والأحداث، حتى أثمرت أولى ثمراتها قبل أن ينتهي عهد الخلفاء الراشدين.

قلنا: "الحزبية السياسية المذهبية"، لأن الصراع السياسي على الخلافة سرعان ما أُضفىَ عليه ثوباً من النزاع الديني في مفهوم الخلافة: ففريقٌ جعله منصباً إلهياً يأتي النص به على شخص الخليفة بوحيٍ من الله على لسان النبي

(ص) ، وهؤلاء هم أنصار علي بن أبي طالب – عليه السلام. وفريقٌ جعله منصباً يختار المسلمون صاحبه الذي يرونه أهلاً له، وهذا الفريق أراد أن يُطبّق في اختيار الخليفة ما سُميَ بمبدأ "الشورى"، أي الانتخاب بالمشاورة بين المسلمين، ولكن الذي حدث في "انتخاب" الخلفاء الراشدين الأربعة، أنه لم يكن فيه من مبدأ "الشورى" هذا سوى صورة شكلية ضيقة انحصرت حيناً بإرادة شخص، كما فعل أبو بكر – رضي الله عنه- حين اختار عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- خليفةً بعده، وانحصرت حيناً آخر في أشخاص معدودين لا يتجاوز أكثرهم الأربعة ، كما حدث عند تنصيب الخليفة الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه. وبذلك ظهر لنا أن مبدأ "الشورى" لم يتخذ وضعاً تشريعياً ولا تطبيقياً في الإسلام، حتى في أكثر عهود الخلافة الإسلامية "ديمقراطيةً"، وهو عهد الخلفاء الراشدين.

وقد توسّعت ردود الفعل التي حدثت بعد موت النبي (ص)، حيث إنَّ كثيراً من سكان المناطق البعيدة عن مكة والمدينة ، كمنطقة اليمامة واليمن وحضرموت وعمان وغيرها، أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام، فوجّه الخليفة الجديد أبو بكر – رضي الله عنه- حملةً عسكرية لقتال المرتدين في حروب سُمّيت في التاريخ الإسلامي بـ"حروب الردة". ومن أسباب هذا الارتداد المفاجئ كون بعض القبائل لم تخضع لسلطة الإسلام بتأثير رؤسائها، الذين لم يجدوا من مصلحتهم الاستجابة لما يدعو إليه الإسلام من تحطيم إطار الوحدة القبلية. وبعض القبائل كانت تُظهر الخضوع مداراةً للمركز القوي الذي بلغه الإسلام بعد فتح مكة. أما المناطق الزراعية المستقرة فقد كان لديها من الأوضاع الإنتاجية ما دفعها للمحافظة على تقاليدها وأوضاعها تلك، دون الاضطرار إلى تغيير أوضاعها، مضافاً إلى وجود أدعياء "النبوة" في هذه المناطق من أبنائها، وكان هؤلاء الأدعياء يُعارضون الخضوع لدعوة محمد (ص) وتعاليمه، ومنهم "مُسيلمة" في بني حنيفة في اليمامة، والمرأة "سجاح" في بني تغلب، فلما مات النبي محمد (ص) وجد كل هؤلاء الفرصة المناسبة للانقضاض على سلطة الإسلام، ولكن الحملة التي سيّرها الخلفاء نجحت في إخضاع المرتدين واستتباب الأمن لسلطة الخلافة.

وبعد ذلك جاءت الفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة العربية، وقد رأينا حركة الفتح العربي تبدأ بعد سنة فقط من موت النبي (ص)، ورأينا وجهتها الأولى نحو سورية وفلسطين، حيث كانت الدولة البيزنطية مُسيطرة. إذ استمرت حركة الفتح هذه أكثر من سبعين عاماً، حتى شملت دولة العرب مساحات شاسعة من ثلاث قارات.

لقد بدا لنا في الوقائع التاريخية، أن دوافع هذه الحركة كانت اجتماعية أكثر منها دينية. ومن هنا فإننا نعارض فكرة بعض المستشرقين القائلة: بأن التعصب الديني هو الذي كان وراء حركة الفتح العربي.

