اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• سجال إسرائيلي حول القدس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

مقالات اخرى للكاتب

سجال إسرائيلي حول القدس

الحرية: يحيي المحتلون الإسرائيليون في مثل هذه الأيام ما يقولون إنه يوم توحيد القدس أي يوم إلحاق القدس الشرقية ومعها الضفة والقطاع إلى خانة الاحتلال بعد أن نجحت آلة الحرب الصهيونية بالاستيلاء على الأراضي التي تمكنت منها عام 1948.

وفيما كان رؤساء أحزاب وأعضاء كنيست يتناوبون التأكيد على وحدة القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، أراد إيهود أولمرت أن يدلي بدلوه في هذا المجال على نحو مختلف أراد فيه أن يشعل سجالا يعيد تسليط الأنظار نحوه وهو الذي قد طويت صفحته الرسمية منذ سنوات دون أن يترك فراغا يذكر في المشهد الحزبي والسياسي الإسرائيلي.

وحتى يضمن صدى قويا لما سيقوله فقد بدأ بتعبير تقسيم القدس متحدثاً بأن الواقع على الأرض يشير إلى وجود قدسين وليس قدسا واحدة كما يقول الآخرون. حديث أثار السجال الذي يريده. لكن المتابع لأفكار أولمرت واقتراحاته يدرك أنه يتكلم عن تلك القدس التي لا «يعيش فيها يهود»!

ففي لقاء مطول مع صحيفة «معاريف» الإسرائيلية (20/5) يقسم أولمرت مدينة القدس إلى قسمين أحدهما القسم الجميل والهام والثاني البشع والمهمل، وهو هنا يتحدث عن غرب القدس وشرقها، ويعترف أنه عندما كان رئيسا لبلدية القدس قد أهمل الأحياء الشرقية للمدينة وأخرجها من مشاريع التنمية والرفاه الذي كانت تنصب على غرب المدينة. وفي تدقيق أولي لما جاء في المقابلة يتضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق لا يقسم المدينة فعليا بين شرق وغرب أو ما كان محتلا قبل العام 67 وبين ما تم احتلاله بعد ذلك. بل هو يتحدث عن الأحياء التي يسكنها اليهود باعتبارها القسم المهم من المدينة والذي هو بنظره جزء واحد تحت السيادة الإسرائيلية ويعرف هوية القدس الشرقية بأنها البلدات والأحياء الفلسطينية المحيطة بالمدينة.

ومع ذلك فإن تعبير تقسيم المدينة بحد ذاته أثار ضده العديد من خصومه الكثر وفي المقدمة بنيامين نتنياهو الذي تحدث بتلك المناسبة المشؤومة قائلا «إن إسرائيل دون القدس هي كالجسد بدون القلب... وقلبنا لن يقسم أبدا مرة أخرى» وأعاد نتنياهو تأكيد موقفه المعروف بأن القدس ستبقى موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل.

وكان من الطبيعي أن يستثمر نتنياهو حديث أولمرت ويعيد إنتاجه ضمن تأويلات توحي بأنه مستهتر بالمصالح الإسرائيلية العليا. وهو هنا يشفي بعض غليله من شخص ساهم مع شارون في تأسيس حزب «كاديما» وأنهك بذلك حزب «الليكود» ووضعه في خانة الأحزاب الصغيرة.

وعلى الرغم من أن هذا السجال يعطي انطباعا أوليا بأن الرجلين فعلا على طرفي نقيض في مواقفهما تجاه القدس، إلا أن المتابع لأداء حكومة أولمرت وخاصة في وقائع مفاوضات «أنابولس» التي انطلقت في العام 2008 يعرف تماما أن أولمرت قدّم للجانب الفلسطيني رزمة من الاقتراحات في سياق التسوية المفترضة. لكن فيما يخص القدس بالذات كان الملف محالا للتفاوض لمدة 5 سنوات لاحقة عن ما يتم الإتفاق عليه بشأن القضايا الأخرى. كما يعرف المتابعون أنه عندما وضع أولمرت أمام ضرورة الوصول إلى «اتفاق رف» مع الجانب الفلسطيني قبل نهاية العام 2008 ، هرب من هذا الإستحقاق باتجاه شن عدوان واسع على قطاع غزة. وهو على كل حال لم يقدم تجاه القضايا الأخرى بما فيها الحدود والأمن ما يمكن أن يميز مواقفه عن مواقف نتنياهو الحالية بعد أن قدم فريقه خرائط تطالب فيها تل أبيب بنزول الجانب الفلسطيني عند رغبة إسرائيل في إبقاء سيطرتها الأمنية والعسكرية المباشرة على نحو 40% من مساحة الضفة دون القدس.

