اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• دور التراث في المحافظة على الهوية الوطنيه ْالعراقيه ْ

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د.هاشم عبود الموسوي

 مقالات اخرى للكاتب

دور التراث في المحافظة على الهوية الوطنيه ْالعراقيه ْ

 

عندما يتعرض مجتمع الى هزات عنيفة وتغييرات حادة كما هو الحال في المجتمع العراقي فأن أشكالية السلوك الاجتماعي. للافراد والشعور بالانتماء تظهر بشكل جلي وحاد .. وان عملية التثقيف لافراد المجتمع تمر حتما ًبأزمة  تتوازى مع الأزمة الثقافية بنفسها, وليس على المستوى السياسي فقط, وانما على كافة المستويات الأجتماعية والأقتصادية والأخلاقية وسواها. فلذلك يتوجب علينا وضع دراسات محكمة وإعادة نظر في السبل التي تتبعها من أجل بناء وتعزيز الهوية. بمختلف مستوياتها..  ويبدو لنا أن أهمية إيقاظ التراث لدى المواطنين والتثقيف به هو واحد من الأساليب المهمة في المحافظة على الهوية وتعزيز شخصية الفرد من

حيث القيم والهوية الأسرية و الوطنية .. وتأتي مسألة التثقيف المدروس بشكل متمعن من أهم تلك الأساليب.. ونعني بالتثقيف هنا هو مجموع الطرق التي يستعملها المجتمع لانتاج أعضائه وتأهيلهم لاحتلال مواقعهم فيه, وبصورة أخرى, هو عملية إعداد الطفل منذ ولادته ليصبح " شخصاً ناضجا ً" حينما يصل من البلوغ الذي يؤهله للمساهمة في إعداد أطفال جُدد ليكتسبوا شخصيتهم الأجتماعية., وفي خلال عملية التثقيف منذ الولادة حتى البلوغ (وهي مرحلة الزواج على الأغلب) تجري عملية تزويد الطفل بالخبرات اللازمة لاكتمال الشخصية القادرة على التعامل مع الأشخاص والأشياء. وأبرز هذه الخبرات هي: الخبرات العاطفية, وخبرات المعرفة والمهارات والعادات والاتجاهات والقيم. وفي نهاية عملية التثقيف يكون العضو قد تحول إلى "شخص" احتل موقعه أو مركزه في البنية الأجتماعية  على تعدد مستوياتها :

الأسرية, العشائرية, الوطنية ,القومية, الدينية, الطبقية... الخ .كما يكون قد تعرف على مواصفات المركز الذي احتله في البناء الأجتماعي و الوظائف المنوطة بهذا المركز.  وينتهي التثقيف إذاً بتزويد الشخص با شكال السلوك المتعارف عليها في المجتمع:  مايجوز أو يستحسن فعله أو قوله و ما لا يجوز أو لا يستحسن فعله أو قوله. و يرتبط مفهوم التثقيف بمصطلح الثقافة التي هي أحد  أشكال السلوك الاجتماعية. وللثقافة جانبان: موروث اجتماعياً أي منقول عبر الأجيال وهو مانسميه التراث, ومكتسب أي مقترض من ثقافات أخرى أو مأخوذاً عنها أو مبتكرُ في إطار الثقافة نفسها وهو الناتج عن التفاعل بين أشكال السلوك الجديدة التي تبناها المجتمع أو بعض فئاته مع التراث, فيضيف إليه ماهو ليس منه أو يجري تعديلا ً عليه.  أي أن عملية التثقيف تزود الفرد بأشكال السلوك الموروثة, وبما هو مكتسب من أشكال سلوك جديدة ليست موروثة, ولكنها مؤثرة إلى الحدّ الذي تحولت فيه إلى أشكال من السلوك الاجتماعي, كأشكال السلوك الناتجة عن وجود السيارة أو الهاتف النقال أو الفضائيات أو الكمبيوتر أو الاحتلال أو الهجرة وغيرها الكثير.  وإذا كان هدف التثقيف في كل مجتمع؛ إنتاج الأشخاص المؤهلين للتعامل مع الأشخاص الآخرين من جهة, ومع الأشياء من جهة أخرى, فإن وجود