وقد استنتجنا من ظروف حروب الفتح، ومن الانتصارات التي أحرزتها الجيوش العربية، أن للظروف الموضوعية في البلدان المفتوحة وللظروف الذاتية لدى الفاتحين تأثيرٌ فعالٌ في تحقيق هذه الانتصارات. وكان استنتاجنا أن من الظروف الموضوعية ضعف دولتي بيزنطة وفارس حينذاك بعد الحروب الطويلة بينهما، وإثقال السكان في سورية وفلسطين ومصر والعراق بالضرائب الباهظة، والاضطهاد الديني من جانب الكنيسة البيزنطية في سورية، وأن من الظروف العربية الذاتية، كَوْنَ العرب الفاتحين لم يحكموا أول الأمر شعوب البلدان المفتوحة بأسلوب الحكم الإقطاعي الذي كان يتّبعه الحاكمون السابقون، لعدم ممارستهم هذا النوع من أسلوب الحكم قبل الفتح، وكونهم – أي الفاتحين العرب – اتبعوا سياسة التسامح الديني، ولم ينهبوا المدن المفتوحة وإنما صادروا ممتلكات الأغنياء والنبلاء، ولم يأخذوا الأرض من أهلها إلا في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان – رضي الله عنه. وقد وجدنا في سياسة الفاتحين العرب، مجالاً لبعض الاستنتاجات الأخرى، منها: أن التسامح الديني الذي اتبعوه كانت له قاعدة مادية، وهي محاولة التقليل من عدد المسيحيين الذين يدخلون في الإسلام، كي لا تقل موارد ضريبة "الجزية" التي فُرضت على غير المسلمين. ومن هذه الاستنتاجات حسن المعاملة لرجال الدين المسيحيين المحليين، جزاء موقفهم المعارض لرجال الكنيسة البيزنطية، لأنه كان يتضمن موقفاً سياسياً معارضاً لسلطة الدولة الأجنبية المحتلة (بيزنطة). كما استنتجنا من سياسة الفاتحين العرب أنهم لم يُغيّروا نظام تقسيم العمل بين السكان الأصليين.

وقد لاحظنا أن عملية التفاعل الثقافي والاجتماعي بين العرب وشعوب البلدان المفتوحة لم تظهر آثارها في عهد الخلفاء الراشدين، كما ظهرت بعد ذلك. كان استنتاجنا أن سبب تأخر عملية التفاعل هذه يرجع أولاً إلى انفصال حياة الفاتحين في عهدهم الأول عن حياة السكان الأصليين، وانشغالهم بمسائل الحماية العسكرية، وتنظيم جيوشهم وعدم مشاركتهم في عملية الإنتاج المادي. وبذلك فإننا نعارض قول بعض الباحثين المعاصرين، بأن العرب رفضوا ثقافات تلك الشعوب. فالمسألة لم تكن مسألة رفض، بل مسألة هذه الظروف التي عاش فيها الفاتحون، بحيث تأخرت عملية التفاعل بعض الوقت، ثم جرت العملية بانطلاق عظيم بعد ذلك.

وسجّلنا كذلك أن ظروف الفتح قد خلقت مجالاً لانتعاش حركة فكرية في باب التشريع الإسلامي، هي حركة "الاجتهاد بالرأي" التي كان لها أثرها الإيجابي في تطوير هذا التشريع، وأن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- قد مارس هذا النوع من الاجتهاد الشخصي بجرأة وبعد نظر. واستنتجنا هنا أن ظاهرة الاجتهاد هذه تُشير إلى تحرك الفكر العربي في هذا الاتجاه، لينتقل بعد عهد الخلفاء الراشدين إلى مناخ فكري آخر أقرب إلى النظر العقلي، وهو مناخ التفكير في العقائد الإيمانية ذاتها، كما سنرى.

