اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• تحليل عرض مسرحي لمسرح الصورة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

باسل شامايا

 مقالات اخرى للكاتب

تحليل عرض مسرحي لمسرح الصورة

 

ضمن متابعاتي ومشاركاتي المسرحية في بغداد شاركت في عرض ممتع لمسرحية ( مكبث ) احدى روائع الكاتب الكبير (شكسبير) وذلك عام 2000 في باحة كلية الفنون الجميلة / قسم المسرح وعلى الهواء الطلق دون استخدام خشبة المسرح لتجسيد الاحداث المسرحية وبمشاركة نخبة من طلبة كلية الفنون الجميلة قسمي ( الاخراج والتمثيل ) وقد أبدع الاستاذ المخرج القدير صلاح القصب باخراجه حيث يعلم جميع متابعي المسرح العراقي ما له من رصيد ثر في الاعمال المسرحية التي قدمها على خشبة المسرح وتحديدا اخراجا وبرؤى صورية ممتعة .. فله باع طويل في هذا الأسلوب من المسرحيات التي يرسم رؤيته الاخراجية معتمدا على جمالية تلك الصور الرائعة التي يبدع في تكوينها وقد كان هذا العمل الشكسبيري المعروف من الاعمال التي تميز بها الدكتور صلاح القصب .نتوغل بعض الشيء محللين ولو بشكل مختزل هذه المسرحية التي اختار شخوصها كاتبها المبدع شكسبير ، ونتحدث عن الشخصية التي حدد (فرويد ) اهم العوامل المؤثرة في تكوينها ومن هذه العوامل : ( الكبت .. الغريزة .. مبدأ اللذة .. ) وغيرها من العوامل الكثيرة التي تتفاوت بين شخص وآخر. فنلاحظ مكبث مثلا ، هذا القائد الذي تمكن ان يحقق مجدا لنفسه حين مشاركته الى جانب الجيش كمقاتل ضد الغزاة في احدى المعارك ، وكان دفاعه المستميت احد الاسباب في دحر وتقهقر العدو ، لذلك منحه الملك ثقته واصبح ذو مكانة خاصة عنده ، فتم تعيينه اميرا لأحدى الاماراتن وبقرار ملكي .. وهكذا تحققت نبوءة من نبوءات الساحرات اللواتي يتنئن عن الحدث قبل وقوعه .. ان الساحرات ليست الا العقل الباطن لمكبث أي طموحه ، ولو ولجنا الى دواخل مكبث نجده طيبا غير شريرا بدليل انه تردد في قتل ولي نعمته ( الملك ) وبعد ان تورط في ارتكاب الجريمة قال :( لو انني مت قبل وقوع هذا بساعة) هناك بعض النقاد يقولون العكس من ذلك  :( ان مكبث قال ذلك وهو مع لينوكس ليبرر فعلته ويبعد الشبهة عنه ) . ويعززها بقول آخر : ( الافضل ان يكون في عداد الموتى ...! في كلتا الحالتين لم يكن راغبا في ارتكاب الجريمة لأنه يعلم ان ما يقوم به ليس خيانة ودناءة ، ولولا وجود بعض العوامل المؤثرة والمتداخلة خارج ارادته لما حدث ذلك . قلنا ان مكبث كان رجلا طموحا وازداد طموحه اكثر وكبر حينما حقق نجاحا في المعركة ضد العدو وادرك انه يتمتع بقوة وجدارة غير مألوفة وبات طموحه شهوة قادته الى سلوك غريب جعله عرضة للخطر ، لقد ادرك الابعاد السلبية للفعل الذي ينوي تنفيذه وعلى ما يبدو لا الطموح ولا نبوءة الساحرات كان يمكن ان تتغلب على ذلك الشعور لا سيما ان هناك قوة لمنع الغرائز الحيوانية التي تعبر عن دوافعه المكبوتة .. اما زوجته الليدي مكبث فنلاحظ فيها الاصرار والتشبث في تحقيق ذلك الطموح وهي ليست الا العقل الباطن لمكبث او ذاته اما هو فليس الا وجهها المرئي او ظاهرها . من خلال قراءتي النص الشكسبيري وجدتها غريبة في عالم شكسبير ، حيث اختارت طريق الشر للوصول الى ما في داخلها من العقد والكراهية لكل من حولها مستغلة الرابطة الزوجية بمكبث لتحقيق تلك المآرب اللامشروعة .