الهدف لا يعني النجاح في بلوغه, فقد تفشل عملية تثقيف الفرد وقد تنجح, كما أن الثقافة نفسها قد تفشل في التكيف مع التغيرات السريعة والحادة, وبمعنى آخر قد يصل التناقض بين الموروث والمكتسب من أشكال السلوك درجة غير قابلة لاستيعاب المجتمع لها,  مما يؤدي إلى ما يمكن أن نسميه أزمة ثقافية قد تفقد المجتمع أو بعض فئاته التوازن الضروري للاستمرار بصورة مرضية لأعضاء المجتمع أو غالبيتهم, مما يؤدي إلى ظهور مشاكل لا حصر لها في كل نظم المجتمع الراسخة أو الراكدة:  العقيدي, الاقتصادي, الاجتماعي والسياسي. وعندما ندعّي بأن التراث له دور مهم في المحافظة على الهوية الوطنية فعلينا أنْ ندرس ونعرف التراث, ليكون مفهوما ً لدى أفراد المجتمع بشكل عام,  فالتراث هو الجانب الموروث إجتماعيا ً من الثقافة أي كل ما تركه السلف للخلف من أشكال سلوك إجتماعية أو آثار دالة عليها.  ويعني ذلك ان التراث قد يكون ماديا ً ماثلا ً على شكل مبان ٍ أو أدوات وسواها من الشواهد المادية الملموسة, كما قد يكون معنوياً يتمثل في الآداب والعلوم والفنون والأفكار والعقائد والأساطير وغيرها.  ويشكل الطرفان الجانب الأهم في الثقافة, فالتراث يعطي المجتمع هويته, ولذا يعتز المجتمع بتراثه , وبخاصة تلك الجوانب التي يرى أنها مشرقة ومشرّفة.  كما أن في التراث ما لايتلاءم مع التغيرات التي يتعرض لها المجتمع ,فيحاول المجتمع تجاوزها أو إلغاءها أو تعديلها وذلك بإحلال أشكال أو أنماط جديدة من السلوك, ولا يتم ذلك بصورة ميكانيكية, بل ببطء يسمح بتفاعل المكتسب و الموروث لينتجا معا ً شكلا ً جديدا ً من السلوك ,ليس بالضرورة أن يكون أفضل من أشكال السلوك السابقة. ويمكن أن نميز بين نوعين متداخلين من التراث:  التراث الرسمي, و التراث الشعبي.  ويؤثر النوعان كلٌ في الآخر ويتأثر به.  و أعني بالتراث الرسمي الموروث المكتوب أو الماثل الذي أنتجه – على الأغلب - أشخاص معرفون, فكل التراث العلمي و الأدبي والفكري والمادي الذي أنتجه الشعراء والعلماء والفلاسفة والمفكرون والفنانون و المبدعون هو من التراث الرسمي,  كما أن اللغة العربية الفصحى هي من هذا التراث أيضا ً.  أما التراث الشعبي فهو المتوارث  شفويا ً, مجهول المُنتِج, مُتداولٌ عند أغلبية أعضاء المجتمع لسهولة انتشاره, ومنه التراث المادي والمعنوي والقولي والفني والمعرفي والحركي وسواها. وتدخل اللهجات المحلية ضمن هذا الجانب من التراث.  و عليه يمكن القول أن أشعار الزهاوي والرصافي .والكاظمي والجواهري والسياب والملائكة والبياتي وغيرهم والشعر الشعبي للكرخي ومظفر النواب و سيرة الخليفة المأمون وأعماله وكذلك دراسات واجتهادات علي الوردي, وإستشهاد الحسين على أرض العراق ... وثورة العشرين هي من التراث الرسمي وكذلك في الجانب المادي من التراث,  فأننا نعتبر المساجد والأضرحة الكثيرة المنتشرة على أرض العراق إضافة الى  الآثار العظيمة التي خلفتها العصور المتعاقبة للحضارات على أرض العراق كالملوية والمدرسة المستنصرية والقلاع الموجودة في مدن شمال العراق من التراث الرسمي,  اما أغاني حضيري أبو عزيز وداخل حسن,  والغناء

الموصلي والبغدادي, ودبكات غرب العراق وفي العزف على الربابة.  وأغاني الهدهدة للأطفال , وأحتفالات العرس وصناعة الفخار و نسيج القش وبناء المضايف بمادة القصب والبردي وآمثالها,  فهي من التراث الشعبي.  وكما ذكرت فإن التداخل والتأثير بين النوعين يضعنا أمام صعوبات التصنيف,  فنوادر جحا والكثير من الأساطير والمعتقدات والقصص حول الأبطال في التاريخ القديم  أو المعاصر تحتل مساحة مشتركة بين الجانبين الرسمي والشعبي من التراث.

