اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• دائرة مغلقة.. ولكن

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

 

 دائرة مغلقة.. ولكن

 

وضعت الإدارة الأميركية المفاوض الفلسطيني في دائرة ضيقة مغلفة بقرار منع مغادرة المفاوضات تحت أية ذريعة وإن كانت تتعلق بعدم تمديد فترة تجميد الاستيطان، لأن واشنطن بمعرض إيجاد حلول مقاربة لهذه المسألة تأخذ بنظر الاعتبار شروط نتنياهو وتقدم في الوقت نفسه للجانب الفلسطيني ما يمكن أن يبقيه مشدودا إلى طاولة المفاوضات.

في هذا السياق، كانت الاقتراحات الاعتراضية الإسرائيلية جاهزة فاقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي ما أسماه كبح التوسع الاستيطاني ودخل على الخط وزير حربه إيهود باراك مقترحا تأجيل تنفيذ العطاءات الاستيطانية السابقة وكلا الاقتراحين لا يعنيان مجرد الاقتراب من المطلب الفلسطيني المتعلق بالتجميد الكامل والشامل للاستيطان. ومع ذلك يعتقد المراقبون أن الجانب الأميركي سيقوم بعمل توليفة تتحدث عن ربط التوسع الاستيطاني بالآفاق التي يمكن أن يفتح عليها نقاش موضوعة الحدود.

فهل ينتبه المفاوض الفلسطيني إلى هذه المناورة أم أنه سيجد فيها مخرجا يعفيه مما لا يقصده.. مغادرة المفاوضات؟!

مع اقتراب الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة تكثف إدارة أوباما جهودها للإبقاء على مشهد المفاوضات المباشرة. وهي هنا تفسر بوضوح ما قصدته عندما قالت بأن إطلاق التسوية السياسية يعبر عن المصلحة الأميركية وهي غير مستعدة لتلاشي هذا المشهد مهما كانت الأسباب والاعتبارات. وربما كان نتنياهو وائتلافه الحكومي قد فهم هذه المعادلة بشكلها الصحيح وأدرك أنه في موقع يستطيع فيه أن يوظف كل مصادر القوة في الموقف الإسرائيلي من أجل تمرير شروطه وبالتالي يستفيد في تعزيز موقعه على رأس كل من الائتلاف الحكومي وحزبه الليكود. يضاف لصالح موقفه المساحة الواسعة التي تجمع ما بين موقفي تل أبيب وواشنطن تجاه قضايا عدة في موضوعة التسوية السياسية وآفاق الحل على صعيد الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وكذلك الأمر بما يخص ملفات إقليمية.

من هذه الزاوية يستفيد نتنياهو من التجاذبات القائمة بين الحزب الجمهوري و«الديمقراطي» على أبواب الانتخابات. وسبق أن تحركت مراكز قوى أميركية اعترضت على تصاعد التصريحات المتقابلة بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو وربما تكون هذه التحركات من أحد الأسباب التي جعلت إدارة أوباما تلتفت بضغوطها نحو الجانب الفلسطيني وهو «الأنسب» لاستقبال هذه الضغوط والاستجابة لها وهذا سيان بالنسبة لهذه الإدارة طالما أن مشهد المفاوضات وانعقاده هو هدف للاستهلاك المحلي والخارجي.

على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، وظف بنيامين نتنياهو مواقف كل من يمكن أن يصنف على «يمينه» من أجل تقديمه أمام الولايات المتحدة وغيرها كعائق جدي أمام الاستجابة لأية مطالب تتعلق بالاستيطان وكان هذا التوظيف محفزا لأطراف الائتلاف الحكومي فواصلوا التمسك بالبناء الاستيطاني حتى في ظل ما أعلن عن أنه تجميد للاستيطان وكان هذا يتكرر على أبواب أي لقاء أميركي ـ إسرائيلي بل وصل الأمر في آذار (مارس) الماضي إلى الإعلان عن عطاءات استيطانية في القدس خلال زيارة بايدن نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل.

ومنذ أن بدأ الحديث عن المفاوضات المباشرة بقي الموقف الإسرائيلي على حاله بشأن الاستيطان واعتبر نتنياهو أن ما قام به من إعلان التجميد لمدة عشرة أشهر إنما يشكل سابقة لم يقم بها أي رئيس حكومة سابق، على الرغم من معرفتنا بأن إعلان التجميد المذكور كان مجرد مبادرة إعلامية ليس أكثر لأنه تم استثناء القدس وما يسمى بدواعي النمو الطبيعي ومعها تنفيذ العطاءات السابقة، التي وصل عدد الوحدات المنجزة تحت هذا العنوان 3000 وحدة استيطانية. وبعد انطلاقة المفاوضات رفض بنيامين نتنياهو التهديد الذي أشهره المفاوض الفلسطيني بأنه سيترك المفاوضات في حال عدم تمديد تجميد الاستيطان معتبرا أن من يدخل هذه المفاوضات من غير شروط كما جاء في نص الدعوة الأميركية.. عليه أن يواصلها من غير شروط أيضا.

