اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

حكاية ونَص... قَتلةُ الحلاجِ!// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

حكاية ونَص... قَتلةُ الحلاجِ!

محمود حمد

 

الحكاية:

كلما أمسك قلمي لارتحل بالخطوط ولتأخذني معها، اكون قد لامست مقصدي فيما ارسمه خلاف ما يراه الرائي، إنها ليست تعبيراً عن الأشكال والحركة والمتعارضات والتشابكات فحسب، بل أن ما احمله في روحي ورفقتي للخطوط هو التعبير عن الطاقة الكامنة في الأشياء لا أشكالها الظاهرة على سطح اللوحة، فانا شغوف بأن يشاركني الرائي الإحساس بتلك الطاقة غير المرئية، والتفاعل معها لإدراك بواطن الظواهر المرئية على سطح اللوحة.

 

فشعوري بأن الخط يأخذني بسحره إلى أسرار ما ابتغيه، يفوق إحساسي بأنه متحكم برحلة الخط على سطح اللوحة الصقيل، فانا اشعر بأن وراء الخط الرشيق نوافذ لا منتهية من التَفَكُّرِ، ومديات واسعة للخيال، وشغف متعاظم بقدرة الحلم الأزلي للعقل على الامتداد إلى الأبدية!

 

عندما يلامس القلم الورقة لرسم (الشفة) مثلاً، لا استطيع إلاّ أن ابتسم لطاقة البهجة الكامنة في الشفاه المرسومة على اللوحة، وعندما ارسم نخلة شاخصة، لا استطيع إلاّ أن اشعر بالحزن لانطفاء طاقة الأنين عند الحلاج مصلوباً عليها، وعندما ارسم تشابكاً للخطوط اللاّ منتهية المديات، لا يمكن إلاّ أن اسمع طاقة صراخ المكبّلين خلف القضبان!

 

منذ ان قرأت ما قاله الحسين بن منصور الحلاج:

     (النقطة أصل كل خط، والخط كلَّه نقطٌ مجتمعةٌ، فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليلٌ على تجلّي الحق من كل ما يُشاهَد وترائيه عن كل ما يُعايَن)!

عرفت أن ما يشعرون به في زمانهم المرير مثل زماننا، كان قد تحدث به الحسين بن منصور الحلاج قبل صلبه في 26 مارس سنة 922م، وقبل أن يُلقى في السجن تسع سنوات بتهمة الزندقة والكفر!

ثم يُقضى عليه بالقتل من قبل القاضي أبو عمر المالكي، ويأمر الخليفة المقتدر بإنفاذ الحكم!

فأُخرج "الحلاّج" من سجنه، وتم جلده ألف جلدة، ولما لم يمت قُطِعَت يده، ثم رجله، ثم رجله الأُخرى، ثم يده، وضربت عنقه، دون أن يتأوه، وأحرقت جثته، ولما صار رماداً ذري الرماد في نهر دجله!

وعُلِّقت رأسه وبجوارها يداه ورجلاه على سور السجن ليكون عبرة لمن يَتَفَكَّرْ!

سمعت حينها في آخر الليل طرقاً خفيفاً على النافذة وهمساً لم اعهده من قبل، وكأن الحلاج يستدعيني أو أنه يستنهضني لإخراجي من أسْر (النصوص المقدسة!) الملغومة بالإفناء والفناء!

فشعرت بقشعريرة تسري في بدني، وعاودت علي نوبة الحمى، فاستعنت بدفتري عليها وكتبت (النص):

 

قَتلةُ الحلاجِ!

محمود حمد

نحنُ في دولةٍ تَبيضُ غِربانَها جراداً...

يأكلُ الخيرَ والنُشوءَ...

يكبتُ الدفقَ في شرايينِ الرفضِ!

نحنُ من قومٍ يغرسونَ النَخْلَ كي يُصلبَ عليه "الحلاج...

والتِبغَ لفقء العيونِ بالسجائرِ!

والكَرْمَ لِرَجْمِنا خارِجَ الفردوسِ!

والقَمْحَ لاختبار صَبرنا على الجوعِ!

نحن من مدنٍ حافيةٍ يقطنُها السيّافونَ...

والطرقِ الموبوءةِ بالقحطِ...

حتى صارتْ ترسانةَ خوفٍ...

غابةَ موتٍ...

كمائنَ خطفٍ...

أمراءً للظلمةِ...

"مفسدةً" للمحتلينَ!

****

 لكنهم...

كُلَّما أشعلوا فينا ناراً...

أوقدنا فيهم عاراً!

وكُلَّما جعلوا أوطاننا توابيتاً فولاذيةً...

جَعلنا عُروشَهُم شواظاً متأججا!

****

كُلُّ اطوارِ بَطشِهِم عَجَزَتْ عن اقصاءِ:

فِكرِنا عن ضميرٍ يشحذهُ الجوعُ...

وروحِنا عن ارتشاف الشروقِ من حَلَكِ الظلمةِ...

وشفاهِنا عن تقديسِ الطفولةِ...

وعيونِنا عن وجهِ من نُحِبُ!

****

أنْبَثِقُ من رُفاتي. صاريةً...كُلَّما اقترب جُرحُكُم من جُرحي...

نَستحيلُ فَناراً...في حَلَكِ الهزائمِ، وحروب الطغاةِ!

نتبادلُ:

الجروحَ في مواسمِ القَصْلِ المتواترةِ...

والأوطانَ في دهورِ الغربةِ...

والأسماءَ في اللقاءاتِ الممنوعةِ...

والغيظَ في صحوةِ الشوارعِ...

والكلماتَ الخصبةَ في أزمنةِ الخطب المكرورةِ!

***

وطني...

كلماتٌ يألفُها الفقراءُ...

أقدامٌ عاريةٌ تنزفُ من مروحةِ الجلادِ...

أعناقٌ شاخصةٌ تَلْوي نَصْلَ السيفِ الأموي...

جوقةُ صبيانٍ عابرةٍ تَبصِقُ في وجهِ المُحتّلِ...

امرأةٌ ترفعُ هامَتَها في وجهِ الحُجُبِ السوداءَ...

لوحةُ فنانٍ ضاعتْ أخباره...

فلاحٌ يصنعُ من زهرةِ قطن فجراً...كي لا يقحم في وطنٍ من أسفلتٍ!

***

من الشرفاتِ المُطِلَّةِ على روحي...

أرمِقَكُم رفضاً وشروقاً...أنّا كُنتُم يا فقراءَ العالمِ في:

أقبيةِ التعذيبِ "الوطنيةِ"...

ساحاتِ الإذلالِ "الدولية"...

شِراكِ الإحباطِ "الثوريةِ"...

وَحْلِ هزائمنِا "التاريخيةِ"...

قبورِ الحرمانِ "القرويةِ"...

فصولِ الدرسِ "الجوفاء"!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.