اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ما هو علم التفسير الكتابي؟ وسبب الاختلاف بالتفسير؟// يعكوب ابونا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يعكوب ابونا

 عرض صفحة الكاتب 

ما هو علم التفسير الكتابي؟ وسبب الاختلاف بالتفسير؟

يعكوب ابونا

 

      ما هو علم التفسير الكتابي .. ؟؟

    لغة نفهم بان التفسير يعنى استخراج معنى لنص معين، واصطلاحا هو لغرض مساعدتنا على تفسير وتطبيق المبادى الكتابية بطريقة صحيحة،..

   فتفسير الكتاب المقدس مهم جدًا لأنه يتعلّق بكيفية فهم كلمة الرب المكتوبة، خاصة ونحن نعيش في عصر ما بعد الحداثة، لنجد اليوم للاسف إن القارئ هو من يُحدد معنى النص، وليس كاتب النص! لكن يجب أن نُدرك أن الله هو الوحيد الذي يمكنه أن يخبرنا عن نفسه. فالكتاب المقدس هو إعلانه لنا. وكل شيء يبدأ به ومنه فإذا لم نعرف كيف نُفسر الكتاب المقدس، فلن نُدرك ما يتوقعه الله منا. بأن نعرف كلمته بدقة، ونُطبقها على حياتنا، ونُعلمها للآخرين (عزرا 7: 10؛ تيموثاوس الأولى 3 : 16 ".) ...

 

يعرف علم التفسير ( الهرمنيوطيقا ) 

في الأساطير اليونانية، كان “هيرماس” هو مفسّر الآلهة. ومن اسمه أتت الكلمة اليونانية “hermeneutics” والتي تعني “تفسير او ترجمة”.

وفي الكتاب المقدس، يستخدم بولس جذر هذه الكلمة عندما تحدث عن موهبة ترجمة الألسنة (كورنثوس الأولى 12: 10). كما تُستخدم ايضاً الكلمة لتوضيح معنى نص ما بنفس لغته المكتوبة. ويُعلّق إنجيل لوقا على حديث يسوع مع التلاميذ الذين قرأوا العهد القديم وكانوا على دراية به لكنهم لم يفسروه بشكل صحيح، قائلًا: “ثُمَّ ابتَدأَ مِنْ موسَى ومِنْ جميعِ الأنبياءِ يُفَسِّرُ لهُما الأُمورَ المُختَصَّةَ بهِ في جميعِ الكُتُبِ.” (لوقا 24: 27) .. وتأتي كلمة “يفسر” من نفس جذر كلمة اليونانية  .. “hermeneutics”.

  علم التفسير الكتابي يقوم عند المسيحيين استرشادا برسالة تيموثاوس الثانية 2: 15 "اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ للهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاِسْتِقَامَةِ". فعلم التفسير يساعد المؤمنين أن يكون لهم دور في تفسير كلمة الله، بشكل صحيح وليس هذا سهلا،”.

   لذلك يوصي الرسول بولس تلميذه تيموثاوس قائلًا: “اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ ِللهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَةِ.” (تيموثاوس الثانية 2: 15) ، كما تخبرنا رسالة بطرس الثانية 3: 14-16 بأن سوء تفسير الرسالة المركزيّة للكتاب المقدس يؤدي إلى الهلاك..

 

  إن أهم قواعد علم التفسير الكتابي هي أن نؤمن بان ( الكتاب كلمة الله، يفسر نفسه بنفسه ) لان الكتاب المقدس يقول ما يعنيه ويعني ما يقول. لكي نفهم النص يجب ان نحاول تفسيره من خلال حرفيته، لكشف معناه البسيط والعادي، اما إذا لم يتضح المعنى الحرفي للنص، فنميل الى رمزيته، لانه احيانا النص نفسه يشير الى رمزيته، او يعبر عن الصور البلاغية فيه، فعلى سبيل المثال، عندما يتحدث المسيح عن إطعام "خمسة آلاف" في مرقس 8: 19، يقول علم التفسير الكتابي أننا يجب أن نفهم الخمسة آلاف شخص بصورة حرفية – أي أنه كان هناك فعلا من الناس الجائعين خمسة آلاف شخص تم إطعامهم بخبز حقيقي وسمك حقيقي، بواسطة المخلص صانع المعجزات يسوع المسيح. واما اذا لا نفهم النص من خلال حرفيته او رمزيته، فعلنا ان نلتجى الى التفسير المجازي للنص.. 

