اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• علي الشبيبي أديبا ومناضلا وأنسانا (2)

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد علي محي الدين

علي الشبيبي أديبا ومناضلا وأنسانا (2)

 

       عاش الشاعر علي الشبيبي أذيال الفترة المظلمة وبدايات انتعاش الحركة الفكرية ومجاراتها للنهضة العربية، وكانت النجف في حينها مدينة علمية أدبية تميزت عن الحواضر العراقية   باهتمامها بما يستجد في عالم الفكر والأدب،وتصلها الأدبيات والنشريات الحديثة عن طريق الطلبة العرب والأجانب أو الوراقين الذين عرفوا بعلاقاتهم مع دور النشر العربية لذلك كان شبابها يتطلعون  للعلوم العصرية فكانت المقتطف والرسالة والعرفان وغيرها من المجلات المهتمة بالحداثة يتداولها الشباب المتطلع للجديد ولا نعدم رجال دين وطلبة روحانيين يتأبطون كتب شبلي شميل ودارون وروسوا وسبنسر وسلامة موسى والكواكبي وعلي عبد الرزاق وغيرهم من أعلام النهضة،وعبر   بعض رجال الدين الشبان المنحدرين من العوائل العاملية "الّذين درسوا في النجف عن مواقف القطيعة مع التقاليد إلى درجة إن قسماً منهم كهاشم الأمين بن محسن، أو حسين مروة خلعوا العمامة وانتسبوا إلى الحزب الشيوعي بينما حرص القسم الآخر من هؤلاء على بقائهم في المؤسسة الدينية، لقد كانوا منجذبين للأفكار العصرية. وفي عام 1925م أنشأ هؤلاء الشبّان جمعية أطلقوا عليها اسم "الشبيبة العاملية ـ النجفية" تهدف إلى رقي العلوم وتجديد الأدب ومحاربة التقليد الأعمى. وقد ابتعدوا بعض الشيء عن نظام التدريس وشرعوا بنقد مَن درّسهم، والبحث عن قيم ومقاييس أدبية جديدة. وقد كانوا متأثرين للغاية بالمؤلفين المصريين: طه حسين، محمّد حسين هيكل، أحمد أمين، العقاد، وأحمد شوقي بالنسبة للشعر.في سنة 1928م كان علي الزين وجهاً مهماً في هذه الحركة، وقد اضطّر إلى ترك النجف لأسباب صحية، أما من بين مَن بقوا فنذكر حسين مروّة وهاشم الأمين، ومحمّد شرارة وابن عمه محسن شرارة ..وقد نشر أعضاء جمعية الشبيبة مقالات وقصائد في الصحف والمجلات العراقية كـ "الهاتف" لجعفر الخليلي، اضافة إلى "العرفان". وكان في هذه الجمعية ثلاثة من الشعراء العراقيين هم: عبد الرزاق محيي الدين وصالح الجعفري ومحمّد صالح بحر العلوم."

 

 وأثار هؤلاء الشباب موضوعة أصلاح الدراسات الدينية ،وتجديد نظم التعليم وإضافة الأفكار العلمية الحديثة وتجاوز الطرق التقليدية التي لم تعد تجدي أو تواكب العصر،ووقفوا بالضد من الممارسات الخاطئة في عاشوراء وما لها من آثار سلبية على نمو الوعي والتطور،وأطلق على هذه المجاميع الرافضة للقديم نعوت شتى حتى وصلت الأمور لتكفيرهم ووصل الغضب بالأوساط الدينية المحافظة الى أباحة دمائهم وصارت هذه الأمور تجلب انتباه  الكثير من المعممين الشباب،وكانت الثلاثينيات بداية لفرض "إرادة الإصلاح نفسها. وظهرت مقالات في مجلة الهاتف موقعة من صاحبها جعفر الخليلي أو من حسين مروة، أو محمّد شرارة، أو محمّد حسن الصوري، وغيرهم. وفي عام 1937م نادى علي الزين بدوره بالإصلاح في النجف والّذي كان في اعتقاده سيفضي إلى إنهاء الفوضى في الدراسة سواء من ناحية المدارس وكتب التدريس أو من ناحية الأساتذة والطلبة والاجتهاد والتقليد. فكان من الضروري لتحقيق كل ذلك إعادة تنظيم المدارس بأسلوب منهجي وصياغة جديدة للبرامج وكتب التدريس والتعاون مع الأزهر بهدف تحقيق الانسجام بين المؤسستين" فتأسست جمعية منتدى النشر لتكون بديلا للأنظمة التعليمية البالية التي عليها الدراسة الدينية في النجف وكان الشبيبي ضمن هذا الرعيل الثائر على القديم النزاع للجديد الذين تبناه الأدباء العرب في النجف بما فيهم النجفين القادمين من جبل عامل بدعم من العلامة محمد الحسين كاشف الغطاء الذي كان دعامة للتجديد والتطور في الأفكار والتوجهات الدينية مما جعل له أعداء من أصحاب القديم البالي زاحموه على الزعامة الدينية رغم تفرده وتميزه عليهم بالكفايات والمؤهلات ولكن طبيعة الاختيار المفروضة من الخارج كانت وراء تنسم الآخرين لمقاليد الزعامة الدينية لحسابات لا تتعلق بالأعلم بقدر تعلقها بمتطلبات السياسة وطبيعة ارتباطات هؤلاء.

