اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• أهم أحداث وذكريات العام 1967

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 
محمد علي محي الدين

أهم أحداث وذكريات العام 1967

 

5 حزيران

 

الحدث الأهم والأكبر والأخطر في ذهن كل عربي وفي ذاكرة كل عراقي ووجدان كل حلي ، لقد اشبع الكتَّاب والباحثون والمؤرخون هذا الحدث توثيقاً وتعليقاً وتسجيلاً وتحليلاً وتفصيلاً من خلال كل ذلك اسرار التمهيد والتنفيذ وها نحن على امتداد أوطاننا واستسلام شعوبنا وطغيان حكامنا لازلنا كأوطان لا نجيد تحقيق الاحلام ، وكشعوب لا نميز بين السلام والاستسلام وكحكام لا نجيد صناعة الأفعال ولا صياغة الاقوال لا مع رعايانا ولا مع اصدقائنا ولا مع اعدائنا ، وكمثقفين لا نجيد نشر التوعية ولا تبصير الأجيال ولا توجيه الاعلام عدا القلّة من كل وطن ومن كل شعب ومن كل فكر هذه النماذج رفضت وتسلحت وقاومت فكوفئت بالاضطهاد والملاحقة والاعتقال من أبناء جلدتهم ومن مواطنيهم ومن حكامهم ومن اعدائهم ، ورغم مرور أكثر من أربعة عقود لم نصل في هذا الخضم المتلاطم إلى شاطئ اخضر ولا إلى سلام منشود ولا إلى امان دائم أو امن بحدود.

 

كنت آنذاك في بغداد أؤدي واجب الامتحانات الجامعية وكشباب استبشرنا في بدء الحرب بالانتصار الاكيد خاصة بعد اعلان الولايات المتحدة الأمريكية بأنها على الحياد في هذه الحرب ، وبعد الفضائح الاعلامية المتتالية المباشرة وغير المباشرة مثل : الباخرة (ليبرتي) في البحر الأبيض المتوسط تشوش على كل شيء في المعركة / جميع طيارات الجمهورية العربية المتحدة قضي عليها في مطاراتها وقواعدها واوكارها / انسحاب القوات العربية المسلحة إلى خط الدفاع الثاني / القوات الاسرائيلة تقضي على آلاف الجنود المصريين خلال انسحابهم غير المنظم فاقدين ارواحهم وكل ما يمتلكون من سلاح واعتدة وآليات ودبابات / بعد تحقق أهداف العدو طالب الجميع بوقف اطلاق النار أخوةً وأصدقاءً وأعداءً وتوقف اطلاق النار استجابة لتوسلات الاخوة وضعف الأصدقاء وشفقة الأعداء ، بعد انتهاء الامتحانات الجامعية لم تسعني بغداد بناسها الطيبين وشواطئها الخضر على الجانبين ، اجبرني الوجوم والانكسار على التوجه إلى حلتي الحنون ارضع من ثديها حليب التحمل والصبر والصمود والتحدي ، كانت ثقتي بمدينتي ليس لها حدود فهي الوحيدة التي تجيد العزاء عند المصائب والنكسات وهي الفريدة في امتصاص الحزن من اعماق الحزانى وهي السديدة في النصح والإرشاد والتوجيه لذلك قصدتها وارتميت في احضانها لانهل من حنانها وروائها وعطرها كل ما احتاجه بعد هذه الصفعة التي لم يكن يتوقعها أو يتحملها أو ينتظرها احد .

 

خريف (1967) موعد الحدث الحلي الأكبر

 

(الهروب من سجن الحلة)

 

عُرف الشيوعيون العراقيون بقدرتهم وبسالتهم وصمودهم وتنوع أساليب عملهم الوطني وتعدد سبلهم التنظيمية لضمان تواصلهم مع أبناء شعبهم لبلوغ هدفهم في حرية الوطن والمواطن وتحقيق العدالة والمساواة والحياة الكريمة للجميع .

 

من اجل كل ذلك كانوا يبدعون في التحدي ولاسيما في المنعطفات الحادة حين تتعرض قياداتهم وكوادرهم إلى اخطار التصفية أو ابقائهم في السجون والمعتقلات لمدد طويلة لا تقل عن عشر سنوات ، لذلك كانت تتكرر محاولات الهروب الفردية والجماعية ، ان نجاح اية محاولة للهروب تعتبر دعماً للتنظيم خارج السجون والمعتقلات وفشل اية محاولة لا تعتبر خسارة لان السجين أو المعتقل أصلا داخل القضبان لا يخسر سوى حريته الشخصية وهو قادر على تحمل فقدانها ، ولان عملية الهروب من سجن الحلة احتلت الصدارة في الاخبار والاعلام ولان وقت تنفيذها بعد عدة اشهر من هزيمة العرب في 5/حزيران نسج حولها العديد من التوقعات وكتب عنها الكثير من البحوث والتحليلات ، إضافة إلى حديث الشارع الحلي والعراقي الذي اعتبرها رسالة من الحزب الشيوعي إلى الأمة بضرورة تغيير الانظمة التي تسببت في هزيمتها .