وإذا كنّا قد وضعنا بعض الاستنتاجات المتعلقة بظروف الفتح العربي وسياسة العرب في البلدان المفتوحة، كما تقدم، فإن هذه الاستنتاجات تنحصر في الظروف الأولى لعهد الفتح. أما بعد ذلك فقد رأينا تغيرات أساسية تحدث في العلاقة بين العرب والسكان الأصليين. ولكن الذي يلفت النظر في عهد الخلفاء الراشدين من هذه التغيرات ما ظهر في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه- من نشوء "طبقة" أرستقراطية شبه إقطاعية من الحكام الأمويين، الذين عيّنهم الخليفة من أقربائه. وقد رأينا أن هؤلاء الحكام الأمويين باتّباعِهم سياسة الإثراء الشخصي، وامتلاك الأراضي، وإرهاق السكان بالضرائب، أوجدوا الأسباب التي أحدثت انتفاضة اجتماعية في الأمصار المفتوحة، والتي أدت إلى مقتل الخليفة نفسه، كما أدّت إلى صراع حزبي جديد بلغ حد العنف المسلح بين الخليفة الرابع علي بن أبي طالب – عليه السلام- ومعاوية بن أبي سفيان حاكم سورية، مُمثّلاً حزب الأمويين، ونشوء حزب جديد خرج من صفوف علي بن أبي طالب – عليه السلام- في حرب صفين هو حزب "الخوارج"، وسيكون لهذا الصراع الحزبي بشكله الجديد وبعناصره الجديدة، آثاراً بارزةً ومهمةً في نشوء حركة فكرية "وأيدولوجية"، شاهدنا أنها ولدت في أحضانها بذور التفكير الفلسفي العربي – الإسلامي

 تطوّر الأحداث:

كما قلنا: ما أن أُعلن عن وفاة الرسول (ص)، حتى تنبّهت لدى كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، نوازع الصراع على السلطة. فقد تنبهت هذه النوازع فوراً، قبل أن يُشيّع جثمان النبي (ص) إلى مرقده الأخير في المدينة. وعلى الفور كذلك، قسّمت هذه النوازع صحابة النبي (ص) فريقين: فريق المهاجرين (أي المكيين)، وفريق الأنصار (أي أهل المدينة)، وصار كل فريق يُريد أن تكون له سلطة الخلافة بعد النبي (ص)، أي أن تكون له القيادة الفعلية لهذه السلطة.

بهذا الانقسام ظهرت فجأة إلى السطح رواسب الصراع القديم بين مكة والمدينة، الذي لم يكن قد مضى على اختفائه تحت قشرة الخضوع لسلطة التنظيم الإسلامي الواحد سوى أعوام معدودة . وظهرت إلى السطح – من جهةٍ ثانية- المشاعر الطبقية الجنينية التي كان يتحسس بها الأنصار - من قبل - حيال المهاجرين، دون أن تظهر صراحةً في عهد النبي (ص). ذلك أنه في أوائل الهجرة نظّمت في "المدينة" مؤسسة إسلامية أشبه "بالمشاعية" قامت على أساس كونها منظمة فوق القبلية، وكون الإسلام – كدين- هو إطار هذه الوحدة الجامعة. وبذلك اختلفت مبدئياً عن نظام المشاعيات البدائية التي كانت العصبية القبلية أساس وحدتها. غير أن المؤسسة الإسلامية هذه التي نشأت في "المدينة" عقب الهجرة، ظهر فيها تمايز ملحوظ بين المهاجرين والأنصار. فقد كان المهاجرون هم الفئة الأولى البارزة فيها، سواءٌ من حيث اختصاصهم بالقسم الأكبر من غنائم الحرب، أم من حيث رجوع قيادة المؤسسة إلى زعمائهم، لا سيما أنَّ أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما- اللذين كان يبدو أنهما يؤديان الدور الأول في قيادة شؤون المؤسسة. من هنا نشأ داخل نفوس زعماء الأنصار، وهم أهل البلد الأصليون، نوعٌ من الشعور بالخيبة، فيما كانوا يرجون من دعوتهم محمداً

(ص) وصحابته المكيين للهجرة إلى بلدهم، ونصرة الدعوة الإسلامية. وقد حملوا هذا الشعور وكبتوه مدة حياة محمد (ص) في "المدينة"، ثم ما أن نادى المنادي بأن محمداً (ص) قد مات، حتى سارع هذا الشعور المكبوت للظهور إلى السطح.

