اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الرحيـــل / قصة قصيرة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بقلم  :  سعـديـــه ألعبـــود

الرحيـــل / قصة قصيرة

 

انتابها إحساس بالضيق جعلها تبحث عن أي شئ يفرج كربتها ,لم تجد من تلجئ إليه .

حاولت مرارا أن تتواصل مع الجيران , سرعان ما غادرتهم أخذت تقلب قنوات التلفاز,لم تجد ما يمكن أن يشدها للإنصات إليه . الاختناق جعل من غدتها الدرقية تطبق عليها لدرجة توقعت أن لامجال للتنفس دنت في خزانتها تبحث عن شئ  .امتدت يدها إلى حافظة رسائل , أخرجت  رسائل قديمة مذيله بتاريخ يتوسط نهاية السبعينات . أوراق صفر باليه لا تتجاوز الأربع صفحات اقتطفت  من أوراق كراس صغير , إلا انها كانت تعني لها  أغلى مدخراتها وأجمل  ذكرياتها .

         امتدت نظراتها تقرأ كلماتها  :

       عزيزتي .   ...في هذه الساعة من غسق الليل...وأنا اترنح بين الحنين إليك وبين شوقي لاحتضان زنبقتي العذراء . اكتب  إليك والحزن يفترش هذا الجبين المتعب , بين نفسي وفشل املي فيك  لقد عرفتك وأنا ممتد تحت جلدك ...  لأنك ابتدأت تخونين ضني  بشقيقتي التي عرفت من بعيد أو من قريب  .. تلك الإنسانة التي تحدثت عنها بين صحبي والأغراب طويلا .. عن تلك الإنسانة الجسر الواعية ..المدركة .. التي عرفتها عقلا  قبل أن  تكون  شئ أخر .......لم تستطع إن تتبين الكتابة فقد اغرورقت عيناها .كانت تستطيع أن تكملها على ظهر قلب فقد تلتها مرات ومرات  تبحث فيها عن ذكرياتها مع كاتبها ,كان يلومها  يومها لان الحنين إلى الأهل جعلها ترى رؤيا حملتها إليهم عندما كانت مغتربة في تلك الفترة .كانت الأخبار تردها بواسطة الرسائل فقط  ولا توجد وسيلة أخرى للتواصل مع الأهل  لذلك كان الحنين يمزقها.... ..جففت الدمع وعادت للقراءة ..سائني الخبر الذي وردني, اتبكين شوقاً لتلك المدينة المقبورة على الفرات ... المدينة الذي عرفها التاريخ البعيد فقط , أن كان يحق الحزن فلا شئ يستحق سوى أنفسنا ,تمتمت فعلا كنت تتوقع انك أهلا للحزن والبكاء ......فقد غادرتنا دون حتى كلمة وداع . وأن كنت تعلم انك مغادر دون عودة ,تركت لنا في كل مكان ذكرى ,لقد ذهبت إلى حتفك بنفسك فلا خيار أمامك .

كان لها حياتها لم يكن شقيقها فحسب كان صديقها ورفيقها خطت خطواتها الأولى برفقته ,تعليمها ,خياراتها ,قراءتها ,الأماكن التي زارتها , أي  بقعه سبق وأن رأتها, ولكن بصحبته .

عاودت القراءة :..........أن الحديث معك كمداعبة مناقير الطيور في ليل ربيعي عاش فيه القمر ...اني في هذه اللحظة اتوهج كالجمر احترق بالحنين إليك كحنيني إلى يوكالبتوس استظللت بها يوما ً على شاطئ الفرات ........الحنين يلفني كامرأة كوفية اوفتاة في مدينة مقدسة غطتها العباءة فغدت كالليل ......

يومها كانت رفيقتها تمازحها (والله لولا معرفتي بأنه شقيقك لما صدقت أبدا ان هذه الرسالة الا من صديق ) .كانت صداقته تجعلها تبيح له ما عندها وتتحاور معه بأمورها وما يعترضها. .. أربعة وعشرون عاماً مضت على فقده في جبهات القتال ولم تصادف إن وردت إليها أي كلمة منه,  لقد نقش تاريخ فقده وشما في ذاكرتها لم تستطع الأيام أن تجليه .التاسع عشر من شباط لعام 86  من القرن الماضي كان يوماً حزيناً  حتى الطبيعة شاركتها في ذلك الحزن فقد كانت ريحه صفراء استمرت ثلاث ايام , لم تكن تعلم انه في الفاو فقد كان في العمارة وتحركت قوتهم الى البصرة ليكونوا حطبا لنار اشتد اورارها ولم تخمد, التهمت الأخضر واليابس .

اليوم هو الذكرى السنوية لفقده نادته ولسان حالها يخاطبه :  هل تعلم أن لديك أحفاد ؟ زنبقتك العذراء أصبحت ا م   لأربعة أطفال احدهم يحمل اسمك ,وصغيرتك التي يحيرني أنها لا تتذكر إلا الشئ البسيط عنك غدت معيدة في ألجامعه ولديها طفلين , أما ولدك الذي  جاء بعدك,والتي  انتظرتك حبيبتك ورفيقة عمرك إن تخبرك بحملها, ولكن ......فقد تخرج وبدأ يشق طريقه . اليوم احتاجك لتساعده في اختيار عروسة له اليوم افتقدناك وأردنا حضورك لتآزره وتفرح به  , أرادك ان تذهب معه في هذا المشوار  ليفتخر بك ولكنك خذلته .

 أتعلم إنني قاسمتهم رغيف خبزي ,أتعلم كم عانيت ليكملوا مشوارهم  في سنوات عجاف   .
؟,أتعلم كم بكيت وأنا اشعر بحاجتهم إليك ؟, .الآن استميحك عذرا ًان كنت قد تأخرت عنهم دون قصد ,فهم قد أضحوا شبابا وأنا قد تهالكت ,ها انا أعصر ذؤابة روحي ان كانت بها بقية ,كي لألاقيك وأنا خجلة منك ,كنت معهم كالفرس التي تطير بخيالها إذا أحست بخوفه  إلى ان تسقط هامدة لتقول له (  لقد  أعطيتك  كل ماعندي ).

لم تستطع ان تكمل كتابتها فقد امتزج الحبر مع دموعها وأحالها إلى ورقة سوداء.ولم يستطع مدادها ان يخطو على سطح مبتل ,.

.

 سعديه العبود 2010-02-19

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.