 

سأحاول ان اعرض العملية متسلسلة من قرار التخطيط لها مروراً بتنفيذ أعمال الحفر وانتهاءً بنجاح العملية برمتها رغم مرورها بأخطر حدث في تاريخ الحزب وهو الانشقاق الذي اعلن رسمياً في 28/أيلول/1967 ولم يمض سوى اربعين يوماً على اعلانه لتنفيذ الهروب ولانه في صالح الطرفين اللجنة المركزية والقيادة المركزية فقد نجحت العملية (*) .

احببت قبل الدخول للتحدث عن العملية ذاتها عرض نموذجين لعمليتي هروب ناجحة وفاشلة وثالثة بينهما لتتعرفوا على نوعية وطريقة المحاولات التي خطط لها الحزب ولمرات عديدة .

 

1. محاولة ناجحة (*)

 

جاء في ذكريات (الرفيق المناضل معن جواد عضو لجنة الفرات الأوسط وعضو مكتبها) حول محاولة هروب مجموعة قرر الحزب هروبهم أثناء تسفير مجموعة للمحاكمة من المعتقل الصحراوي الأشهر (نقرة السلمان) كما يلي : (تسفر مجموعات للمحاكمة بين فترة واخرى ، في إحدى المرات كان ضمن المجموعة خمسة رفاق مقرر هروبهم ، وهم كاظم فرهود – متي – شاكر محمود – جبار من البصرة – ورفيق آخر – مهنة جبار ميكانيك اخذ معه (كتر) واخذ السجناء معهم برتقال زرق فيه مخدر عن طريق الابر وبشكل مركز ، في الطريق أعطي للشرطة البرتقال ولاكثر من مرة حتى ناموا ، قطع جبار المشبك بالكتر ، رمى الرفاق انفسهم واحداً بعد الآخر ، لم يتأذوا لان طريق السلمان رملي ، وصلت السيارة إلى موقف السماوة في البداية لم يشاهد الشرطة السيارة ، نادوا على السجناء واحداً بعد الآخر ، فعندما ينادى على اسم هارب كان احد السجناء يقول نعم !، بحيث لم ينتبه الشرطي المنادي ، وبعد ان لاحظ الشرطة الهوة في شبك السيارة ، عرفوا بأن بعض السجناء هربوا ، ادخلوا إلى الموقف ونادوا على السجناء واحداً بعد الآخر ، بعد ذلك تعرض السجناء حسب ما ذكروا إلى الضرب والشتم البذيء ، اعتقل الشرطيان اللذان كانا في السيارة ، ومن الهاربين الخمسة القي القبض فقط على كاظم فرهود) .

 

2. محاولة فاشلة (*)

 

كان في السجن (نقرة السلمان) رفيق اسمه وعد الله (**) عضو محلية الموصل رجل بمعنى الكلمة بسلوكه وتواضعه وحبه لرفاقه ، استدعي للمحاكمة ، التقدير عندما يصل للمحاكم يعدم ، لذلك عندما ذهب ودع وكأنه لا يرجع ، عندما وصل إلى موقف السماوة فكر بالهروب ، وبدأ يحفر الجدار من اجل الهروب ، كان يعمل في الليل بعد ان ينام الموقوفون واغلبهم من العاديين ، أكمل الفتحة في الجدار وحدد اليوم الذي يهرب فيه ، وإذا الصدفة السيئة قادت احد الموقوفين العاديين إلى الانتباه للفتحة فصاح بصوت عالٍ على الحراس ، فشلت المحاولة وعند ذهابه للمحاكمة في الموصل حكم بالاعدام واعدم وهو يهتف بحياة الحزب وسقوط الرجعية (***) .

 

(*) التحاق الهاربين من جماعة اللجنة بالتنظيم خارج السجن وفي طليعتهم عضو اللجنة المركزية الراحل (حسين سلطان صبي – أبو سلام) وكذلك هروب كل من عقيل حبش وجبار علي جبر=   =والتحاقهم في الكفاح المسلح في الاهوار من القيادة المركزية وكذلك المناضل والشاعر المعروف مظفر النواب

 (*) من مذكرات معن جواد غير المنشورة ص34 .

 (*) نفس المصدر ونفس الصفحة أعلاه ، (مذكرات معن جواد) .