 

 لذلك كانت النجف محل حراك فكري أنتج رجال دين متحررين وشعراء تقدميين  بتوجهاتهم الفكرية البعيدة عن الانغلاق والجمود،فكان الشبيبي وسط هذا الحراك ميالا بطبعه نحو  التجديد والتحرر من أسار القديم سواء في الأساليب أو الأفكار،فكان للشعراء الشباب ثورتهم المعروفة وانطلاقتهم الرائعة لمسايرة ما أستجد في عالم الأدب،والانسلاخ عن الطريقة القديمة في بناء القصيدة العمودية،كما هو ديدن الشعراء في الوقوف على الأطلال ومناجاة الأحبة وهو ما يعرف بالمقدمات للدخول في صلب القصيدة،فقد كان الشعراء في تلك الفترة بحاجة للتنفيس عن مشاعرهم وأرائهم ،فكانت حلبات الشعر ومحافله مجالا رحبا للتعبير عن أرائهم وأفكارهم.

 

 وقد شارك الشيخ علي الشبيبي في صباه بمناسبات أخوانيه كثيرة كانت قصائده فيها لا تتجاوز الأطر التقليدية للقصيدة العربية إذ يقول في مقدمة  قصيدته "خواطر عاشق" ألقيت في حفل زواج الشيخ حسن ابن الشيخ علي الخوجه وهي الثالثة من بواكير نظمه إذ كانت الأولى في تهنئة لشاب ،والثانية تهنئة بزواج أستاذه الشيخ محمد طاهر عصفور،ونلاحظ أنه حذف منها ما يتعلق بالتهنئة والمقدمة الغزلية.

 

 وفي قصيدته "نفثه ألم" التي ألقاها بمناسبة زواج الشاعر نوري شمس الدين، اكتفى بمقدمتها الغزلية وأهمل القسم الخاص بالتهنئة،ومنها المقطع الذي أشار إليه في المقدمة وهو في مديح الشاعر المهنئ ومطلعه:

 

شعرك اليقظة فكن  ظل من    صار يرنوه بطرف  الساهر

 

قل لمن يجحده ما حط من      شرف القرآن مجد الكافر

 

وهذا ما نجده في قصيدته "تركتك" التي أثبت مقدمتها وأهمل ما يتعلق بالمناسبة.

 

 وبعد أن أستوي عوده وأخذ نهجه المعروف في الحياة،أنصرف لكتابة الشعر بعيدا عن المناسبات فكانت نجواه  وآلامه ومعاناته وتطلعاته تطرز قصائده التالية وتعبر أحسن تعبير عن نزعاته ونزغاته وتوجهاته الفكرية،فأجاد في غزلياته المعبرة عن معاناته في واقع الحياة فتراه راهبا متبتلا في محاريب الحب،يناجي أطياف الأحبة  بالرقيق من الشعر والبديع من المعاني والجميل من الصور ، في بعضها سباقا لتوليد الصورة الجديدة أو توليف صورة أجمل بارعا في تضمين قصائده بروائع الشعر العربي ،وكانت هموم الجماهير ومعاناة الفقراء واضحة جلية في  الكثير من قصائده،وما أن استقام له الدخول في عالم السياسة واختيار الطريق الأنسب لمسيرته في الحياة حتى أصبح لشعره نكهته الخاصة وتوجهاته الوطنية المعروفة.