  وهناك من يدعى الروحانية في النصوص الكتابية، وهذا صحيح لان الكتاب المقدس يقوم اصلا على الروحانيات، ولكن التمادي في هذا الاجتهاد اوصل البعض لأنكار حدوث معجزة حرفية، لانهم اجتهدوا في محاولة قراءة ما بين السطور في النص الكتابي للوصول إلى معنى مستتر غير ظاهر بالنص الحرفي، وهذا طبعا يشكل انحرافا بيناً في فهم اللاهوت الكتابي..  

 

ثانيا - يجب تفسير المقطع الكتابي في إطار التاريخ والتركيب اللغوي والسياق الذي وردت به. فتفسير النص في إطار السياق لدراسة الآية أو المقطع ، يتضمن السياق الآيات السابقة والتالية مباشرة، والإصحاح والسفر، لنقف على المعرفة الكتابية ونتوصل الى المعنى المقصود بالنص. فعندما ناخذ النص من الجانب التاريخي يجب أن نفهم الثقافة والخلفية والظروف التي كتب فيها النص. فمثلاً، لكي نفهم هروب يونان في يونان 1: 1-3 علينا أن ندرس تاريخ الآشوريين وعلاقته بإسرائيل. ولكي نفسر النص لغوياً علينا أن نلتزم بالقواعد النحوية ونعرف الفروق الدقيقة في العبرية واليونانية. فمثلاً، عندما يكتب بولس في رسالة تيطس 2: 13 قائلاً: "اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ"، تقول القواعد اللغوية أن كلمة "الله" وكلمة "مخلص" متوازيتين وكليهما مقابلتين لكلمة "يسوع المسيح" ...

 

  ثالثا -الكلمة المقدسة هي دائماً أفضل مفسر لذاتها. لان مقارنة المكتوب بالمكتوب يحدد معنى النص الكتابي. فمثلاً، إدانة إشعياء لرغبة يهوذا في طلب المعونة من مصر وإتكالهم على الفرسان الأقوياء (إشعياء 31: 1) سببه جزئياً أمر الله الواضح بألا يلجأ شعبه إلى مصر طلباً للخيل (تثنية 17: 16)....

 

فدراسة علم التفسير الكتابي هدفه مساعدتنا في الوصول إلى فهم المعنى الصحيح للنصوص الموحى بها من الله. وهذا يحمينا من سوء تفسير الكلمة المقدسة أو تأثير التحيز على إدراكنا للحق. إن كلمة الله هي حق (يوحنا 17: 17). ونحن نريد أن نرى الحق ونعرف الحق ونعيش الحق بأفضل ما يمكننا وهذه هي أهمية علم التفسير الكتابي ..

 

       اذا ماسبب تعدد التفسيرات الكتابية ..؟ 

     اذ كان الكل يؤكد بان الكتاب المقدس واحد للجميع ويؤكد الكتاب أن لنا "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، اله واب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم".  رسالة (أفسس 4 : 4-6 ). وهذه هي المقومات الاساسية للايمان الخلاصي ، فلما الخلاف في تفسير معناها .؟؟

  يقول الرسول بولس برسالته الاولى الى اهل كورنثوس 10:2-13،

"فاعلنه الله لنا نحن بروحه. لان الروح يفحص كل شيء حتى اعماق الله، لان من من الناس يعرف امور الانسان الا روح الانسان الذي فيه، هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله، ونحن لم ناخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله، لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها ايضا، لا باقوال تعلمها حكمة انسانية، بل بما يعلمه الروح القدس، قارنين الروحيات بالروحيات "..

  النص صريح يرشدنا لنفهم كيف يختلف تفسير عن تفسير؟؟ نجد كل مؤمن يدعي انه يدرس الكتاب المقدس (تيموثاوس الثانية 15:2) معتمداً على الله ومصلياً لإنارة الروح القدس. ولكن كيف يستمع للروح القدس الذي في داخله.؟؟؟ هذا هو السؤال؟ اليس من المؤمنين من يحزن الله (أفسس 30:4)... نعم اذا .. :

 