 (**) وعد الله يحيى اخو حسب الله يحيى الملقب وعد الله النجار وحسب الله يحيى هو الكاتب الصحفي المعروف .

 (***) كنت قد تحدثت في الجزء الأول عن القناعات الفكرية التي ترسخت لدى المتنوع من الشباب الوطني وكذلك التصرفات والمواقف الشخصية السلبية والايجابية من قبل اعداد غير قليلة من الشيوعيين والقوميين والبعثيين حسب تربية الشخص العائلية ونيته الوطنية والظروف المحيطة به التي تجبره على تغيير الذات أو اتخاذ الموقف أو ادانة الجرائم أو الاعتراف بالخطأ أو القناعة بتغيير قيادة أو تصحيح سياسة كل ذلك تم خلال السنوات التي اعقبت انقلاب 8 شباط 1963 أو بعد 18تشرين أو بعد هزيمة العرب في 5/حزيران/1967 أو حتى بعد عودة البعث في انقلاب 17-30 تموز 1968 . وكمثال اعرض عليكم حلياً معروفاً بخلقه وعائلته والتزامه ووفائه لعلاقاته المبدأية والاجتماعية والشخصية فهو صديق ورفيق لاخي جاسم في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات يلتقون ويفترقون حسب عملهما التنظيمي سابقاً وعلاقاتهما الشخصية الحميمة والاجتماعية الصافية ورفقتهما كعضوين في المجلس الوطني الأول 1980 حيث حصلا على اعلى اصوات الناخبين آنذاك في بابل الا وهو السيد عزيز عبيس طعمة الحسيني والذي توطدت علاقتي به وصداقتي معه وزمالتي التربوية والنقابية منذ بداية السبيعينات ولحد الآن .

هذا الرجل (عزيز الحسيني) قد جمعته الصدفة بـ(وعد الله النجار) في سجن الموقف العام ولانه الشاهد الأمين ولانني عارف بمواقفه الإنسانية والوطنية والمهنية سألته ان يكتب لي عن علاقته بوعد الله فاستجاب لي مشكوراً برسالة خطية مؤرخة في 24/4/2009 مجيباً عن تعرفه ولقائه بوعد الله النجار كما يلي : (بعدما اشيع عن وجود مؤامرة لقلب حكم المرحوم عبد السلام عارف سنة1964 في 5/9/1964 تم استدعائي لبغداد ويومها كنت نزيلاً في سجن الموصل حيث كنت محكوماً لمدة خمس سنوات واودعت في موقف سراي بغداد وبعد انتهاء التحقيق تمت اعادتي إلى سجن الموصل وعند البدء بمغادرة الموقف بسيارة الشرطة قيدت مع احد السجناء بقيد واحد واخذنا نتبادل الاحاديث عند ركوبنا القطار حيث النقل بواسطته والذي يتحرك حوالي الساعة العاشرة صباحاً ويصل إلى الموصل عصراً ، وفي هذه الساعات الطويلة تعمق الحديث بيننا بعد ان تم التعارف وكان هو المبادر في ذلك حيث سألني السؤال التقليدي عن لقاء السجناء ، عن احوالي وظروف سجن الموصل ومتى تم اعتقالي لمعرفة انتمائي الحزبي اجبته بأن لا يتعب فأنا تم اعتقالي بعد ردة تشرين 1963 فقال تشرفنا وأنا وعد الله النجار شيوعي كنت في سجن نقرة السلمان والآن مطلوب بدعوى في الموصل ، تحدثنا كثيراً عن السابق عن الجبهة الوطنية وسبب انفراطها وكيف آلت الظروف إلى مجابهة البعض للاخر ويجب اعادة النظر بكل ما جرى وبحث اسبابه وتجاوز السلبيات ولا يمكن الخروج بعراق معافى الا بالوحدة الوطنية وها نحن جميعاً الخاسرون بينما القوى الرجعية هي الفائزة بعد ان حققت الاقتتال والعداء بين قوى الشعب الوطنية والديمقراطية والقومية ، كانت الاحاديث طيلة الساعات الطويلة بهذا الاتجاه وحقق ذلك قبولاً من كلينا متطابقاً إلى حد كبير بالافكار ، وعند وصولنا إلى الموصل تم نقلنا إلى احد مراكز الشرطة لايداعي بالموقف ونقلي صباحاً إلى السجن لان السجن لا يستلم السجين مساءً وعند قراءة الاسماء للدخول إلى الموقف تقدمت لدخول الموقف وانا احمل عدة السجن ومتاعي وهي عبارة عن كيس كبير وجودلية وبطانية ومخدة (يطغ) تقدم احد نزلاء الموقف واستلم مني متاعي مرحباً بي علماً اني لا اتوقع وجود احد=  =البعثيين موقوفاً هنا لان مكانهم في السجن أو موقف منعزل عن الشيوعيين لوجود حساسية بين الاثنين .