إضافةً إلى ذلك، حدث انقسام آخر بين المهاجرين أنفسهم في الوقت ذاته. فقد تنبّهت كذلك رواسب الفوارق القديمة في الجاهلية، بين بني هاشم الذين ينتمي إليهم النبي (ص)، وصهره وابن عمه علي بن أبي طالب – عليه السلام- من جانب، وبني عبد شمس وتيم وأمية وغيرهم، الذين ينتمي إليهم سائر المهاجرين ومنهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما- من جانبٍ آخر. إذ كان الغالب من بني هاشم، يمثل الفرع الفقير بين الفروع الأخرى العليا في قريش بمكة في الجاهلية. فكان طبيعياً أن يفكروا الآن، وقد فقدوا بموت النبي (ص) مكانتهم التي كان هو – أي النبي (ص)- تعبيرها وتجسيدها الأعظم، بل هو الذي خلق معناها الأسمى، بأن يستبقوا هذه المكانة لهم عن طريق علي بن أبي طالب – عليه السلام- صهر محمد (ص) وابن عمه، والذي ناضل دونه في حروبه ضد زعماء مكة بعد الهجرة، وبات في فراشه ليلة خروجه – أي خروج محمد (ص)- من مكة مهاجراً إلى المدينة، لكي يتلقى عنه المكيدة التي كان القرشيّون قد دبّروها تلك الليلة، ليقتلوا محمداً (ص) في فراشه قبل خروجه من مكة.

أسباب الصراع:

من كل هذه العوامل انفجر الصراع فجأة، منذ اللحظة الأولى لموت النبي

(ص)، والملحوظ هنا أن القوم لم يستطيعوا إخفاء الدوافع الحقيقية، السياسية والاجتماعية، لهذا الصراع تحت ستار من المظاهر الدينية. ويبدو ذلك واضحاً من الصورة التاريخية الصريحة التي يرويها المؤرخون الإسلاميون أنفسهم على النحو الآتي الذي ننقله بإيجاز:

في حين كان علي بن أبي طالب – عليه السلام- والعباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه- عم النبي، وأسامة بن زيد أحد الصحابة، مشغولين في غسل جثمان النبي (ص) وتكفينه، ثم حمله إلى مدفنه قرب غرفته التي مات فيها ببيت زوجه عائشة – رضي الله عنها، كان مُنادي الأنصار يُنادي في المهاجرين قائلاً: "اجعلوا لنا في رسول الله (ص) نصيباً في وفاته، كما كان لنا في حياته". فبدا –أول الأمر- أن ذلك لا يعني أكثر من أنهم يريدون المشاركة في عملية الدفن لينالوا شرف هذه المشاركة. ولذلك بادر علي بن أبي طالب – عليه السلام- بدعوة أحد الأنصار، وهو أوس بن خولي أن يُشارك في النزول معهم إلى القبر لدفن النبي

(ص) وتوديعه الوداع الأخير. ولكن سرعان ما انكشف المعنى الذي يقصدونه بكلمة "النصيب" التي أطلقها مناديهم. فقد ظهر أنه بينما علي بن أبي طالب – عليه السلام- يدعو صاحبهم أوس، إذ بزعماء الأنصار هؤلاء يعقدون اجتماعاً في "سقيفة بني ساعدة"، ثم يُعلنون إمارة المسلمين – أي الخلافة- بعد محمد (ص) لزعيم الخزرج الأنصاري: سعد بن عبادة. فبلغ الأمر أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما- وبعض المهاجرين، فجاءوا مسرعين إلى حيث يجتمع الأنصار، وأبعدوا الناس عن سعد بن عبادة الذي أعلنه الأنصار أميراً، وشقّ أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- إلى صدر الاجتماع وخطب في المجتمعين قائلاً: "يا معشر الأنصار! منّا رسول الله، فنحن أحق بمقامه". فأجاب الأنصار: "منّا أميرٌ ومنكم أمير". فقال أبو بكر: "منّا الأمراء، وأنتم الوزراء". واحتدم الجدال بين الفريقين: المهاجرين والأنصار، حتى كادت الفتنة تشتعل بينهم، لولا أن أنقذ الموقف واحدٌ من زعماء الأنصار: أبو عبيده بن الجراح. إذ تقدّدم إلى أبي بكر الصديق – رضي الله عنه- وبايعه بالخلافة، فانقاد الأنصار لرأي أبي عبيدة الحاسم، وأصبح أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- أول خليفة من الخلفاء الأربعة للنبي بعد وفاته، وهم الذين أطلق عليهم المسلمون لقب "الخلفاء الراشدون". أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- من بني تيم، ثم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- من بني عدي، ثم عثمان بن عفان – رضي الله عنه- من بني أمية، ثم علي بن أبي طالب – عليه السلام – من بني هاشم، وكلّهم من المهاجرين.