على المقلب الفلسطيني، من الواضح أن المفاوض لم يقرأ جيدا الأسباب الأميركية التي تفسر حماستها لإحياء التسوية السياسية وتعامل مع خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة باعتباره خطة عمل سياسية غير قابلة للتعديل ليأتي الموقف والأداء الإسرائيليين ليثبتا خطأ هذه القراءة. واستتباعا حافظ المفاوض الفلسطيني على سلة رهاناته على الوعود والتطمينات الأميركية متجاهلا ما ذكرناه عن المساحة الواسعة التي تجمع مواقف الحليفين إسرائيل والولايات المتحدة وخاصة تجاه قضايا رئيسية في الصراع تتعلق باللاجئين والأمن ومن ثم الاستيطان كما أثبتت الوقائع السياسية.

وبينما سجل للمفاوض الفلسطيني في وقت سابق أنه طالب بالوقف التام والشامل للاستيطان وأتبعها بتحديد مرجعية المفاوضات تراجع عن هذا الموقف ولم يتح المجال لباقي مكونات العمل الوطني الفلسطيني لكي تلتف حول هذا الموقف وتسنده وهو ما يجعلنا نستخلص بأن السياسة التفاوضية المعتمدة لم تصمم لكي يتم تطويرها بتوظيف العوامل الوطنية الأخرى على المستويين السياسي والجماهيري، لأن هذا يفتح على خيار أوسع يعاد فيه الاعتبار للمقاومة الشعبية واستنهاض عناصر القوة في الوضع الفلسطيني وهو أمر يخشى المفاوض الفلسطيني أو لا يريد بالأساس التعامل مع استحقاقاته.

إذاً، نجد أنفسنا أمام أدائين سياسيين مختلفين تماما حيث الاحتلال يتمسك بشروطه بكل ما يعني ذلك من إدامة لهذا الاحتلال بأشكاله المختلفة مفرجا عن كيان مجزوء تحت مسمى الدولة المستقلة، بينما الجانب الذي يجب أن يكون أكثر حرصا على التمسك بإقرار إسرائيلي بوجوب إنهاء الاحتلال، يتخلى عن هذا المطلب ويدخل بوابة المفاوضات بجميع مراحلها التي أدت إلى ما أدت إليه سابقا وربما تفتح الآن على نتائج أخطر بكثير.   

وعلى الرغم من وضوح الموقف الإسرائيلي بما يخص عناصر الحل وطبيعة الأداء السياسي الأميركي المنحاز له، فإن المفاوض الفلسطيني لا يزال يتوقع الاستجابة لمطالبه بشأن الاستيطان. ومع ذلك فإننا نرى وعلى اعتبار أن النقاش أصبح غير مجدٍ بما يخص دخول المفاوضات من عدمه أن الثبات على موقف الانسحاب من هذه المفاوضات في حال استمر الاستيطان أمر تفترضه الضرورة الوطنية. لكن هذا يستدعي أن يكون قرارا وطنيا وفي إطار الهيئات والمؤسسات الائتلافية والتزاما أمامها لا يتم الرجوع عنه تحت عنوان أية مقاربات التفافية أخرى. فهذا في حال حصوله يساعد المفاوض الفلسطيني في كسر الدائرة المغلقة التي وضع نفسه فيها وأحكمتها حوله الإدارة الأميركية وسيجد حوله وإلى جانبه أطراف العمل الوطني الفلسطيني الحريصين على إعادة الاعتبار للمشروع الوطني التحرري.

والأمر لا يتعلق فقط بالتجاذب حول موضوعة الاستيطان وتجميده جزئيا أو كليا، حيث البحث جار عما يسمى اتفاق إطار تذكر فيه القضايا الأساسية للصراع  كعناوين مجردة عن حلولها الوطنية وإحالتها إلى مدى زمني طويل حتى تتآكل بمرور الزمن ولا يبقى من اتفاق الإطار هذا ما يصلح للتنفيذ سوى ما تريده المصلحة الإسرائيلية في موضوعة الأمن ومستقبل الاستيطان بضم بنيته الأساسية إلى إسرائيل ورسم حدود الدولة الفلسطينية كنتيجة إجبارية للإيفاء بالاعتبارات الأمنية الإسرائيلية داخل الضفة وعلى حدودها، وإلى جانب هذا كله تشريع نهب القسم الأكبر من الثروات الطبيعية وبخاصة الخزانات الرئيسية للمياه.

ما جرى ذكره يستند إلى مؤشرات عبر عنها بوضوح الجانب الإسرائيلي ليس فقط في التصريحات السياسية بل في السياسة العملية منذ أن بدأ الحديث عن تسوية تتعلق بمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967.

الدائرة مغلقة.. ولكن لا يزال أمامنا مسرب للخلاص قبل أن يفوت الوقت وتتواصل هذه الخطوات التي لا توصل إلا إلى الهاوية.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.