 اولا -عدم الإيمان. هناك من يدعون أنهم مسيحيون ولكن لم يختبروا الولادة الثانية. فهم يلقبون "بمسيحيون" ولكن لم تتغير قلوبهم. فلم يتغير سلوكهم، وهناك من يدعون التخاطب مع الله وهم لا يؤمنون به. فمن المستحيل للشخص الغير مؤمن أن يقوم بتفسير الكتاب المقدس بطريقة صحيحة "لكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة" (كورنثوس الأولى 14:2). فالشخص الغير مخلص (الذي لا يسكن الروح القدس بداخله) لا يستطيع فهم الحق الموجود في الكتاب المقدس. ولا يحصل علي الإستنارة. حتى وإن كان ذلك الشخص قساً او اسقفا او اي مرتبة كنسية او دينية، ... يقول الرسول بطرس برسالته الثانية 1 :20 -21 عالمين هذا اولا ان كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص، لانه لم تات نبوة قط بمشيئة انسان، بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس ".. النص واضح الكتاب مكتوب بالروح القدس، السؤال الذي ليس فيه روح القدس ولايسمح للروح القدس العمل من خلاله، كيف يريد ان يفهم ويفسرعمل الروح القدس في الكتاب المقدس؟؟ لنضرب لذلك مثلا..

 

 1- مثال عدم الإيمان يمكننا أن نجده في يوحنا 28:12-29. حيث يصلي يسوع للآب، ويجيب الآب من السماء بصوت مسموع "أيها الآب مجد اسمك! فجاء صوت من السماء: "مجدت، وأمجد أيضاً!" فالجمع الذي كان واقفاً وسمع، قال: "قد حدث رعد!" وآخرون قالوا: "قد كلمه ملاك!". لاحظوا الاختلاف في النقل والتفسير منهم من قال "رعد، ومنهم من قال ملاك" . في الوقت الذي ان الجميع سمعوا نفس الصوت – كانت جملة مفهومة من السماء – ولكن كل فرد فسر حسب هوما سمعه وفسر حسب ما فهمه.؟؟ .

 

2- لقد حذر الرسول بطرس برسالته الثانية 3 : 16 "كما في الرسائل كلها ايضا، متكلما فيها عن هذه الامور، التي فيها اشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين، كباقي الكتب ايضا، لهلاك انفسهم ... ،

 

 3- وحدة النص، عدم تطبيق علم التفسير بشكل صحيح، فمثلاً إقتباس جزء من المقطع وترك الاخر يفسد المعني المقصود بالمقطع ككل. وتجاهل الإصحاح ككل أو عدم معرفة السياق التاريخي اواللغوي للمقطع يقود الى مشاكل عديدة بعدم فهم المقصود من النص بشكل صحيح..

 

4- عدم المعرفة الشاملة لكلمة الله. مثلا كان في افسس رجل يهودي اسمه أبلوس وكان واعظاً لبق وقدير، ولكنه كان يعلم فقط عن معمودية يوحنا. ولم يكن يعلم عن يسوع وتقديمه للخلاص، فكانت رسالته غير كاملة. فلما سمعه أكيلا وبرسكيلا أخذاه اليهما، وشرحا له طريق الرب بأكثر تدقيق. " (أعمال الرسل 24:18-28). وبعد ذلك قام أبلوس، بالوعظ عن يسوع المسيح. بشكل صحيح وخلاصي،  فبعض الناس اليوم يحملون رسائل غير كاملة لأنهم يقوموا بالتركيز على مقاطع معينة متجاهلين المقاطع الكتابية الأخرى...

(كورنثوس الأولى 2:3-3 ) .  5- عدم النضج.  في رسالة "

وانا ايها الاخوة لم استطع ان اكلمكم كروحيين، بل كجسديين كاطفال في المسيح

لانكم بعد جسدين ".. سقيتكم لبنا لا طعاما، لانكم لم تكونوا بعد تستطيعون، بل الان ايضا لا تستطيعون،.

 

.  6- الطقوس والتقاليد ، كل الكنائس تؤمن بالكتاب المقدس. ولكنهم يقوموا ببناء تفسيراتهم على ضوء ما يروه بمنظارتطابقه مع طقوسهم وتقاليد كنيستهم . وللاسف عندما تتعارض تعاليم الكتاب المقدس مع تلك الطقوس والتقاليد ، نجد ان الكنيسة تمنح الأفضلية للتقاليد والشكليات الطقسية، وهذا يمنح الأولوية لقيادة الكنيسة، لتثبيت نفوذها وسلطتها وسطوتها على المؤمنيين اتباعها، تدعي كل كنيسة بان تفسيرها هو الاصح.. وهذا طبيعي ان يكون له تاثير كبيرعلى سلطة كلمة الله عند المؤمنيين، لذلك نجد الفرائض الكنسية قد اخذت الجانب الاكبر كعقائد كنسية، على حساب العقائد الايمانية، علما ان المسيحية ليست دين ( الفرائض والطقوس ) بل هي علاقة حياة بين الانسان المؤمن  والرب يسوع المسيح.. .