غير أن الصراع لم يُحسم فعلاً بذلك، فقد كان بنو هاشم – وهم آل محمد

(ص)- غائبين عمّا حدث في "سقيفة بني ساعدة"، فلما علموا بالأمر ثار بهم الغضب، وقدم بعضهم إلى حيث حدث الأمر، ووقف أحدهم، عتبة بن أبي لهب، يُنشد شعراً يمدح به علياً بن أبي طالب – عليه السلام –، وكأنه يُرشّحه للخلافة دون غيره، داعياً إلى كونه – أي علي- هو صاحب الحق وحده بالخلافة.

ويقول اليعقوبي (284هـ- 897م): إنَّ علياً بن أبي طالب – عليه السلام – بعث إلى عتبة هذا ينهاه عن دعوته التي أعلنها. ولكنه –أي علي- تخلّف عن مبايعة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه-، ومعه جماعة من بني هاشم وبني أمية. ويبدو أن فريقاً من الغاضبين ذهب إلى علي بن أبي طالب يريدون مبايعته بالخلافة، فطلب منهم أن يرجعوا إليه في الغد، وقد حلقوا رؤوسهم، فلما كان الغد لم يحضر منهم سوى ثلاثة نفر.

صحيح أن عليا بن أبي طالب – عليه السلام – تعاون مع الخليفة الأول أبي بكر الصديق – رضي الله عنه، وتعاون مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب– رضي الله عنه. وصحيحٌ قبل هذا أن الأنصار انقادوا لكبيرهم أبي عبيدة، لكن الصراع بقي كامناً أول الأمر، ثم ظهر واحتدم احتداماً دموياً حيناً، وفكرياً وأيديولوجياً حيناً آخر. لأن الدوافع القائمة وراءه بقيت دون حسم، ولأن المحتوى الاجتماعي – السياسي لهذا الصراع هو هو لم يتغير، غير أنه كان صراعاً إيجابياً تاريخياً، فهو – من جهةٍ أولى- كان ضرورة يقتضيها قانون حركة التطور الاجتماعي، ومن جهةٍ ثانية- كان مصدراً خصباً لنشوء حركات فكرية أصبحت فيما بعد من مكونات حركة تطور الفكر العربي – الإسلامي، ولا سيما الفكر الفلسفي منه.

الشكل الديني للصراع

وبالرغم من أن الصراع كان مسوقاً بدوافع اجتماعية – سياسية غير خفية، لكنه اتخذ شكله الديني، لأن هذا هو الشكل التاريخي له موضوعياً في ذلك العصر. ومن هنا تحوّل ظاهر الصراع من كونه صراعاً بين المهاجرين والأنصار على السلطة، إلى كونه صراعاً بين الهاشميين وسائر الفرقاء، على مَنْ هو صاحب الحق الديني في الخلافة.

إن مسألة "الحق الديني" هذه كان لها دورٌ في نشوء محور آخر للنزاع، يرتبط بتحديد المفهوم الإسلامي للخلافة: هل هي حقٌ إلهي، وهل منصب الخليفة منصب إلهي محض، كشأن مفهوم النبوة والنبي عند المسلمين؟

ومعنى ذلك أنه واجب على الله أن يختار شخص الخليفة، كما يختار شخص النبي، لمؤهلات خاصة به، تؤهله لمتابعة أداء الرسالة النبوية، وأهمها أن يكون الخليفة أفضل الناس وأعلمهم. وبهذا المعنى يكون الخليفة إماماً للمسلمين، ويكون اختياره بواسطة الوحي المنزل على النبي، ويُصبح واجباً على النبي (ص) تبليغ المسلمين هذا الاختيار بنصٍ صريحٍ واضح، ويُصبح واجباً على المسلمين، بعد النبي( ص) الخضوع لهذا الاختيار والاعتقاد به كجزء من الإيمان، أو كأصل من أصول العقيدة كشأن الاعتقاد بالنبوة والنبي، بحيث لا يكون الفرق بين النبي والإمام إلا بالوحي، أي يكون الوحي خاصاً بالنبي دون الإمام؟. أم أن الخلافة منصب رئاسي لا يأتي اختياره من عند الله، بل هو حقٌ من حقوق المسلمين أنفسهم، فهم الذين يقررون طريقة اختيار الخليفة، وهم الذين يقررون الصفات التي يرون ضرورة توفرها فيمن يتولى أمر هذا المنصب فيهم؟.