دخلت الموقف وإذا بي تستقبلني جماعة كبيرة ولم يسمحوا لي باستخدام فراشي واعدت لي مائدة للعشاء بالاكلات الموصلية المعروفة ومنها (الكبة الموصلية) بعد العشاء تم تكرار ما تحدثنا به في القطار مع المرحوم وعد الله ومع هذه المجموعة ومنهم عبد الرحمن جلميران وعادل دهوكي وغيرهم كثير وكان بعضهم مقيداً ومربوطاً بالشبابيك ، وفي الصباح وعند مناداة الحرس لاخذي إلى السجن تم توديعي من قبلهم توديعاً حاراً بالمعانقة والقبل ، وعلمت ان وعد الله هو الذي أشار عليهم باستقبالي بعد أيام علمنا بيوم تنفيذ الحكم بحق المرحوم وعد الله وكنا في قلعة مجاورة لغرفة التنفيذ وسمعنا الهتافات العالية من قبل المرحوم وعد الله بحياة الشعب العراقي والحزب الشيوعي العراقي ، وقد أَوْدَعَ المرحوم وعد الله خاتمه بعد ان نزعه من اصبعه وارسله إلى الاخ موفق عسكر وهو بعثي معروف من الموصل وطلب منه ان يكون هذا الخاتم ذكرى مودة بينه وبين موفق عسكر وعزيز الحسيني ، رحم الله الشهيد وعد الله النجار والرحمة لجميع شهداء الحركة الوطنية العراقية).

 

. تنفيذ حفر النفق

 

       لان عملية الهروب حقيقية ولان المنفذين متعددون ولان توثيق عملية الحفر قد بدأ توثيقها متأخراً ولان ذاكرة المنفذين مختلفة فمهما اختلفوا في تذكرهم وبالغوا في دورهم وفصلوا في كتابتهم أو حديثهم يبقى القارئ في انتظار المؤرخ والكاتب المحايد الذي يثبت الحقائق بعد التأكد من صحتها ومعقوليتها ودقتها ومقارنة بعضها مع البعض الآخر كي تبقى هذه الملحمة ناصعة واضحة جديرة بسلوكية الصبر والاصرار والتحدي التي كان يتمتع بها الشيوعيون موحدين أو متفرقين فالفصيل الذي خطط ونفذ واشرف على العملية منذ ولادتها كفكرة ومرورها بمراحل التخطيط والتنفيذ والنجاح فصيل مكافح يؤمن ليس بالحرية الفردية والجماعية للسجناء فحسب بل قصدوا وبكامل الإيمان تحقيق الحرية للوطن وللشعب .

 

       في الحقيقة لا يهم ان يكون طول النفق (14) متراً أو (20) متراً أو (26) متراً ولا يهم ان يكون عرضه (60) سم أو (75) سم ولا يهم ان يكون ارتفاعه ثلاثة ارباع المتر أو متر ولا يهم ان يكون مستقيماً أو متعرجاً لكن المهم والمهم جداً الالتزام بسرية العملية والتعب والصبر والسهر للمنفذين والقلق والمتابعة للمشرفين والتصرف والحكمة والسيطرة لقيادة اللجنة الحزبية في السجن ، لقد تصرف الجميع بمسؤولية عالية لتنفيذ المهمة وبابداع منقطع النظير للتصرف والتغلب على معضلة التخلص من تراب الحفر دون تمكن إدارة السجن وحراسه من التعرف على أي شيء طيلة أشهر الحفر .

 

       بمناسبة الحديث عن الحفر أو تنفيذ العملية التي بدأت في أواخر أيار أو بداية حزيران فان عدد السجناء الذين كانوا بالمئات حسبما ذكرت المصادر التي تعرضت لعملية الهروب تراوح العدد بين الثلاثمئة والخمسمئة وهذا العدد غير مبالغ فيه إذا اخذنا بنظر الاعتبار التنقلات المستمرة من والى سجن الحلة ، الذي أريد ان اثبته وأؤكده وأوثقه هو ان العملية اقتصرت على عدد ثابت دون تغيير هذا العدد مقسم إلى لجنتين : الأولى لجنة للتخطيط والمتابعة والاشراف واللجنة الثانية للتنفيذ (الحفر) والجميل ان الأشخاص بقوا منذ البداية إلى النهاية قبل الانشقاق وخلاله وبعده والاجمل ان كل واحد منهم يعتبر ان قضية نجاح المهمة قضيته الشخصية فوق أي اعتبار فلا فرق بينهم اطلاقاً لمعالجة اقل مشكلة وأخطر معضلة لا يستهين الذكي الحاذق بأي مقترح أو أية فكرة تصدر عن أي منفذ لأنه المحتك المباشر والمستمر مع الحفر والتراب الناتج عنه حتى الوصول إلى فتحة الحرية مهما بلغ من السذاجة والبساطة مادام ذكياً ومبدعاً في مهنته كعقيل حبش فهو الحداد والنجار والحفار أو الأستاذ الفنان المبدع كمال ملكي (كمال كماله) الذي وظف خياله وأحلامه وطاقاته الجسدية في خدمة العملية .