  الله يوصينا بأن نعرف كلمته ونُفَصِّلها بالاستقامة. لكي نتمكَّن حقًّا مِن فهمها ونتمكَّن من تطبيقها: أيْ أن نؤمن بها ونعيشَها. ونحصل على مِلْء بَركة الله ونَحظى بالفرصة لإعطائه المجد الَّذي يَستحقُّه اسمُه. أمَّا أيُّ سوء فهمٍ للكتاب المقدَّس فإنَّه يؤثِّر سلبيًّا في معرفتنا، قال التلميذ فيليبس للخصي الحبشي وزير كندالة ملكة الحبشة، العلك تفهم ما انت تقرأ ؟ فقال كيف يمكنني ان لم يرشدني احد ". اعمال 8 : 30 و31 "

   لذلك يجب ان نكون حذرين في تفسير الكتاب المقدَّس كي نفهم ما يقول،. لانه أنقى شكلٍ مِن أشكال اللاَّهوت ينبع مِن النصِّ نفسه.

ثانيًا، لذلك يجب تَجنَّب التَّفسير السَّطحيَّ. عندما تفسر الاية حسب الظاهر المعرفي، الآية تعني بالنِّسبة إليَّ كذا وكذا وكذا ، يجب ان تعرف بان لا أهميَّة لِما تعنيه بالنِّسبة إليك. فالمسألةُ تتعلَّق بمعناها حتَّى لو لم تكن أنت على قَيْد الحياة؟ ما تعنيه الاية هي النُّقطة الجوهريَّة؛ لا ما تعنيه بالنِّسبة إليك، تجنَّب الارتجال والعشوائية في تفسير الكتاب المقدَّس، وروح الله الَّذي يسكن فينا هو المُعلِّم الَّذي يُعلِّمنا. ولكنَّ هذا لا يُعطينا مُبرِّرًا لتفسير الكتاب المقدَّس اعتباطيًّا. لذا فإنَّ الآية 1تيموثاوس 5: 17 تقول: "أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ".

ثالثًا... لنكون حذرين من إضفاء صِبغة رُوحيَّة أو مَجازيَّة على الكتاب المقدَّس. لانه بذلك قد يصل الى إضفاء معنى صُوفيٍّ على الكتاب المقدَّس. وهذا يقود الى أن تقول إنَّ المعنى الواضح ليس هو المعنى الحقيقيَّ، بل إنَّ المعنى المُبَطَّن تحت السطح هو روحي ، وهو المعنى الحقيقيّ. ليتوصلوا بذلك الى القول إنَّ ما في الكتاب المقدَّس مَجازيٌّ (أي أنَّه مُجرَّد رمزٍ للحقيقة) فإنَّك تجعل معرفة ذلك المعنى الحقيقيّ أمرًا مستحيلاً لأنَّه إن لم يكن بمقدورنا أن نُميِّز ذلك المعنى الحقيقيَّ مِن خلال الفهم العاديِّ للُّغة، كيف يمكن تمييزه؟

 

هناك منهجان لتفسير الكتاب المقدس 

1-اشتهرت مدرسة الإسكندرية– بالتفسير الرمزيّ

، استخدم القديس أكْلِمَنْضُس هذا النوع من التفسير؛ 

ونَظَّمَ أوريجانوس قواعد هذا التفسير بثلاث طرق ..

† التفسير الحرفيّ أو المعنى السطحي وهو يناسب البسطاء من المسيحيّين.

† التفسير السلوكيّ “الأخلاقيّ” وهو للتهذيب ودرجة أعلى من التفسير الحرفيّ.

† التفسير الروحيّ Typology  ويتهذّب به الكاملون.

كما يقول العلاَّمة أوريجانوس: “إن هناك علاقة بين المستويات الثلاثة وبين خلق الله للإنسان نفساً وجسداً وروحاً، فالمعنى الحرفيّ يقابل مستوى الجسد Body وهو يناسب البسطاء من المسيحيّين، والتفسير السلوكيّ أو الأخلاقيّ يقابل مستوى النفس Soul  ونستشفه من الأحداث ونعيش به، والتفسير الروحيّ يقابل مستوى الروح Spirit، وهو خاص بالكاملين الذين يكتشفون فيه المفاهيم الروحيّة العميقة ويتلاقون مع المسيح

 والتفسير الروحيّ يشير إلى الطبيعة الإلهيّة، بينما الحرفيّ والتاريخيّ إلى الطبيعة البشرية للكلمة المتجسد، وكل منهما يعملان بغير اختلاط ولا انفصال، وكل منهما يشير إلى الآخَر، فالتفسير الروحيّ يشير إلى اللاهوت، والتفسير الحرفيّ يشير إلى الناسوت الذي يقودنا إلى ألوهيته، ويُعطي مصداقية تاريخية لحقيقة التجسد.