وإذا أستحضرنا مكوَنات التراث الشعبي بكافة أقسامه وفروعه, واستحضرنا مكونات الشخصية الاجتماعية  في كافة أشكال سلوكها, سنجد  أن التراث الشعبي يحتل مساحة واسعة – إن لم تكن الأوسع – في تكوين الشخصية لأعضاء المجتمع الواحد سواء على مستوى الأسرة أو القرية أو المدينة أو مجتمع البلد العربي الواحد أو المجتمع العربي ككل أو حتى الأسلامي  بأجمعه .

وإجمالاً, فأن اهتمام الامة أو الشعب بالتراث هو أبرز عوامل أستمرارها  كجماعة لها هويتها التي لا نعرفها إلا بها  فشعوب العالم تعرف العرب مثلاَ ً من لغتهم وتاريخهم وسائر مكونات ثقافتهم وعلى الأخص تراثهم سواء الرسمي أو الشعبي منه وتأتي التربية مكملة ً في جهودها المتنوعة  للمحافظة على الهوية الوطنية, بصفتها النموذج الأعلى للتثقيف في المجتمع,  فأذا وصفنا شخصاً أو طفلا ً مازال يخضع لعملية التثقيف بأنه "قليل التربية" أو "غير مربى" أو "مربى" فإننا نعني أن الجهات القائمة على تثقيفه لم تقم أوقامت بواجبها في تثقيف الطفل أو الطفلة بصورة ملائمة.  ومن هنا جاء اسم وزارة التربية وتصنف بعض الدول لاسم الوزارة, كلمة التعليم ليصبح الأسم"وزارة التربية والتعليم" لتعني أنها جهة متخصصة بتثقيف "الأطفال" لتحويلهم  إلى  "أشخاص" بصورة منهجية متقدمة عن غيرها من الجهات المسؤولة عن التثقيف.  ويبدو من إضافة مهمة "التعليم" إلى جانب مهمة "التربية" في اسم  وزارة التربية والتعليم المختصة بالتثقيف المنهجي, لتبيان  الفصل بين الجانبين السلوكي والمعرفي في مهمة المدرسة تقوم بهاذين الجانبين من التثقيف.  وليست المدرسة هي الجهة الأهم  في التثقيف, وإن كانت الجهة المتخصصة,  ذلك أن الطفل قبل ذهابه إلى المدرسة أي قبل السادسة من عمره يتلقى  تثقيفا ً متواصلا ًمن قبل الأم والأب وسائر أفراد الأسرة والعائلة, كما يساهم في تثقيفه أقرانه وجيرانه وحضانته وروضته  إن  كان يذهب

إليهما,  كما تساهم البرامج المذاعة أو المتلفزة في تثقيفه أيضا.  وحينما يذهب الطفل إلى المدرسة المتخصصة بالتثقيف كما يظن كثيرون,  لاتتوقف وسائل التثقيف من متابعة التلميذ في كافة مراحل تعلمه حتى يصل سن ّ البلوغ,  ومن هذه الوسائل كل ماهو مقروء أو مرئي أو مسموع من الكتب و الأذاعات و الكمبيوتر والهاتف وسواها.  هذا إضافة إلى النادي والمسجد والكنيسة والشارع وسائر النشاطات في المجتمع الذي ينتمي له الطفل الذي تنمو "شخصيته" بالتدريج.

وفي ظل هذا الوضع المعقد من تعدد القائمين على عملية التثقيف,  ومن تعدد وسائله,  ومن الصراع الحاد بين التراث والمستجِد, تواجه عملية التربية صعوبات كثيرة هي إنعكاس لهذا الوضع.  وأهم هذه الصعوبات هي تحديد الهدف العام للتربية,  ولا يختلف أحد أن الهدف العام للتربية هو إنتاج "الشخصية" الفاعلة  في المجتمع.  ويعني ذلك بصورة نظرية إنتاج الشخصية المتوازنة عقلانيا ً وعاطفيا ً وجسديا ًوروحيا ًويتطلب الوصول إلى هذا الهدف إنتاج الشخص القادر على التعامل مع العلم والتقنية بعقله وبيده,  والقادر على التعامل مع الآخرين بنظرية أخلاقية ملائمة لنوع الثقافة الموجودة,  والقادر على توفير الأمن الغذائي والنفسي

والجسدي لنفسه و لأسرته و لمجتمعه. والمشكلة الأخرى هي وسائل تحقيق هذا الهدف,  فعلى سبيل المثال: ما هي النظرية الأخلاقية الملائمة؟  هل هي منظومة الأخلاق والقيم الموروثة ؟