 

       وللتوثيق فان اللجنة الأولى (لجنة التخطيط والاشراف والمتابعة)

 

1. مسؤول اللجنة التنظيمية المحامي نصيف الحجاج والذي ظل عضواً في اللجنة بعد مجيء حسين سلطان عضو اللجنة المركزية منقولاً من (نقرة السلمان) وتسلمه قيادة تنظيم السجن .

2.    حافظ رسن .

3.    حسين ياسين .

4.    مظفر عبد المجيد النواب .

اللجنة الثانية (لجنة التنفيذ)

1.    عقيل عبد الكريم حبش (*)

2.    فاضل عباس (**)

3.    كمال ملكي (كمال كماله) (***)

4.    جدو (****)

 

غير هؤلاء التسعة لا يعرف أي سجين سياسي في سجن الحلة أية معلومة عنه سواء كان في قيادة التنظيم أو في القاعدة أو من الكادر المتقدم إلى ان تم اكمال النفق وتمت الاتفاقية للتنفيذ بين الجناحين جناح اللجنة المركزية وجناح القيادة رغم الخلافات التي كادت ان تفشل العملية برمتها(*****) .

 

3. ساعة الصفر ونجاح العملية

 

       في الثامن والعشرين من أيلول عام 1967 أي في اليوم الذي اعلن فيه الانشقاق بقيادة عزيز الحاج كان حفر النفق قد اوشك على نهايته قياساً لما تم انجازه وما تبقى الا القليل جداً حسب المخطط المرسوم ، ان انشغال اللجنتين المخططة والمنفذة لهذا الحدث الخطير أدى إلى التوقف مؤقتاً إلى درجة التصريح بالغاء العملية لكن الذي فرض الاتفاق والاستمرار في العملية هو حاجة الطرفين لحرية اسماء معينة وقد سبق هذا الاتفاق صدف عجيبة قادت الطرفين إلى الاتفاق رغم الظواهر العامة التي كانت تشير إلى تغلب احد الطرفين على الآخر عددياً وهو تغلب جماعة عزيز الحاج (القيادة المركزية) على (اللجنة المركزية) الا ان التصرف السريع لقيادة تنظيم السجن التي كانت مع اللجنة المركزية والتي بادرت إلى ما يلي :

 

أولاً : تشكيل لجنة جديدة بعد انسحاب اثنين منها والتحاقهما بالقيادة وهما (حافظ رسن) و(حسين ياسين) .

 

       أما اللجنة الجديدة فقد تشكلت من :

1.    حسين سلطان مسؤولاً للجنة .

2.    عبد الأمير سعيد .

3.    جميل منير .

4.    لطيف الحمامي .

5.    محمد النهر .

6.    صاحب الحميري .

 

ثانياً : الدعوة إلى اجتماع عام للكادر حضر الجميع الاجتماع وكانوا ثمانية عشر كادراً ونجح اللقاء رغم محاولات البعض افشاله وطرح فيه كل شيء واعطي الحق في الكلام في المجالات الفكرية والسياسية والتنظيمية هذه النقطة الأولى في الاجتماع ، أما الثانية فهي اعلان كل واحد قراره في اتخاذ الموقف الذي يتخذه هل هو مع الحزب أم مع الانشقاق والصدفة البحتة ان النتيجة كانت (8) مع الحزب و(8) مع القيادة واثنان رفضا اعطاء أي رأي بحجة صعوبة تحديد موقف دون اخذ الوقت الكافي .

 

       بعد ذلك طرحت فكرة عدم اظهار الانفصال أمام إدارة السجن وكانت المبادرة من حافظ رسن الذي كان في لجنة تنظيم السجن واعلن انتقاله إلى القيادة وطلب تشكيل لجنة مشتركة مناصفة لم تدم ، والقاعتان المجاورتان للنفق اتفق على ان تكون الجنوبية للحزب والشمالية للقيادة وكلا القاعتين ملاصقتان له .

