كـتـاب ألموقع
• انفراج الأزمة المتفاقمة لا يأتي عبرهم -//- جاسم الحلفي
انفراج الأزمة المتفاقمة لا يأتي عبرهم
جاسم الحلفي
أفرزت تداعيات الأزمة الأخيرة مخاطر كبيرة، يتطلب من المتابعين رصدها بدقة، فهناك عدد من المواضيع التي تفرض نفسها كأولويات في التناول، نظرا لتصاعد حدة الأزمة، وانكشاف أمور كثيرة، يصعب حصرها هنا لكن تجدر الإشارة الى بعض منها:-
1 ــ من غرائب الوضع السياسي هو انقسام الحكومة العراقية بمعناها الواسع انقساما بين مؤيد ومعارض لها، لا اقصد هنا مجلس النواب، فقد تعطل هذا فعليا منذ مدة طويلة، ولم يقم بواجباته السياسية والتشريعية والرقابية، اما جلساته الشكلية فقد فضحتها ميزة عدم اكتمال النصاب، ولا اقصد كذلك علاقة إقليم كوردستان وعدد من مجالس المحافظات بالحكومة الاتحادية فقد أنهكتها التجاذبات الخطيرة، لكن الأغرب هو انقسام مجلس الوزراء، الذي شهد اجتماعه الأخير، غياب وزراء كتلة العراقية عن الحضور، وذلك لموقفهم المؤيد والمشارك في المظاهرات التي شهدتها محافظات الرمادي وصلاح الدين والموصل، فيما التشكيك في القضاء أصبح حديث الشارع، وهذا يعكس اهتزاز جميع أركان الدولة.
2 ــ فرضت المظاهرات نفسها كأسلوب سياسي تلجأ له الجماهير، وتعبر من خلاله عن مطالبها، وليس بالضرورة ان تسير عند رغبات بعض السياسيين الذين دعوا لها، انما هي تجاوزت مطالب البعض الذي أريد لها ان تكون متراسا له وساترا للدفاع عنه، واستطاعت المظاهرات ان ترسخ فكرة الضمان الدستوري لحق التعبير والتظاهر السلمي.
3 ــ المعايير المزدوجة في تعامل الحكومة مع المظاهرات السلمية، وعدم وجود موقف محدد لدور القوات الأمنية في تعاملها معها، رغم ان الجميع يتحدث عن كفالة الدستور لها، فهناك من يصرح بان واجبه ينحصر بحمايتها، فيما حاول البعض من قادة القوات الأمنية منع المظاهرات وإعاقة انطلاقتها.
4 ــ غياب الفهم الواضح عن الجهة التي تمنح الموافقة او إجازة المظاهرات، ولم يبق الاجتهاد في حدود التباين في وجهات النظر، بين الجهات المدنية ممثلة بالمحافظ، ام الجهات الأمنية ممثلة بالقادة الأمنيين، وهذا يعكس انكشاف صراع الإرادات بين الوجهة المدنية والوجهة الأمنية في بناء الدولة وتسيير شؤونها.
5 ــ فضحت تداعيات الأزمة، عمق الفكر الطائفي الذي تستند عليه خطابات المتنفذين، الذين طالما حاولوا إخفاءه والتستر عليه، وتبجحوا في ترديد مفردة المواطنة والقانون، فاثبت ان الطائفية هي سلاحهم الذي لم يتجرؤوا لغاية هذه اللحظة على نزعه، والاستغناء عنه لصالح الفكر المدني الديمقراطي الذي يتجسد في الترويج للمواطنة كأساس لبناء الدولة التي تحفظ حقوق الجميع.
6 ــ ان صراع المتنفذين انما يدور على السلطة والمال والنفوذ، فليس في بال احد منهم مصالح مواطنين يتطلعون الى خدمات، فقد عرى المطر وما سببه من فيضانات اغلب مدن العراق، قدرة وكفاءة المسؤولين سواء على مستوى الحكومة الاتحادية او الحكومات المحلية، في انجاز مشاريع البنى التحتية المتداعية، التي ظهر انه لم ينفذ منها عمل جدي ومنذ عشر سنوات، كذلك لم يقوموا حتى بصيانة وإدامة المشاريع التي نفذها النظام السابق، حيث لم يشهد العراق في تلك الفترة ما شهده أخيرا، هذا هو العيب والخجل الكبير.
7 ــ اتضح جليا ان طرفي الصراع الطائفي، لا يختلفان بشيء، فهما متوحدان في خدمة المشروع الطائفي، سرعان ما يوقظون الانقسام الطائفي، ولا يدعونه نائما في مضجعه، فانحيازهم عند الحاجة يكون للهويات الفرعية يلوذون بها، حيث برهنت الأزمة الأخيرة انهم زعماء لطوائفهم وليس زعماء للعراق، فالمظاهرات وجدت قيادتها في غير من ادعى بها من معارضي الحكومة، فيما وضعت الحكومة نفسها طرفا، وجاء خطابها في موقف النقيض من عدد من المطالب المشروعة للمتظاهرين.
8 ــ تكمن خطورة الخطاب الطائفي بقدرته على تهديد وحدة النسيج الاجتماعي، ودوره في انتعاش فكرة تقسيم العراق، فهو يؤثر على وحدة البلاد ويهددها، ويسهم في إرجاع البلاد خطوات الى الوراء، وهو نقيض للخطاب الوطني، يخنق الخطاب المدني الديمقراطي، ويحاول حبس فكرته في بناء العراق المدني الديمقراطي التي تستند على المواطنة والحقوق والعدالة الاجتماعية.
بينت التجربة الفعلية ان أزمات العراق لن تنتهي الا بإعادة بناء العملية السياسية، وتغيير أسسها الطائفية، عبر إحداث خرق في جدارها الطائفي، يمكن ان يفعله تحالف مدني واسع يضم جميع أنصار الدولة المدنية الديمقراطية، وهذا هو التحدي الذي يقف امام القوى الديمقراطية، فهل يستفزها هذا الخطر؟ انه السؤال الذي يبحث عن إجابات عملية!
المتواجون الان
787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع