اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• وداعا ابن القوش الممهور بحب الناس

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

باسل شامايا

مقالات اخرى للكاتب

وداعا ابن القوش الممهور بحب الناس

ها هي شجرة الأحزان تورق في بيت العم توما قاشا عندما قرعت أجراس رحيل ابنه البكر بعيدا بعيدا الى عالم موغل بالوحشة والظلام .. فراح القدر يكتب أول سطور لمأساة أسرة فقدت معيلها فألقى فقيدها برحيله ثقل الفراق الأليم على كيانها .. فمع اشراقة شمس 14 نيسان تهافت الناس من كافة أحياء القوش الى حيث منزل الراحل باسل توما قاشا للمشاركة بتشييعه الى داره الأبدي ، حيث وافاه الأجل بعد صراعه المرير مع المرض الخبيث ، فكانت تتجسد على وجوه تلك الجموع المتدفقة غمامات حزن ودموع ألم ووجع مكتوم بسبب فقدان من غادرنا ورحل عنا دون ان يمهله القدر اللعين وقتاً لوداع أقرب الناس الى قلبه ، ولده وبناته وشريكة حياته وأبيه الكهل الذي حفر الزمن تقاسيم الشيخوخة على وجهه وشقيقيه وشقيقاته وأقربائه وكل الذين أحبهم وأحبوه .. لا ادري يا صاحبي كيف استهل رثائي اليك .. أيا ايها المسافر الى متاهات العدم ، ماذا أقول وفي الأعماق أحزان وشجن ، لقد صعقني وهزّ مشاعري رحيلك ، فدعاني ان اكتب إليك مودعا إياك وأنت راحل الى عالمك الجديد،فتناولت قلمي لأشرع بكتابة ما يعتلج في صدري ، فأخذتني موجة الذكريات الى الماضي السحيق وتراءى لي أول لقاء لنا حينما جمعتنا اللجنة الفنية لنادي بابل الكلداني في بداية السبعينيات من القرن المنصرم ، ومساهمتنا بشكل فاعل في عروض مسرحية لأحياء تراثنا وفلكلورنا الشعبي ، ضمن نشاطات االلجنة الفنية الناشئة وعلى مسرح بغداد ، كمسرحية الأرض والحب والإنسان ومسرحية الحصاد وجسر آرتا ( كشر دلال ) التي أنجزها نخبة من المبدعين في اللجنة الفنية للنادي من أبناء وبنات القوش .. حيث كنتَ غصنا يانعا ممتلئا نشاطا وحيوية .. عرفتك حينها جاداً حريصا ومخلصا ودءوباً في أداء واجبك وأهلاً للمسؤولية التي كلفت بها .. وها قد مضى على تلك الأيام الجميلة قرابة أربعة عقود من الزمن ، دون ان تغير الظروف القاهرة من عطائك شيء .. بل بقيت كما أنت سخيا معطاءا محباً .. لم تفكر يوما ان تنال ثمنا لأتعابك وخدماتك الجليلة التي قدمتها دون مقابل ، بل كانت السعادة تتوغل الى أعماقك في كل خدمة تقوم بها حتى للغريب الذي لا تربطك به سوى أواصر الانتماء الى الوطن .. وكم سعيت بشكل جدي وحثيث ناكراً الذات ومتجرداً من الأنا لتحقق ما يطلبونه منك وهكذا حتى في أيامك الأخيرة وبالرغم من اشتداد المرض الذي راح ينخر بجسدك النحيف وفي أحلك الظروف لم ترفض طلبا للمساعدة بل كنت تلبي نداء من يطلبها منك ، فتتحمل مخاطر الوضع الأمني وصعوبة التنقل من مشفى الى عيادة والى صيدلية لتقدم تلك الخدمة التي يستنجد بك طالبها وبعد ان تنجزها تغمرك الفرحة والانشراح وكأن ذلك الانجاز يعود نفعه لك ولأسرتك .. لقد كانت الابتسامة لا تفارق وجهه والطيبة التي كان ينطوي عليها قلبه الكبير فإنها دوماً