 

       أما لجنة التنفيذ المذكورة في الفقرة (2) فقد التحق اثنان منها بالقيادة وبقي اثنان مع اللجنة المركزية فعقيل حبش وفاضل عباس مع القيادة وجدو وكمال ملكي مع اللجنة رغم اعلان حافظ رسن وحسين ياسين التحاقهما بالقيادة واضب حافظ للاتصال بحسين سلطان وابلاغه بتفصيلات الاستمرار في انجاز النفق واتفق الاثنان حسين سلطان وحافظ رسن على ابقاء سرية العملية والعمل كما كانت وعند التنفيذ يمكن الاتفاق على الكيفية والعدد (*) .

       كل ما تقدم جرى كله في الفترة أو الأيام التي اعقبت اعلان الانشقاق والاحداث رغم تصاعدها كان التنسيق بين الطرفين مستمراً وباعلى أنواع الالتزام والسرية والسرعة لانجاز العملية ، وبعد انجاز العمل تماماً واصبح النفق جاهزاً تم الاتفاق بين حسين سلطان وحسين ياسين على مبدأ اختيار خمسة من كل طرف كوجبة اولى ويتم الانتظار بعد خروج العشرة المتفق عليهم لمدة ساعتين يعقبها خروج من يرغب ، تم الاتفاق ان يسمي كل طرف اسماء الخمسة من اللجنة ومن القيادة وسمي العشرة كما يلي :

 

جماعة اللجنة المركزية

1.    عبد الأمير سعيد

2.    لطيف الحمامي

3.    جدو (العامل في النفق)

4.    حسين سلطان

5.    لم يتذكر اسمه كاتب المذكرات

 

جماعة القيادة المركزية

1.    حافظ رسن

2.    حسين ياسين

3.    فاضل عباس (العامل في النفق)

4.    مظفر عبد المجيد النواب (الشاعر)

5.    جاسم محمد المطير (الكاتب)

 

عند بدء عملية تنفيذ الانطلاق نحو الحرية من قبل العشرة اعلاه حسب الاتفاق وبعد ان حل الظلام حوالي الساعة الخامسة والنصف من ليلة (7) اكتوبر بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة اكتوبر الاشتراكية فوجئ العشرة بامتلاء الغرفة الضيقة بسبب اكياس التراب المكدسة فيها إلى سقفها بعشرات السجناء المتدافعين دون ضبط ودون نظام ، وكما نعرف ان العشرة الأولى متفق عليها أصبح الجميع أمام الأمر الواقع فالطريق إلى الحرية مفتوح والمسافة قصيرة جداً انها امتار والنفق سالك ومبطن ومنور .

 

كانت فتحة الخروج من النفق في الكراج (كراج ديكان الدرويش) مناسبة جداً إذ انها لا تبعد سوى متر واحد من سياج السجن وأمام الفتحة أكثر من سيارة متوقفة في الكراج تحجب رؤية الخارجين من الفتحة (الهاربين من السجن) رغم عددهم الكبير ، قبل الانشقاق كان المخطط الموضوع لعملية الهروب من قبل اللجنة المكلفة بالتخطيط بأهمية توفير الحد الممكن من الضمان في كراج السيارات، واتفق في حينها على تدارس ثلاثة حلول وتفصيل احدها بعد التأكد من إمكانية تنفيذه والحلول الثلاثة التي طرحت هي كالآتي :

 

1. تضع المنظمة الحزبية في الحلة خطة لايجاد علاقة مع حارس الكراج وتوطيدها وبعد الاتفاق على موعد تنفيذ الهروب تفتعل المنظمة مناسبة لجلسة (شرب الخمرة) في الكراج متزامنة مع تنفيذ عملية الهروب حتى يتم الاطمئنان على انشغال الحارس بالخمر والسمر بعيداً عن الانتباه للخارجين من النفق .

 

2. تقوم المنظمة الحزبية في الحلة بتمثيلية من قبل ثلاثة رفاق اثنان منهم يلبسان ملابس شرطة والثالث بهيأة مفوض أمن ، يأتون إلى الكراج في نفس الوقت المحدد لتنفيذ عملية الهروب يأخذ (مفوض الأمن) الحارس إلى غرفته للتحقيق معه حول سيارة (وهمية) تحمل أموالاً مهربة خرجت من الكراج وواجب الشرطيين (الرفيقين) واحد منهما يمسك باب الغرفة التي يتم التحقيق فيها والثاني يمسك باب الكراج لمنع دخول أي شخص واثناء التحقيق تبدأ عملية الهروب .

 

3. استعمال مخدر (بنج) عن طريق زرقه بابرة والتخدير يتم لمدة من الوقت يتم خلاله تنفيذ عملية الهروب يكون الحارس فيها غائب عن الوعي .

