اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• بسغات زئيف.. والأرنونا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

مقالات اخرى للكاتب

بسغات زئيف.. والأرنونا

 

طالب مستوطنو «بسغات زئيف» بلدية القدس بترقية وضع حيهم الاستيطاني، ووقعوا عريضة تدعو وزارة الداخلية في إسرائيل للاعتراف به كمدينة منفصلة عن القدس.

المستوطنون في هذا الحي الذي أطلق عليه اسم صاحب «الصهيونية التنقيحية» زئيف جابوتنسكي، يشعرون بالظلم (!) من وطأة ضرائب الأرنونا التي يقولون إنهم يدفعون الحد الأعلى مما يدفعه باقي سكان المدينة.

تبدو المسألة للوهلة الأولى بأنها قضية تظلم يرفعها من ضاقت بهم سبل العيش الذي يعانون ضنكه، لكن تعهد مندوبي مستوطني الحي أمام البلدية بـ «الالتزام يرفع مستوى المعيشة في بسغات زئيف وبناء برك وحدائق وبنى تحتية متطورة» يبدد هذا الانطباع لنجد أنفسنا أمام مشروع استيطاني من طراز جديد يقف مستوطنو هذا الحي في مقدمة رواده.

مستوطنات بدأت بؤراً صغيرة وتحولت تدريجيا إلى مدن ضخمة تتمتع بمجال جغرافي وبيئي حيوي تتوزع على أكثر الأراضي الفلسطينية خصوبة وتتربع على خزانات ضخمة من المياه الجوفية التي يحرم منها الفلسطينيون.. وإن وصلوا لها فالنذر اليسير يكون من نصيبهم.

على ذكر الأرنونا، يقول المختصون في التاريخ إن الرومان فرضوا على سكان فلسطين أيام احتلالهم لها ضريبة تسمى أنونا، وكانت عبارة عن مواد غذائية يفرضها المحتلون على السكان من أجل تزويد جنودهم بالطعام دون أن يكون لهذه الضريبة نظام معروف وقيمة محددة أو وقت معين لتقديمها.

أما الأرنونا ـ أيضا بحسب المختصين ـ فهي ضريبة يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على مواطني القدس وتشمل المستوطنين مقابل الخدمات التي تقدمها السلطات الاحتلالية. لكن تطبيقها يتم وفق معيار تمييزي فاقع حيث يدفع الفلسطينيون أضعاف ما يترتب دفعه على المستوطنين.. فإذا كان مستوطنوا حي بسغات زئيف يدعون عدم قدرتهم على دفع هذه الضريبة، فماذا يقول الفلسطينيون، طبعا مع فارق الخدمات الكبير التي تقدم لكل من الفلسطينيين والمستوطنين.

أقيم الحي الاستيطاني المذكور في العام 1982 في الشمال الشرقي لمدينة القدس ويقع بين بلدتي بيت حنينا وحزما، وجاء بناؤه في إطار مشروع تطويق القدس القديمة بالأحياء الاستيطانية وقد وضعت حكومة أولمرت خطة لضم هذا الحي إلى المدينة الاستيطانية معاليه أدوميم التي تقع على بعد خمسة كيلو مترات شرق البلدة القديمة.

ومن غير إسهاب في المعلومات، نرى أنه من الضروري التركيز على الآليات التي بدأ يعتمدها الاحتلال في إعادة هيكلة البناء الاستيطاني في القدس على طريق استكمال تطويق المدينة وعزلها عن باقي الضفة الفلسطينية. وهذا يعني إخراجها عمليا من مبدأ التواصل والاتصال الذي تقول به مبادرات سياسية عدة تحدثت عن مواصفات الدولة الفلسطينية الواردة في هذه المبادرات.

وقد قلنا سابقا إن سياسة تسمين المستوطنات وكذلك الأحياء الاستيطانية إنما تسعى لفرض بنية استيطانية قوية متواصلة و «قابلة للحياة» وهي الصفة التي حاولت «خارطة الطريق» أن تمنحها للدولة الفلسطينية في حال رأت النور فعلا.