كان هذا الاستعراض نبذة مختصرة لمسرحية مكبث التي اخرجها المخرج العراقي الكبير الدكتور صلاح القصب برؤيته المعاصرة مغادرا فيها النص الشكسبيري ، وكما ذكرنا آنفا لم يكن العرض على خشبة المسرح كما تعرض باقي الاعمال المسرحية بل في فضاء كلية الفنون الجميلة ، ذلك الفضاء المفتوح وبحضور متميز من جمهور المسرح ... بدا العرض بموسيقى ثم اضاءة وظهور مفردات وعلامات تمحورت من خلال رؤيته الاخراجية نذكر منها ك ( المقص الحديدي ، آلة الأطفاء ، برج مرتفع تقف عليه بعض الشخصيات ( ممثلين ) ، حاوية ، فأس ، ملابس بألوان متعددة ، دراجة نارية ، سيارات مختلفة الاحجام ، براميل ، بساطيل وغيرها من المفردات الكثيرة الاخرى مع حركات الممثلين التي ابدع المخرج في تحريكها . وجدت من خلال الاحداث المشوقة ان قائد العملية الاخراجية لم يبحث في العرض عن المحتوى والشخوص الشكسبيرية بل عمل وفقا لرؤيته التركيبية وذلك من خلال أهم نقطة وعلامة دالة تتمحور حولها الاحداث والتي هي ( الطموح ) وكذلك اسلوب ( ليدي مكبث ) في اقناعه على ارتكاب جريمة تلو الجريمة وفي نهاية المحصلة تقوده الى نهايته الحتمية باعتبارها العقل الباطن له وبدليل ارتدائها ثوبه الملطخ بالدم ، ذلك الثوب الذي التصق بها ، أما البقعة الضوئية التي كانت تطاردها اينما تذهب ، حاولت التخلص منها لكنها عبثا فعلت في محاولاتها فكانت تصرخ قائلة : زولي ، زولي ايتها البقعة . أما الطريقة التي قتل فيها الملك (دنكن ) فكانت بواسطة الفأس الذي قدم لمكبث داخل منديل احمر تناوله وضرب به جذع النخلة الشامخة في عطائها والتي ترمز الى الحياة ، وبعد عملية القتل يعلن الحداد بقطعة قماش سوداء تغطي الفأس ومكبث مع زوجته يرتديان ثوبا الجريمة الاحمر ، ولو كان لهذا التجسيد الصوري بعض الابهام والغموض لأن الفكرة لم تصل الى الكثير من الحاضرين .. علما انه كان هناك تمهيدا لتلك الفعلة الشنيعة حينما قام المخرج بتوظيف بعض اللوحات المتحركة من الصور المرئية والسمعية كسيارة تشييع الموتى ، وكانت الليدي مكبث تقود سيارتها وعربة حاوية تحمل مجموعة من الاشخاص يحدقون النظر كأنهم عيون شاهدة على الجريمة ، ويتصاعد دخان الحاوية مع تصاعد الخط الدرامي للصراع الى الذروة بشكل صور موزعة في الفضاء ، اما تمادي مكبث على ارتكاب الجريمة فقد تجسد من خلال ملاحقته ( لبانكو ) بالدراجة النارية وبعد ان دهسه اتى الرجل الشرير ليحمله في سيارته ثم يتصاعد الغضب من خلال : ( الهورنات ، اصوات البوق ، اصوات تتعالى ، جريمة وقعت ، افيقوا اقرعوا اجراس المدينة .. خيانة خيانة ....) . ويظل شبح بانكو يلاحق مكبث فصرخ بوجهه قائلا : أغرب عني ثم خاطب الليدي قائلا : الدم يطلب الدم وقد حاول محو آثار الجريمة حينما راحت الليدي تغسل السيارة والارض لأزالة آثار الجريمة التي وقعت هناك لكنها لم تتمكن من التخلص من غضب البقعة الملازمة لها رغم محاولة تجميل وجهها الا انها تبقى بشعة . وفي المشهد الاخير يبقى مكبث يدخل ويخرج من سيارته متوقعا نهايته فقال آخر كلامه : حسبي من العمر ما رأيت فطريق حياتي يهبط الى الكهف كأصفرار اوراق الشجر ، اتوقع اللعنات . وهكذا يرحل صلاح القصب مخرج المسرحية ببطلها مكبث الى عالم الجنون . ان الشيء الذي لفت انتباهي في ذلك العرض الممتع تهميش الحوار المسرحي الذي نعتبره عنصرا من عناصر العرض المسرحي وحينما سألت المخرج عن السبب اجابني : ان مسرح الصورة لا يعتمد على الحوار في تجسيد احداثه بل على الصورة المرئية التي ارسمها أنا ويجسدها الممثل .. هكذا وقبل اكثر من عشرة سنوات قضيت امتع لحظات مع عرض مسرحي لمسرح الصورة الذي ما زالت احداثه تطرق ذاكرتي .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.