 

حتى الكلب الموجود في الكراج قد وضعت خطة لاسكاته ، لكن حدوث الانشقاق وتداعياته ادت إلى الحالة التي اجبرت الكل على واقع غير متوقع فالحارس المسن البسيط اصابه المس لاعتقاده بخروج الجن من الأرض والكلب المرعوب من هذه الحالة ونباحه المتواصل بل حتى الهاربين الذين لا يعرفون الحلة وجغرافيتها وشوارعها وازقتها لأنهم من مدن عديدة كبغداد والموصل والبصرة والناصرية والنجف والعمارة والكوت ودهوك والحلة ، ولان الانشقاق اثر كثيراً على مجريات العمل في النفق وتأمينات التنسيق بين داخل السجن وخارجه ولذلك أصبح التصرف الفردي لكل هارب هو المعوّل عليه في نجاحه أو فشله ، فمنهم من أنقذته الصدفة ومنهم من تصرف بذكاء وحنكة وشجاعة ومنهم من احتضنته الأيادي الأمينة والمحبة للحركة الوطنية وللحركة الشيوعية بشكل خاص إضافة إلى استنفار التنظيم الحزبي لتقديم العون بكل انواعه للهاربين ، ان الموقف الايجابي لابناء مدينة الحلة لاحتضان وتعضيد ودعم الهاربين محفورة في ذاكرة الأحياء منهم ، والحقيقة ان الانبهار بنجاح العملية جعل الأهالي (أهالي الحلة) يتعاطفون ويقدمون المتنوع من التعاون منهم من أسهم في الاخفاء ومنهم من اتصل بالتنظيم الحزبي للتصرف ومنهم من قدم ما يتمكن من المال ومنهم من استجاب للتعريف بالطرق الآمنة أو المناطق التي يسيطر عليها الشيوعيون ، وهذه نماذج من المواقف التي خدمت ونجحت في انقاذ العديد من الهاربين بغض النظر ان كان مع اللجنة أو مع القيادة .

 

بطل هذه المواقف الصديق سامي عبد الرزاق ملا إبراهيم كان آنذاك في قيادة المنظمة الحزبية في الحلة (*) لما يمتلك من الأصالة والشجاعة ودماثة الخلق وسرعة الاستجابة ودقة التصرف .

 

1. قامت (منظمة عنانة) باخفاء مجموعة من الهاربين في حفرة عميقة وبعد ضيافتهم في تلك الحفرة تم اخبار الرفيق سامي عبد الرزاق (*) (أبو عادل) من قبل الرفيق نجاح مسؤول منظمة عنانة آنذاك بعد أسبوع من عملية الهروب وتم الاتفاق على نقلهم من عنانة إلى قرية (البو شناوة) ، وبعد اعلام الرفيق الشهيد كاظم الجاسم (أبو قيود) عضو منظمة الفرات الأوسط بموضوعهم وحصول الموافقة تم نقلهم بسيارة التنكر العائدة للرفيق سامي عبد الرزاق والتي سجلت باسمها العديد من الخدمات الجليلة لمنظمة الحزب في مدينة الحلة قبل وبعد انقلاب 8 شباط 1963 .

 