تمنح الدفء والحنان لكل الناس .. وكم كان محبا ودودا صاحب قلب رقيق وشفاف لا يعرف الزعل والخصام ، له نفسية خالية من كل ما يمت الى الكره والضغينة بصلة ، فان مساحة الحب التي كان يحتفظ بها في أعماقه لم تسمح يوما بأية عرقلة للانطلاقة الإنسانية التي كانت تصاحبه خلال حياته .. وأذكر هنا موقفا وللأمانة لابد أن أرويها .. فحينما كان راقدا في المستشفى لتلقي جرعة العلاج اتصل به طبيبه الشخصي وطلب منه إسعاف فتاة عمرها 17 سنة وهي بحاجة الى إبرة للمناعة وكان الطبيب يعلم ان الراحل يملك من تلك الابرة .. وبدون تردد قال له يا دكتور أرسل أحداً لأعطيه الإبرة .. علما أنها كانت الإبرة الوحيدة التي بحوزته فأستغنى عنها لينقذ فيها تلك الفتاة الصغيرة .. وعلى الرغم من المرض القاتل الذي رافقه قبل مدة طويلة ومباغتته له بين فترة وأخرى الا انه كان يقاومه بتفاؤله وإصراره وتشبثه بحب الحياة ولم يثنه يوما عن العطاء والأمل والعيش تحت كنف السعادة مع أسرته .. انه لم يبدي أي ضعف أمام ثماره .. بل كان دوما يبحث عن لحظات فرح حقيقية لهم.. لذا كنا نشاهده في كل حفل واحتفال ومهرجان ولا يجد سعادته الا حينما يشارك في الدبكات الشعبية ويشكل تشكيلات جميلة من خلال تلك الخرائط التي يرسمها خلال الدبكة .. أما في المجال الرياضي فانه لم يدع بابا الا وطرقه ولا سبيلا الا وقصده من اجل الحصول على حقوق نادي القوش الرياضي الذي انتمى اليه منذ تأسيسه عام 1972واصبح عضوا في هيئته الإدارية بعد إعادة تشكيله عام 2003 ثم شغل منصب رئيس هيئته الإدارية لعدة أعوام .. ولكن انهارت أمانيه في الآونة الأخيرة وأتعبته الأيام حين اشتداد المرض اللعين وراح يجثم على أنفاسه .. فعرف بان العلاج الذي كان يأخذه بين فترة وأخرى لم يعد له نفعا لعدم استجابة جسمه له .. فالمرض راح يغزو أحشاءه ويقف عثرة دون استمرار نبضه بالحياة .. وآخر شيء قاله لشقيقه بشار وابنه شاهر وهو راقد على سرير الموت أوصيكم ان لا يتوشح أحدا من أهلي وأحبتي بالسواد بعد رحيلي عنكم .. ولا بأس ان تذكروني ولكن ان كنتم ترومون سعادتي فحققوا لي هذه الأمنية .. وهكذا بدأ بالعد التنازلي مؤمنا بأنه مقبل الى فراق ابدي لأنه كان يعتبر الموت قدرا محتوما لا مفر منه ويؤمن إيمانا مطلقا بأنه حق على كل البشر .. يا لقساوة الموت التي تشبه قساوة الزمن المتمادي بقسوته وظلمه على وطننا وشعبنا الذي تحمل وما زال يتحمل مرارة الأيام .. فكم كان يتمنى أبا شاهر ان يعيش بعض السنين الأُخر لكي يمنح أسرته وابنته الصغيرة من الحب والحنان ولا تنحرم هكذا مبكراً من ترديد كلمة بابا وهي ما زالت زهرة صغيرة توها تتفتح .. كما كان يهفو لتحقيق أمنيته ان يكون على قيد الحياة ليعيش ذلك اليوم الذي يجد فيه ابنه الوحيد عريسا فتغمره الفرحة والسعادة .. ولكن الموت أطفأ هذه الآمال فأغمض عينيه ونام مودعا العالم وداعا أبدياًً.. وداعا يا صاحبي ولتعلم ان كنت قد رحلت بعيدا عن هذه الدنيا فان ذكراك ستبقى معنا دائما وأبدا .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.