اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الوفاء ماركة عراقية مسجلة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسن الخفاجي

الوفاء ماركة عراقية مسجلة

 

ثمة فرق كبير في المعنى بين الحنين والوفاء . في ارض منحت شعبها:حنين الطبع، ورخص الدمعة ، والإصرار على التواصل الاجتماعي ، وشيمة الوفاء . في بلد اسمه العراق ، في بقعة منه بين دجلة والفرات تزاوج الحنين والوفاء ، وشرب العراقيون جميعا نخب هذا الزواج !.

 

الحنين والوفاء ، لم يمنعا العراقي من ترك وطنه والعيش في المهاجر والمنافي ،بضغط من ضميره الحي الذي يرفض: الذل ،والضيم، والظلم على مر العصور .

 

استلمت في الفترة الأخيرة الكثير من الرسائل الالكترونية ،التي كتبها مختصون في إسالة الدموع ،وحشرجة الأنفاس ،والإيذان في البكاء، كل هؤلاء اجمعوا على: إيلامنا وزيادة حرق قلوبنا ،ودعونا إلى معايشة زمن مضى ،ومكان بعُدَ عنا ،وإنسان غادرنا إلى الحياة الأخرى ،أو عاش في بلده معلق بأهداب الأمل ،ما بين الموت وبين حياة بائسة محاطة بالأخطار ،والأمراض ،والعوز، وقلة الخدمات ،في بلد نفطي اسمه العراق !.

 

مادة هؤلاء ووقود دموعهم ودموعنا الحنين لتلك: الأزمنة ،والأمكنة ،والبشر ،لكن الحنين لوحده شرطي دون سلاح في معركة محتدمة سلاحها الوفاء .

 

من كثرة أسفاري ومعايشتي شعوبا كثيرة:عربية وإسلامية ،شرقية وغربية ، لم أر مثل العراقيين مبدعين ،عندما ابتكروا من الحنين والوفاء حالة عراقية خالصة ، عاشت تؤمه وتلبست مع أرواح العراقيين . نزفوا دما ،وسكبوا دموعا رخيصة ، فداء لكرامة الروح العراقية ، وتضحية لوطن ، لا تشبهه كل أوطان الدنيا في شيء.

 

لا اعمد إلى إحصائيات رسمية ، ولا اذكر أعداد عراقيي المهاجر والمنافي المصابون بأمراض نفسية ، وأصيب معظمهم بمرض اسمه الحنين إلى لعراق ،علاجه الوحيد التعفر بتراب الوطن !.

 

لا اذكر مقدار الدموع التي سالت وتسيل في المهاجر والمنافي في حضرة العراق ، وهي تؤدي مراسم الطواف في محراب حبه عن بعد . لا اعمد لتسجيل أعداد من اعتلوا بوفائهم للعراق مراتب شرف عليا ،تفوق مراتب سجلات غينس التي سجلت أسماء إخوتنا العرب الفائزين في مسابقات: صحون الحمص ، والتبولة ،والبقلاوة ، والتهام الأفاعي. لا اذكر حنين الغرباء ،ولا أحصي قصائد شوق الشعراء المغتربين ،ولا قصص المفجوعين ببعدهم عن العراق وهي كثيرة ، لكني سأكتفي بقصة من داخل العراق ، انه الوفاء الخاص بشعبنا ، هو ماركة عراقية مسجلة بامتياز.

 

انتقلت إلى رحمة الله قبل أشهر عدة ،السيدة زكية حرم السياسي العراقي الراحل عبد الرحيم كاظم السعداوي ،احد أعمدة الحزب الوطني الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي. انتقل المرحوم عبد الرحيم السعداوي إلى رحمة الله في العام 1965 ، وظلت زوجته وهي شابة محافظة على عهدها معه ،عاشت أرملة وتفرغت لتربية أولادها ، وخرجت أربعة منهم أطباء اختصاصيين ! نذكر منهم الدكتور فاهم عبد الرحيم أخصائي جراحة الأنف والإذن والحنجرة ،لم تنتهي قصة الوفاء لهذا الحد .

 

دخل إلى حسنية العادلي في الحارثية ،وهو المكان الذي أقيمت فيه مراسم العزاء الخاص بالمرحومة ،رجل مسن يتوكأ على عصاه ،وقد جاوز عمره التسعين عاما ، لم يعرفه احد من الحضور، بعد قليل توجه احد أبناء المرحومة ليسأل الرجل من يكون؟

 

فأجابه الرجل: "أنا هديب الحاج حمود صديق المرحوم عبد الرحيم ". استغرب أبناء المرحومة لوفاء هذا الرجل ،الذي انقطعت علاقتهم به قبل 45 عاما عندما توفى والدهم. فما الذي دعاه ليأتي بعد هذا الزمان كي يعزي ابناء صديقه وغريمه السياسي السابق؟

 

لا تجد إجابة لهذه الحالة ولغيرها من حالات مشابه إلا خصلة الوفاء العراقي .

 

للذين عاشوا ذلك الزمن الجميل والوفاء النبيل .

 

هديب الحاج حمود كان وفيا لنفسه ،ولأخلاق تربى عليها،ولعراقيته ،ولعلاقة أدمية جمعته مع صديقه المرحوم عبد الرحيم في مكان واحد ، وقضية واحدة ، وهي مصير العراق.

 

فكم نحن بحاجة لان يكون ساسة العراق اليوم بنفس درجة الوفاء ،لرابطة قديمة جمعتهم حينما كانوا صفا واحدا في مواجهة أعتى دكتاتورية حكمت العراق ، وان يستغلوا هذه الوقفة العظيمة السابقة لوحدة جديدة ، ووفاء جميل يجمعهم من اجل العراق ، ليضحوا قليلا بطموحاتهم الشخصية ، ويكونوا أمناء على مستقبل العراق ، وعلى أصوات من انتخبوهم ، لأنها أمانه ، ومن الوفاء صون الأمانة . أم أنني انفخ في قربة مثقوبة !!!.

 

الرجال العظام هم من ينتجون ويكتبون تاريخا عظيما وزمنا جميلا وليس العكس

 

حسن الخفاجي

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.