2. موقف ثانٍ مزدوج يتعلق بشاب من أهالي الموصل اسمه (صفاء) وهو طالب في الخامس الاعدادي ومحسوب على القيادة المركزية كان قد لجأ إلى بيت من بيوت أهالي الحلة كان ذلك في اليوم الثاني لعملية الهروب والبيت لا يبعد كثيراً عن موقع سجن الحلة ، كان المؤتمن على اخفائه الشخصية الحلية المعروفة السيد عزيز الحسيني والسيد عزيز كان قد خرج من السجن إذ حكم عليه بالسجن خمس سنوات وفي السجن وبعد اطلاعه على العديد من المواقف السلبية والطائفية لدى البعثيين تغيرت في داخله العديد من القناعات ووجد في وقتها ان طريق البعث السوري هو الصحيح وان القوى الوطنية بحاجة ماسة إلى التعاون والتآلف والتوحد كما كانت قبل ثورة 14 تموز ولذلك احتضن هذا الشاب وتعاون مع منظمة الحزب الشيوعي في الحلة لانقاذه ، وتصرف بارسال شخص امين يتمتع بثقة الطرفين وهو (وليد ماجد محمد امين) إلى سامي عبد الرزاق (أبو عادل) ليترتب لقاء في بيت السيد عزيز تم اللقاء واتفق على ترتيب نقله إلى مكان آمن تمهيداً لنقله إلى أي مكان يرغب ، على ان يأتي أبو عادل بسيارة صباح اليوم التالي ، ولان الشاب من القيادة المركزية وأبا عادل من اللجنة المركزية فان الشاب صفاء رفض الالتقاء بأبي عادل فتصرف السيد عزيز بإعطاء السجين الهارب بدلة ومبلغ من المال وقام بايصاله إلى طريق آمن طريق (النبي أيوب) مجتهداً التقاءه بجماعة الرفيق كاظم الجاسم (أبو قيود)، وعند التزام الرفيق سامي (أبو عادل) في صباح اليوم التالي إذ جاء بسيارة غير معروفة من سيارات احد اصدقاء الحزب وعند طرق الباب خرج السيد عزيز واخبره بموقف الشاب وموقفه هو فما كان من الرفيق سامي عبد الرزاق (أبو عادل) الا ان يشكر السيد على موقفه مصافحاً اياه قائلاً له : (لن ننسى هذا الموقف في حماية رفاقنا) . أرسل بعدها الرفيق (أبو عادل) رسالة إلى (أبو قيود) يعلمه بتوجه احد الهاربين من المنشقين اليكم طالباً تقديم المساعدة والالتقاء به وتهيئة كل السبل الكفيلة بتأمين سلامته ، فعلاً شكلت مفرزة بقيادة الرفيق (عبد زيد نصار) استطاعت ايجاده والالتقاء به وتم انقاذه باخفائه لعدة أيام وبعد انقطاع الطلب عن الهاربين استطاع الذهاب إلى حيث يريد (*) .

 

3. من مفارقات عملية الهروب هي استجابة المنظمة الحزبية في مدينة الحلة إلى طلب مدير سجن الحلة باعتباره مطلوباً للتحقيق والمساءلة والذي كان قد لجأ إلى بيت عم الرفيق سامي عبد الرزاق وهو الحاج عبد الله الملا إبراهيم الذي كان صديقه ، استجاب الحاج عبد الله لطلب صديقه بذهابه إلى ابن أخيه سامي وطلب منه ان ينقله إلى خارج الحلة بسيارة (الدوج) العائدة لسامي حتى لا يفكر رجال الشرطة بحثاً عن مدير السجن ، وقد تم فعلاً انقاذه بنقله خارج مدينة الحلة (**) .

 

بعدما تقدم أرجو ان أكون قد لملمت ما يستحق لعرضه عن عملية الهروب الأسطورية التي في رأيي تنتظر المزيد والمزيد من الكتب والتفصيلات والآراء والحقائق حتى تكتمل صورة العملية أمام التاريخ والناس.

 

لذلك سأختم هذا الحدث الذي عنونته (الحدث الحلي الأكبر) بالتصريح الذي اصدره مدير السجون العام حمدي سعيد بعد العملية مقتطفاً منه ما يؤكد الحقائق التي عرضت والتي سجلت ووثقت بقلم ولسان المخططين والمنفذين والمتابعين من الهاربين أمواتاً وأحياء .

 

أما المقتطفات التي سأوردها فهي مؤشر واضح على الحياء والخجل والخيبة والفشل التي هزت المسؤولين من اكبر رأس حتى الرأس الاصغر في اجهزة السلطة واجهزة السجون .

 

قبل توثيق التصريح الصادر من مدير عام السجون لابد من وصف موجز مكثف للحالة بعد اكتشاف الحدث أو الخبر ، بدأ اطلاق الرصاص في الهواء بعدها قام السجانون بالهجوم على الكراج ومسك الفتحة وتطويق الموجودين في الكراج والقاء القبض عليهم ثم اخبروا سلطات المحافظة نزلت بعدها قوات حامية الحلة العسكرية وطوقت المدينة واصدر أمر بمنع التجول ، اوقفوا في تلك الليلة آلاف الأشخاص من أبناء الحلة ولكنهم لم يعثروا الا على عدد قليل من الهاربين ، ثم استلم الجيش مقاليد الأمور في السجن (*) .

 

في ذات الليلة يقال ان رئيس الوزراء (طاهر يحيى) توجه بعد سماعه الخبر إلى الحلة والى سجن الحلة بالذات شاهد بأم عينيه غرفة النفق والقطعة المكتوبة على باب الغرفة (ممنوع الدخول) وشاهد اكياس التراب الملتحمة بالسقف دخل النفق وشاهد انارته بالكهرباء ، وعند خروجه من الفتحة رغم بدانته المعروفة صاح بغضب وعصبية فاقداً الصبر والاتزان ، آتوني بهذا (الـ......) مدير السجن والمأمور وكل جهازهم ثم مردداً : أين كانوا .... نائمين ؟

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.