اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• مناقشة هادئة لمقولة "حتمية التاريخ"

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د.هاشم عبود الموسوي

مقالات اخرى للكاتب

مناقشة هادئة لمقولة "حتمية التاريخ"

 

في الفترة الواقعة بين أربعينيات ومطلع خمسينيات القرن الماضي،صعدت الى السطح بين أوساط المثقفين ، وفي مجال منهجية التاريخ الأجتماعي مقولة"حتمية التاريخ، والتي روجت لها أحزاب ومنظمات يسارية في العالم كله . وكان اعتناقنا للأفكار اليسارية ، التي انتشرت بشكل واسع بين أوساط المثقفين في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين ، كفيلة بأن تجعلنا نتقبل كل مقولة تساند فهمنا للنظرية الأشتراكية ، دون قليل من التفحص. حتى صرنا نؤمن بأن الظاهرات الأجتماعية تخضع بكاملها لقانون الحتمية هذه . وحتى اننا لم نتقبل أي فكر آخر، أو جهد من مفكر آخر ينادي بدور الفرد الحر الواعي في صناعة الأحداث والتاريخ وتطوير المجتمع .. ولم نعر أي اهتمام الى آراء الأجتماعيين واجتهاداتهم ، مثل المرحوم الدكتور علي الوردي لدينا في العراق ،وكذلك آراء منظرين يساريين كبارعلى مستوى العالم ،مثل انطونيو غرامشي ،وجورج لوكاتش وغيرهما من الداعيين الى قراءة متمعنة لحركة الواقع ، و احتمالاته المستقبلية، بهدف تطوير المجتمع وجعله أكثر قدرة على مواحهة المشكلات التي يعانيها .. وللأسف اكتفينا في دولنا العربية بترديد مقولات نظرية تحمل الكثير من سمات الجمود العقائدي. وتبنينا نظرية المراحل الخمس التي يجب أن تمر بها كل المجتمعات البشرية بصورة حتمية وقسرية .

 

واليوم ، أرى أنه لزاما علينا بعدما هدأت نيران المعارك الفكرية ، أن نعود وندرس بتركيز وتمعن كثيرا من المقولات النظرية الخاصة بالظاهرات الأجتماعية في كل مجتمع على حده . فقد دخلت (على سبيل المثال) بعض المجتمعات في عصر المعلومات وتقنية الأتصالات الفائقة ، دون أن تمر بعصر الصناعة , وقد تيقنا في وقتنا الراهن بأن ارادة الفرد الحرة تشكل الوسيط الحقيقي في مجال التفاعل بين الناس على أسس اجتماعية و ثقافية و اقتصادية متداخلة. ولا يتم ذلك التفاعل في أية ظاهرة اجتماعية، الا من خلال ارادة الأفراد الحرة ، وسعي الناس الى تغيير أنفسهم ومجتمعاتهم بصورة عقلانية و واعية , فطاقات الفرد الفكرية و الجسمانية ، هي بمثابة طاقة محركة للقوة الكامنة في الأشياء وفي الجماعات .

 

ففي عصر القفزات السريعة لتطورات الثورة الرقمية ، ودخولنا في عصر السوبر حداثة ، يجد المرء بأن التنبوء الصادق الوحيد أمام تقلبات العصر هو

 

استحالة التنبوء ذاته . لقد ولت الى الأبد عهود السلطة  والحتميات وسلاسة المسارات الخطية، وفقدنا رفاهية اقتفاء الآثار انطلاقا من الأسباب و استنباط النتائج من المقدمات  وتتبع الأمور في هياكل هرمية ، ترقى بنا من الفروع الى الأصول، ومن الأبسط الى الأعقد ومن البسيط صوب صوب المركب ، ومن الجزئي صوب الكلي .

 

كان آنذاك المرحوم د.علي الوردي، والذي أصابه ما أصابه من انتقاداتنا اللاذعة  يقول ( ان دراسة تطور الظاهرات الأجتماعية تحتاج الى مقولات دائمة التطور، بفعل التبدلات المستمرة على أرض الواقع ، لا قوانين ثابتة يتم من خلالها تفسير الظاهرات الأجتماعية و الأقتصادية والفنية ، بصورة ميكانيكبة ،لا تقيم وزنا للأرادة الحرة لدى الأفراد و الجماعات وبصورة أكثر تحديدا للقوى الحية و الفاعلة  في المجتمع ) .

 

واني أرى اليوم أن التعامل مع الظاهرات الأجتماعية عبر مقولات الحتمية والبناء التحتي مقابل البناء الفوقي، قد يحولها الى مجرد ظاهرات طبيعية أو مادية بحتة ، أو ذات خصائص جامدة ، وغني عن التأكيد أن هذا المنهج في التحليل يغيب المقولة الأساسية التي أيقنت أنها هي الصحيحة دائما :  " أن الفرد قادر على تغيير ذاته ، وأنه يسعى دوما الى تغيير المجتمع والعالم حوله "

 

وأرجو الا نبقى نحن العرب ، ناقصي المناعة العقلانية ، ونفتقر الى المقولات النظرية ، وان مهمة منظرينا تتطلب جهدا أكبر مما تتطلبه مهنة المنظرين الغربيين، لكي يتمكنوا من تهيئة أفراد مجتمعاتنا فكريا ، ليمكنهم ذلك من التعامل الأيجابي مع مقومات المعاصرة، وبصورة ملائمة مع طبيعة التطورات المتسارعة في الحقول المعرفية . وذلك لأن فكرنا العربي لم يمر بمرحلة عقلانية ، يمكن أن يلتجئ أو يرجع اليها،( مثلما رجع الفكر الأوربي الى العقلانية الأغريقية ، في حين أننا لا زلنا بفكرنا لم نتجاوز الموقف من القرون الوسطى التقليدي من المعرفة )، بصورة مقنعة تؤهله لمواجهة متطلبات المعاصرة ، بقدر ما تمكنت منه أوربا تدريجيا وخلال القرون الخمسة الماضية

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.