  مثلا يرى القديس أكْلِمَنْضُس السكندريّ أن الثوب الملون الذي أعطاه يعقوب أبو الآباء ليوسف الصديق ابنه  إشارة إلى المعرفة المتنوعة، ، كما يفسر قول السيد المسيح “وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمَاً أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَداً أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الحَيَاة الأَبَدِيَّةَ” (مت 29:19)، بأن الأب يعني ترك الحق المدنيّ، وترك الأم يشير إلى الموطن أو القوت ..

 

كذلك العلاَّمة أوريجانوس فسّر معجزة شفاء ابنة خادم الملك (يو4 : 36-53)، فخادم الملك هو إبراهيم الذي تضرّع إلى السيد المسيح، لكي يشفي ابنه إسرائيل المريض بمرض عضال.

كذلك فسّر إقامة لعازر من الأموات، بأن لعازر هو المسيحيّ الذي يريد أن يرجع إلى الحيَاة الأممية، والذي يُشار إليها في المعجزة بالقبر، بينما الأقمطة واللفائف التي رُبط بهما يشيران إلى الخطايا، وبالتوبة يمكن للإنسان أن يخرج من القبر، أما مسألة بقائه مربوطاً حتى بعد أن يخرج من القبر تشير إلى مهمة الكنيسة في أن تحل المربوطين، اعتمدت مدرسة التفسير الرمزيّ للكتاب المقدس على آية “لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلَكِنَّ الرُّوحَ يُحْيي” (2كو 6:3)، لهذا بَاَلَغَ أوريجانوس في التفسير الرمزيّ للكتاب المقدس على أساس أن حرّفية الناموس قاتلة بسبب عصيان الكلّ له، أما روح الإنجيل فهو واهب الحيّاة ... .

 

- 2- منهج مدرسة انطاكية

تبنّت مدرسة التفسير الحرفيّ Literalist Interpretation ، وقد قام به لوكيانوس في النصف الثاني من القرن الثالث، كرد فعل للمبالغة في التفسير الرمزيّ

قاومتِ المدرسة الأنطاكية التفسير الرمزيّ لمدرسة الإسكندرية، معتمدة فقط على التفسير الحرفيّ (حقيقيّ أو مجازيّ) وهو المنهج اللغويّ أو الحرفيّ، التاريخيّ. يقوم هذا المنهج على التفسير البسيط حسبما تشرحه اللغة، لذا دعي “المنهج اللغوي أو الحرفيّ”. كما قام على تأكيد الحقائق التاريخيّة كما وردتْ في الكتاب المقدس كحقائق واقعية وليست أعمالاً مجازية رمزية، لذا سمى أيضاً بالمنهج التاريخيّ، مستبعدة تماماً المعنى الروحيّ الذي استبدلوه بالتعليم الأخلاقيّ.

ومن مشاهير المدرسة، نسطور وديؤدور أسقف طرسوس، وثيؤدور أسقف موبسويست، وأهم عظماء هذه المدرسة مارِ أفرام السرياني. والقديس يوحنا ذهبي الفم ، والعلامة ترتليلنوس ..

: إنَّ تيودور ويوحنا فم الذهب وتيودوريت ساروا على طريقة مار أفرام في شرح الكتاب، وهو يأخذ الحقائق الواردة في الكتاب المقدس خاصة العهد القديم كحقائق واقعية فهي ترفض الرمزيّة .Allegorism

ومع ذلك ظهر لدى آباء أنطاكية ما يُعرَف بالثيؤريا Theoria، وهو نوع من الرمزيّة والتأمل، يقوم على أساس ما يُسمى بالنمطية Tipology بشرط ألاَّ تكون الرمزيّة اجتهاداً شخصياً، ويتضح ذلك من الأمثلة الآتية:-.