هذا الشكل الجديد من النزاع في أمر الخلافة تفرّع عنه لدى القائلين برفض كون الخلافة منصباً إلهياً، نزاعٌ آخر: هل واجب أن يكون الخليفة من بني هاشم في قريش، أم واجب أن يكون من قريش بوجهٍ عام، أم يصح أن يكون من غير قريش في العرب، أم يصح أن يكون من العرب وغير العرب من المسلمين حتى لو كان "عبداً حبشياً" كما قال الخوارج بعد ذلك؟.

أما القول بأن الخلافة حقٌ إلهي، فهو القول الذي أخذ به أنصار علي بن أبي طالب – عليه السلام، وصار بعد ذلك أصلاً من أصول العقيدة والإيمان عند الشيعة. وقد اقتضاهم ذلك أن يُثبتوا النص الإلهي الموحى به على النبي باختيار علي إماماً للمسلمين، وأن يُثبتوا التبليغ النبوي لهذا النص. وهم يذكرون لإثبات ذلك نصوصاً عدة، ولكن النص الأكثر اعتماداً لهم والأقوى سنداً تاريخياً وإسلامياً، هو ما يُسمى بـ"حديث الغدير". وقصة هذا الحديث، كما ترويها المصادر الإسلامية كافة. أي مصادر الشيعة والسنيّة على السواء- هي: أن النبي حين خرج من مكة عائداً إلى المدينة بعد الحج الأخير، ويسمى "حجة الوداع"، أوحي إليه في الطريق: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (سورة المائدة – الآية 67). فأمر النبي أصحابه فاجتمعوا في مكانٍ عند غدير يُسمى "غدير خم"، ثم دعا إليه علياً بن أبي طالب – عليه السلام- فوقف إلى يمينه، ثم خطب – أي النبي (ص)- فقال: "لقد دُعيتُ إلى ربّي (يقصد أن موته قريب) وإنّي مُجيب، وإني مغادركم من هذه الدنيا، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي، أهل بيتي". ثم أخذ بيد علي ورفعها بحيث يراها الجميع، وقال: "يا أيها الناس! ألستُ أولى منكم بأنفسكم!" قالوا: بلى، فقال: "من كُنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصرْ من نصره، واخذلْ من خذله، وأدرِ الحق حيثما دار".

فلما انتهى النبي (ص) من خطابه، قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- مهنئاً علياً – عليه السلام: بخٍ، بخٍ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة". ثم عاد النبي (ص) إلى خيمته ونصب خيمةً أخرى بجانبها لعلي، ثم أمر المسلمين أن يُبايعوه بالإمامة، ويُسلّموا عليه بإمرة المؤمنين رجالاً ونساءً.

هذا الحديث تتّفق على صحته تاريخياً كما قلنا مختلف المذاهب الإسلامية، ولكن يختلفون في دلالته. ومركز الاختلاف كلمة "المولى" أو "الموالاة" الواردة في الحديث. فالشيعة تقول: إنَّ الكلمة أطلقها النبي (ص) على نفسه أولاً حين قال: "من كنتُ مولاه" وهي تعني هنا: من كُنتُ ولي أمره دينياً، ثم أطلقها على عليّ ثانياً حين قال مباشرةً: ".. فهذا عليّ مولاه". فهي إذن تعني بالنسبة لعلي ما تعنيه بالنسبة للنبي، أي أن علياً في الحديث قد نصّبه النبي ولياً لأمر المسلمين، كما كان هو، أي إماماً لهم، إذ لا يجوز في الإسلام أن يكون نبياً مثله، لأن محمداً (ص) خاتم الأنبياء ولا نبي بعده.