هل هي النظرية الإسلامية مثلا ً؟ أم هي الليبرالية والديمقراطية  المستجدة؟ هل هي مقاومة الأحتلال أم مهادنته؟ وعلى المستوى المعرفي و الأخلاقي و التاريخي: يجب التعريف بالحق والحقوق ومحاربة الفساد المالي و الأداري. كما أني أرى  بأن المناهج التربوية وإبتداءا ً من دار الحضانة حتى مراحل إكمال الشهادة الاعدادية , لها دور كبير في تحقيق الهدف التثقيفي المرجو من التربية وهو أحد أهم وسائلها لإنتاج الشخص الذي ذكرنا بعض صفاته.

وعلى الرغم من أن المنهج لا يعمل مستقلاً عن فعاليات العملية التربوية الأخرى  (المعلم , الإدارة, الوسائل والإمكانات المتاحة... الخ ) إلا أنه المُقرر الرئيس لاتجاهات التربية ومقدمة أساسية لنجاح أو فشل التربية بالتالي فشل عملية التثقيف.  إن المفترض في المنهاج, والمتمثل لدينا في الكتاب المدرسي, أن لايقوم بالتربية بصورة ملائمة فقط , وإنما عليه في واقع الأزمة أن يصحح  - قدر المستطاع – تقصير و مثالب, بل مخاطر طرق التثقيف الأخرى. وكلما شارك عدد كبير من المختصين و المعلمين و الآباء و الأمهات في اقتراحات بناء المنهج

المدرسي, كلما نجح المنهاج في تحقيق الهدف المطلوب من عمليتي التربية و التثقيف.

ولا أقصد بالطبع الترضية أو المحاصصة بين الاتجاهات والأفكار والتخصصات المتنوعة, وإنما أقصد المشاركة من أجل التكامل, على أن يقوم  المختصون بتجسيد هذا التكامل في كتاب أو كتب تحقق أهداف  المناهج و أهداف التربية و بالتالي  أهداف عملية التثقيف بكليتها.

إن السؤال المفتاح للمنهج المدرسي هو: ما هي صفات الشخصية التي تريد عملية التربية, وبالتالي عملية التثقيف,  إنتاجها للمجتمع؟  هل هي شخصية لها هويتها الدينية  و الوطنية و القومية  و الإنسانية أم شخصية متوائمة مع الانفتاح العالمي أو مع سياسة العولمة التي تغزو العالم. وهل يمكن التوفيق بين هذه الأهداف جميعها أم سيظل التناقض قائماً بدرجات متفاوتة.

و أين دور التراث في التربية والتثقيف , وبمعنى آخر: ما أهمية استعمال التراث في المناهج المدرسية,  وما المطلوب استعماله  من التراث وكيف ؟

وبعد إطلاعي على بعض كتب التعليم في المرحلة ألابتدائية أستطيع أن أجزم. بأن المناهج قد أعطت التراث حقه ولكنها كانت مُنحازة  بصورة كبيرة إلى التراث ألرسمي على حساب

 

التراث الشعبي:  وانا ارى  أن التراث الشعبي يفوق التراث الرسمي في موضوعة الحفاظ على الهوية الوطنية لاسباب كثيرة يمكن تلخيصها في سبب واحد هو أن  التراث الشعبي هو الجزء الأهم من مكونات ثقافتنا الوطنية,  ويعني ذلك ببساطة أن سلطة هذا التراث الشعبي علينا تفوق أية سلطة أخرى، فنخضع لهذه السلطة في الحزن والفرح,  في الشدة واليسر,  في الفقر والغنى ,  في المحبة والكراهية,  في الصراع والوئام, في طرق التفكير والعواطف ...الخ,  أي أن أغلب أشكال سلوكنا ناتج عن سلطة هذه الثقافة علينا فيما نشكو ونتذمر منه,  أو فيما نحبه ونرضى عنه.  وبتعبير آخر فإن التراث الشعبي هو الجزء الأكثر فعالية في هويتنا الثقافية.

وتقودنا هذه الحقيقة  إلى  الاستنتاج التالي:  إن التراث الشعبي هو الجانب المؤهل أكثر من أي جانب آخر من ثفافتنا العراقية  لتحقيق هَدَفي تعزيز الهوية بكافة مستوياتها من جهة,   وتطويرها من جهة أُخرى .

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.