وتمثل «بسغات زئيف» نموذجا لتنفيذ هذه السياسة. فقد أنشأت كبؤرة في قلب الأحياء الفلسطينية المحيطة بالقدس، وتم ضخها بالمستوطنين من أجل أن تقطع تواصل هذه الأحياء عن بعضها البعض، في الوقت تنمو هذه المستوطنة بشكل سريع وبدأت الآن مرحلة التواصل الفعلي مع باقي مكونات الشبكة الاستيطانية داخل القدس وفي محيطها. وهذا يعني السعي لتطبيق شعار القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، التي لا تنتظر أي من حكوماتها تقرير مصير المدينة في المفاوضات أو بدونها.

على الجانب الفلسطيني، تبدو الأمور أكثر تعقيدا حيث التوسع الاستيطاني قائم على الأرض، ولا ينفع عمليا في وقفه مجرد اتخاذ موقف من المفاوضات واشتراط وقف الاستيطان لاستئنافها إلى جانب مطالب أخرى. وما تزال مقاومة الاستيطان على الأرض تقتصر على أشكال موضعية تأخذ الطابع الرمزي في غالب الأحيان. وعلى الرغم من بسالة المشاركين في هذا الأسلوب من مقاومة الاستيطان، إلا أن ما يمثله من خطورة على المستقبل الوطني للأراضي المحتلة يفترض بالضرورة تشكيل جبهة مقاومة شعبية تواجه الاستيطان في جميع أماكن انتشاره. وبمناسبة الحديث عن المقاومة الشعبية واعتمادها في ختام الاجتماع بين حركتي حماس وفتح مؤخرا، فإن الإعلان عن تبني المقاومة الشعبية لا يجب أن يتقلص كوظيفة في مهمة توجيه رسائل إلى الخارج بأن المقاومة المسلحة «مؤجلة» أو «غير معتمدة» حاليا. فالأصل في الموضوع ممارسة المقاومة الشعبية على الأرض ودعمها سياسيا وماديا ووضع برنامج ميداني لآليات تطبيقها بما يشعر الاحتلال والمستوطنين بأنهم مقدمون فعلا على البدء في دفع فاتورة الاستيطان من وتيرة الاستقرار والتنعم الذي يعيشونه على حساب أصحاب الأرض التي نهبت لصالح الاستيطان.

ومن جهة متصلة، من شأن قيام جبهة مقاومة الاستيطان على الصعيدين السياسي والشعبي أن تنقل الحالة الفلسطينية برمتها من حالة التردد والسلبية إلى حالة الفعل والمبادرة وفي سياق هذا كله، تزداد قدرة الفلسطينيين على إيجاد حلول لمشاكلهم وأزماتهم ومن بينها ملف الانقسام عندما يجد المنقسمون أنفسهم في غمرة وحدة مواجهة ميدانية تنشئ من القواسم المشتركة ما هو غائب عن جلسات الحوار في الغرف المغلقة التي تسودها الحسابات الخاصة والمعادلات المحسوبة على قياس كل طرف.

كما أن تأجيل القضايا المعلقة في اتفاق المصالحة والحديث عن مدى زمني بعيد نسبيا لحل العقد القائمة في الاتفاق يزيد من العقبات التي تعترض إتمام المصالحة واستعادة الوحدة، لأن رهن هذا الموضوع باستحقاقات ومحطات أخرى لن يفيد في شيء ويضع الحالة الفلسطينية في حالة أضعف وهي تواجه الضغوط المتصاعدة من قبل واشنطن وتل أبيب بشكل أساسي.

كما لا يفيد ربط الظروف المساعدة على إجراء الانتخابات العامة الفلسطينية بأية تطورات في المحيط، على اعتبار أن الشرط الذاتي هو العامل الحاسم في إنجاز مهمة استعادة الوحدة، إلا إذا كانت الحسابات لا تزال تدور ضمن معادلات تحسين موقع كل طرف في شرط استعادة الوحدة، وهو ما يتناقض مع مبدأ الشراكة السياسية التي يفترض تطبيقها مشاركة مكونات الحالة الفلسطينية جميعها في إنهاء حالة الانقسام عبر آليات تضمن استعادة الوحدة على أسس سياسية وقانونية سليمة تعيد للوضع الفلسطيني عناصر قوته الغائبة.. ومن غير ذلك.. تبقى المراوحة.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.