اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (368)- الصدق وعلاقات العمل الفني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

يوميات حسين الاعظمي (368)

 

 

الصدق وعلاقات العمل الفني

إن التعابير الاصيلة (هامش1) التي تميـَّز بها المؤدون السابقون والتي إتسمت بالتعبير عن صدق مشاعرهم وتصوير معاناتهم وهمومهم ومشاكلهم بأصدق ما يمكن، التي وصلت عند بعضهم حد السذاجة..! لذا فإن أهم ما ميـَّز هذه الحقبة هو النظر من جديد الى مفهوم الصدق(هامش2) هذا ومن الطبيعي أَنَّنا لانقصد المعنى الحِرَفي للصدق، بل ان هذا الصدق يحدث مع التجربة الخالصة، فهي حبكة اذن..! يتوازن فيها الصدق والتجربة والابداع، حبكة لابد ان يكون فيها إحكام في العلاقات.

 

        يتجلَّى الصدق التعبيري في غناء المقامات العراقية في تسجيلات محمد القبانجي، الذي يعكس التاريخ الحقيقي لبلده العراق في الفترة المظلمة بعد سقوط العباسيين 656هـ1258م في مقامه الشهير – مقام المنصوري – المغنى بهذه  القصيدة المُخَّمسة. لكاظم الازري والتخميس لراضي القزويني، وهو أشهر منصوري، بل هو أَعظم ما غناه محمد القبانجي..! وحتى لو اكتفى محمد القبانجي بتسجيله مقام المنصوري هذا وحده في حياته كلها، لكان يكفي لتخليده على مدى التاريخ..!

 

(كيف يقوى على الجفا مستهام / عنك لم يلهه نديم وجام)

بك أقسمت والهوى أقسام / إي وعينيك ما المدام مدام)

                   (يوم تجفو ولا النداما نداما)

 

     ان القبانجي في هذا المقام بالذات يعكس حقيقة الهموم والمعاناة التاريخية للشعب العراقي، فإلى أين يجب ان يتأمل المواطن العراقي من أجل إكتشاف ومعرفة ما فعله الغزاة المجرمون بآبائنا وأَجدادنا..!؟ منذ الغزو المغولي التتري. إلى أين يجب أن يتأمل العراقي، كم أن هذه الاقوام الغازية والمحتلة فرضت العصور المظلمة على العراق..!؟ إلى أيِّ مدىً يجب على المواطن العراقي أن يتأمَّلَ كم أَنَّ سبعة قرون عاشها العراقيون في ظل هذه الاقوام المجرمة التي فرضت الجهل والتخلف والفساد والاعتداء والظلم  والاغتصاب والتشتت على كل البلاد..!؟

 

         ان هذه الاقوام عدوٌّ رئيسي بالنسبة للعراقيين، كما انها شيء أسوأ..!إنها الاقوام المتعددة التي توصف بالاجرام والارهاب والوحشية على مدى تاريخها. وهكذا يكشف لنا محمد القبانجي في مقامه الشهير – المنصوري – من خلال تعابيره المذهلة، مازجاً العقل والفطرة في ادائه، حقيقة هذه المراحل التاريخية، حقيقة هذه الاقوام المجرمة التي يوضح فيها ذروة الاستنكار والاستهجان والعتب والشكوى والاحتجاج من القدر الذي كتب على هذا البلد الحضاري الذي يمثل اقدم حضارات الانسان..!! والذي إبتلي بهذه الاقوام ..!

 

        وهكذا تأتي التعابير الصادقة عن التاريخ، عاملاً مساعداً بصورة مباشرة في بناء العلاقات وتقويم الاداء ونجاحه وإعطاء الصورة الحقيقية الصادقة للاحداث الماضية.

          إن إدراك ربط هذه العلاقات غالباً ما يأتي من خلال التثقيف والدراسة، لأن الإلهام أو الموهبة أو الفطرة لا تكفي لوحدها، فلا بدَّ من تدخل العقل والفكر ونقد ما نؤدي والعمل المتواصل والاجتهاد والتمرين المستمر. لذلك نفهم ان الاداء الغنائي موهبة وطموح وتمرين متواصل ودراسة وفكر وحبكة وإدراك..! ولا تكون هذه الحبكة عند أُستاذنا القبانجي بالمعنى الذي يلغي الانفعال والتوتر الانساني، بل هي مرادفة لسيطرته على تجربته ووسائل تعبيرها. فكان لابدَّ أن تكون انجازاته الابداعية ذات قيم فنية عالية. فلا بدَّ إذن، الاهتمام بطرائق الاداء وتعدُّد الاساليب، زيادة في الثراء وإغناء المادة التراثية، لنبني من خلالها إبداعات وافكار وجماليات جديدة لصور متعددة، لأن الافكار والابداعات الناجحة ذات الاحاسيس العميقة تفقد جمالها اذا جرَّدتها من جمال الصورة، إذن لابد ايضاً من توافق المحتوى مع جمال الشكل. وبالعكس اذا لم يكن هذا التوافق جيداً، فإن كثير من التفكير والإِحساس يضـيع لهذا السبب.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

محمد القبانجي مقام الشرقي دوكاه

https://www.youtube.com/watch?v=X-2afiHhSrU

 

هوامش

1 – هامش1: الاصالة. Originality القدرة على الابداع والابتكار في انتاج ادوات او مخترعات او اعمال فنية او ادبية، وبعبارة اخرى هي امتياز الشيء او الشخص على غيره بصفات جديدة صادرة عنه – (الاعظمي، حسين اسماعيل، المقام العراقي الى اين.؟، ط1 اولى، بيروت، 2001، ص 99.

2 – هامش2: الصدق. مفهوم واسع له عدة معاني تختلف باختلاف المسائل التي يهتم بها الباحثون عند التعرض لمعنى الصدق، وفي ميدان البحث يقصد بالصدق ان يقيس الاختبار ما وضع لقياسه، أي ان الاختبار الصادق يقيس الظاهرة التي يزعم انه يقيسها ولا يقـيس شيئا اخر بدلا منها او بالاضافة اليها.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.