قبل ذلك بنحو ثماني سنوات كان رئيس الإدارة الأميركية في حينها بيل كلينتون قد اقترح صيغة للتسوية حول مدينة القدس وضعت ضواحيها الشرقية في سياق الإعداد كعاصمة للدولة الفلسطينية وإبقاء القدس بمساحتها الأساسية قبل احتلال العام 67 تحت السيادة الإسرائيلية، ومحاولة إرضاء الفلسطينيين بإعطائهم صلاحيات إدارية على بعض الأحياء ضمن المدينة بما لا يمس السيادة الإسرائيلية. ومع ذلك، لم يكن باراك بوارد الموافقة عمليا على هذه الخطة حتى لا يضع نفسه في مواجهة إجماع اليمين الصهيوني بما يمس مستقبل مدينة القدس.

وحيث لا مستقبل سياسيا لإيهود أولمرت، فإنه أراد أن يتلاعب بالألفاظ تجاه هذا الموضوع الحساس ويختلق قاعدة مزيفة للتقسيم بين شرق المدينة وغربها أساسها عدم الاعتراف بمسؤولية الاحتلال عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلها وليس فقط في شرق القدس، حيث موازنات التنمية الاجتماعية والاقتصادية تنصب حصرا في الأحياء اليهودية وفي تغذية الشبكة الاستيطانية وتدعيمها، فيما إغلاق فرص العمل وتدمير البنى الاقتصادية التحتية هما ضلعا زاوية في السياسة الإسرائيلية المتبعة تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67 كما اخوتهم في أراضي 48، وتؤكد هذا الاستخلاص الإحصاءات العديدة التي تبين استفحال الفقر لدى الفلسطينيين أين ما كانوا تحت الاحتلال. وهي مسألة لا تتناقض مع جوهر المشروع الصهيوني الذي أراد الأرض فقط مع أقل عدد ممكن من أصحابها الحقيقيين.

وإذا كان الأمر مفهوما بما يخص مستقبل القدس في الرؤية الصهيونية فإن ما كان يجب أن يكون حازما لدى الجانب الفلسطيني في سياق المفاوضات وخارجها هو التعامل مع موضوعة الدولة الفلسطينية المستقلة من زاوية اشتراط اعتراف إسرائيل بأنها دولة احتلال وبأن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة العسكرية عام 1967 هي الأراضي التي ينبغي الانسحاب منها لتقوم عليها كاملة الدولة الفلسطينية العتيدة. وهذا يعني حكما بأن القدس الشرقية هي من ضمن تلك الأراضي وبأن الانسحاب يشملها. وعندما نقول انسحاب الاحتلال فهذا يعني بموجب قرارات الشرعية الدولية أن يخرج منها المستوطنون وليس فقط قوات الاحتلال العسكرية مما يستلزم تفكيك بنية الاستيطان وترحيله. لكن إخفاء هذا الأساس المهم وضع الجانب الفلسطيني خلال المفاوضات أمام جدل عقيم يحاول من خلاله الاحتلال تعريف قاموس حدود الدولة وفق مصالحه التوسعية ومن خلال اعتباراته الأمنية.

إضافة إلى ذلك، عندما وافق المفاوض الفلسطيني على الخوض في بازار نسب تبادل الأراضي كان عمليا يقدم ترخيصا غير مباشر لبقاء الكتل الاستيطانية ومعها الأحياء اليهودية في القدس والمستوطنات التي تخنقها من جميع الجهات.

ما بين سجالاتهم حول توصيف مدينة القدس وتحديد مستقبلها، وبين الأداء الفلسطيني بما يخص مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة في تجربة المفاوضات العاثرة والعبثية، تنهض الخيارات الوطنية من زاوية إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري بما يضمن وحدة حقوق الشعب الفلسطيني وتكاملها، انطلاقا من حق تقرير المصير وحق العودة إلى الديار والممتلكات وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة على كافة الأراضي التي احتلت بعدوان 67 وعاصمتها القدس.. دون ذلك ينفتح بازار المساومة على الحقوق من أوسع أبوابه.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.