غير أن الفرقاء الآخرين من المسلمين، قالوا أن كلمة "المولى" أو "الموالاة"، وكل ما ورد في الحديث من أفعال ومشتقات للكلمة، إنما تدل على المودة والمحبة فقط، وليست تعني النص على الإمامة.

هذا الجانب من النزاع في شكله الديني على مسألة الخلافة، وفي هذا الجانب نفسه قال بعض المسلمين أن النبي (ص) نصّ نصاً خفياً على خلافة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه- لا على خلافة علي بن أبي طالب – عليه السلام. وذلك ما يذكرونه من أن النبي (ص) أمر الصحابة، أثناء مرضه الأخير، أن يُصلّوا جماعة، وأن يكون أبو بكر إمامهم في صلاتهم هذه. فقالوا: إنَّ الإمامة في الصلاة هي الإمامة الصغرى، وأن ذلك يوحي بإسناد النبي (ص) الإمامة الكبرى إلى أبي بكر، وهي الإمامة العامة في سائر شؤون الإسلام والمسلمين. وقد استند عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- إلى هذه الحجة في طلب البيعة لأبي بكر يوم السقيفة. ويذكرون سنداً آخر لخلافة أبي بكر عن النبي (ص)، وهو حديث رُوي عن محمد بن عمر بإسناده إلى محمد بن عمرو الأنصاري، أنه سمع عاصماً بن عمر بن قتادة يقول: إنَّ النبي ابتاع بعيراً من رجلٍ إلى أجل. فقال: يا رسول الله إن جئت فلم أجدك؟. يعني بعد الموت. قال: فأت أبا بكر... إلى آخر الحديث، ويذكرون إلى ذلك أحاديث من هذا القبيل مُفصّلة في كتب الحديث والسيرة.

والجانب الآخر من النزاع على منصب الخلافة، هو الجانب الذي يدور على كون هذا المنصب غير إلهي، بل حقاً للمسلمين أنفسهم يختارون له من يرونه الأصلح لأمورهم. في هذا الجانب نشأت مشكلة قبلية، ولعلها طبقية بوجهٍ من الوجوه. فقد رأينا – من قبل- كيف تمسّك كلٌ من المهاجرين والأنصار بحقهم في منصب الخليفة. وهنا يبدو للمشكلة وجهٌ هو أقرب أن يكون طبقياً لما سبقت الإشارة إليه، من أن الأنصار كانوا يتحسسون مشاعر شبه طبقية تجاه المهاجرين، بسبب من التمايز الملحوظ بينهم وبين المهاجرين، الذين كان ظاهراً أنهم هم "الفئة الأولى" البارزة فيما سميناه "المشاعية الإسلامية" في "المدينة". وقد رأينا، إلى جانب ذلك من يدخل طرفاً آخر في التنافس على منصب القيادة العليا للسلطة الإسلامية. إذ رأينا مثلاً، حين انتهى أمر الخلافة إلى أبي بكر، في مؤتمر سقيفة بني ساعدة، أن أبا سفيان بن حرب (وهو أبو معاوية مؤسس الدولة الأموية) تخلّف عن مبايعة أبي بكر. وقال مُثيراً زعماء قريش: "أرضيتم يا عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم". وتقول المصادر أن بني هاشم وبني أمية معاً – بالرغم من اختصامهم- غضبوا أن يتولى الخلافة رجلٌ من بني تيم، أي أبو بكر. من هنا ظهرت آراء في الخلافة: هل هي حصرٌ على فئة من قريش، أو في قريش جملةً، أو هي حصرٌ في العرب، أو هي للمسلمين جميعاً، عرباً وغير عرب؟.

كان شكل الصراع، في كل ذلك دينياً، وكانت الحجج لكل فريق دينية أيضاً. لكنه اجتماعي- سياسي، شبه طبقي، بجوهره ومضمونه، فكبار التجار من جهة، والطامحون إلى الثراء والتوسع في حملة الفتح من جهة أخرى، كانوا يرون في تسلم مقاليد الخلافة الإسلامية تحقيقاً لمصالحهم الفئوية  و الطبقية ..

 فهل يحق لنا بعد هذا  أن نختلف  على واقع ذاتي و موضوعي اكتنف أحداث سالفة .، ليست هي موجودة اليوم في أي بلد من بلداننا الأسلامية.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.