فسَّر القديس مارِ أفرام السريانيّ معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، بقوله “إن في الخمر دخول عجيب للطبيعة البشرية في رحم العذراء (دون زرع بشر)”، كما يرى أن مريض بركة بيت حسدا لم يُشفَ لعدم الكفاية الخلاصية للناموس، وأن المولود أعمى الذي اغتسل في بركة سلوام إشارة إلى المعمودية المقدسة التي نحصل منها على الخلاص

يعتمد منهج الثيؤريا على أن معاني عبارات الكتاب المقدس لها معنى حرفيّ؛ وتقبل التفسير بالثيؤريا دون أن يكون لها معنى رمزيّ فقط، وجود ثاؤريا لحدث أو بعض آيات الكتاب المقدس يكون فيه شيء من التطابق وليس اجتهادياً، مثل وجود نص صريح عن الحيّة النحاسية “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحيّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ. هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإنسان”.. يو 3 : 14"

على الرغم من أن القديس يوحنا ذهبيّ الفم يتبع مدرسة أنطاكية، حيث لم يستخدم الرمزيّة خاصة في العهد القديم ، إلاَّ أنه يقول توجد عبارات في الكتاب المقدس لا تُفسَّر إلاَّ بتفسير رمزيّ مثل عبارات يد الرب، عينا الرب، يمين الرب، نزل الرب …

- عبارات تقبل الاثنين معاً الحرفيّ والثاؤريا، فيؤكد ذهبيّ الفم على أن ذبح إسحق حقيقة تاريخية، وفي نفس الوقت فيه رمز للصليب  كما أن نهر الأردن يُشير إلى المعمودية؛ ولكنه في نفس الوقت حقيقة، وعبور شعب بني إسرائيل فيه، قصة واقعية وليست رمزية فقط.

في تفسير القديس يوحنا ذهبيّ الفم للمزمور 150 “سبحوا الله بالطبل والمزمار”، يشرحها بطريقة روحية، فيشير إلى إماتة الجسد، حيث إن الطُّبول تُصنَع من جلود الحيّوانات الميّتة، والمزمار إلى التأمل في السماء، ولكنه لا يتغاضى عن التفسير الحرفيّ فيرجع ويقول: “أما أنا فأعتقد أن النص يعني تنازل الله لقبولنا بضعفنا البشريّ فيجب أن نُسبح مجده بفرح مستخدمين هاتين الآلتين

- عبارات آخرى لا تقبل إلاَّ التفسير الحرفيّ فقط، مثل عبارة “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم”، إذ يرى القديس يوحنا ذهبيّ الفم أنها لا تُفسَّر إلاَّ حرفياً، فالله يقدّم وصية لأُناس لهم الموعظة على الجبل “طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ” (مت 5:5)، نجد أن القديس يوحنا ذهبيّ الفم يرفض أيَّ تفسير رمزيّ لها، ولا يقبل إلاَّ التفسير الحرفيّ، فيقول: “أخبروني عن إيِّ أرض يتكلّم الرّب؟

 

  الخلاصــــــة  :

   مبادئ تفسيرية يجب مراعاتها

حتى يتسنى لك تفسير الكتاب المقدس بشكل جيد، هناك من المبادئ التفسيرية الهامة، ومن ضمنها .. :

. إن ما يُحدد معنى النص هو السياق.1-

. 2- يجب تفسير المقاطع الصعبة أو “المبهمة” في ضوء المقاطع الأكثر وضوحاً.

3- يجب أن نُفسر اختباراتنا الشخصية في ضوء الكتاب المقدس، وليس العكس- .

.  4- الكتاب المقدس يُفسر نفسه.

.  5- يجب أن نضع في اعتبارنا الخلفيّة التاريخيّة لكل نص، ومن هو الكاتب والقرّاء الأصليين.

.  6- يُظهر اللاهوت الكتابيّ أن الكتاب المقدس ليس سلسلة من “كيف تقوم بهذا أو ذاك”، بل أنه عرض لكيفية خلاص الله لنا، وكيف يعلنه لنا من خلال .عمل ابنه يسوع المسيح، الذي هو رسالة كل الكتاب المقدس ...

.   7- يشير العهد القديم إلى المسيح الذي كان مزمعًا أن يأتي، ويشير العهد الجديد إلى المسيح الذي جاء بالفعل. فهو الأساس والمبدأ التفسيري الموحّد للكتاب المقدس كله. إذ يشهد له الكتاب (يوحنا 5: 39-40). فالكتاب المقدس، في المقام الأول، هو عن يسوع، وليس عنا.

بدون شك، ان الله الذي أوحى بالكتاب المقدس يتوقع منا أن نكرم الرسالة التي أعطاها في الأصل لصالح البشر ولمجده اسمه . امين ..

يعكوب ابونا .........................  12 /5 /2023 .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.