 

 وكانت ملهمته ليلى ماثلة في الكثير من أشعاره فتراه مناجيا لأطيافها ،ساعيا لوصف مواطن الجمال فيها،شاكيا البعاد عنها ،متعللا بالقمر الزاهر والمساء الجميل ليأخذ خياله طريقه للوصول إليها،فكانت قبلة مناجاته وهو في المشخاب أو الغراف أو غيرها من المدن ،لا تفارق خياله في سفر أو حضر ،في ليل أو نهار،يراها تتسلل مع خيال القمر ،وتنطق مع أغاريد الوتر:

 

عييت عن شرح حبي   والعود أفصح عني

 

فأن رأيت دموعي    تجري أستمر ودعني

 

مثل بعزمك خلي   كأنه يشتكي لي

 

من جور من حال بيني  وبينه عن ذحوّل

 

 وقصة حبه الحقيقية ومعاناته تراها متسلسلة في شعره وتنتهي بشكواه لوالده:

 

أبي. إنما أشكوك بثي ولوعـتي                فهل لك أن تصغي إليّ وتسمـع

 

أبي. هالني ما قد لقيت وهـدني                وما عاد في قوس التصبر منزع

 

أطاح بقلبي طائر الحب والهوى                 فكيف ترى أني أقر وأهجـــع

 

أبيت لــياليّ الطوال مبلبلاً                       وما مسعد إلا حنين وأدمـــع  

 

 

 

وقصائده الاخوانية فيها الكثير من الوقائع المعبرة عن تجليات المجتمع  من صدق وإخلاص وخيانة وجفاء وقصيدته سمعا أخي صورة عن جميل العلاقة التي كانت تربطه بالراحل مرتضى فرج الله فهو يبثه شكاته ويسره بنجواه ومن وفائه لهذه الذكرى يشير في الهامش كان من خيرة الأصدقاء ولكن للأسف انقطعت صلتي به وقد أصبح طي اللحود،على أي حال أني أحن إليه رغم هذا فهو رفيق الطفولة والشباب"ومحض الوفاء جعله يتناسى ما جد من شجون في هذه الصداقة ليبقي على الجانب النافع منها:

 

أ أخي يا من لم أجـد          عونا سواه على السنين

 

أنت الوفي وما سواك           وجدت لي خلا أمين

 

كم محنة صبت عليّ            دفعتها بحجا رصــين

 

وملمْةٍ لولا حجاك               لكنت شر الهالكـــين 

 

والسجن تجربة جديدة على الشاعر فليس السجن مكانا يستطيع أن يأخذ من الشاعر نزوعه للتحرر والانطلاق فهو ميدان جديد يصقل التجربة ويغنيها بصور شتى تظهر شاعريته وقدراته الفنية وإمكاناته في ابتكار الجديد من المعاني التي تحكي الحياة الجديدة غير المألوفة لأغلب الشعراء ،وهي ممارسة فيها الكثير من الجدة والطراوة  ومن سجنه الرهيب يناجي طيف أبنته العزيزة أحلام:

 

 

 

أواه أحلامي أبوك المشفق              نفس معذبة وقلب يخفـق

 

بين الضلوع يهيم منه فؤاده            وبنار أشواقي غدا يتحرق

 

أبنيتي أن الحــياة مريرة             وكفاحنا فيها عنيف مرهق

 

لستم لوحدكم الضحايا إنما              في هذه الدنيا ملايين شقوا

 

ويحكي من خلال قصيدته (زفرات هائم) معاناته في الحياة ويرسم صورة سوداوية للظروف التي أحاطت بحياته التي افتقدت أبسط مقومات الأمل في حياة رغيدة هانئة،مشككا بالأقدار وعدالتها والأيام وما يجري في فلكها ،مما يدفعه للتشكيك بحكمة الخلق،والحيرة التي تلجم العقل عن أدراك كنه الكون وعدالة الوجود:

 

أما حياتي فتساوت بها    الأيام حتى كل فصل يباب

 

أعمالي الغر على حسنها   قد أسدل النحس عليها حجاب

 

وذي حياة ما بها راحة     أن أحسن المرء بها لا يثاب

 

فأطرد الشك بلا خبرة  ودون أن أعرف أين الصواب

 

وحيرة العاقل في شكه   كحيرة الجاهل عند الجواب

 

والغربة  تذكي في ضمير الشاعر أصداء شتى تجعله يبحر في عباب مضطرب،يبحث عن أطياف من يحب في مدارج الطبيعة ،وشاعرنا يجد في القمر الزاهر وهو يلقي بضوئه على الماء سميرا ثالثا ليناجي من يحب ففي قصيدته (على ضوء القمر) أطياف مضطرمة تذكي خيال الشاعر ليبحر في صدى الذكريات،ينسج غلالة شفافة تلوح في ثناياها صور للأحبة تتدافع لتأخذ مكانها في نفسه  بما تحمل من فيض الذكريات:

 

 

 

ذكرتني يا أيها البـــــدر الضحوك بما اندثر

 

أيام كـنا ساهـــرين                وأنت ثالثنـا الأغر

 

نــبكي ونضحك للحياة                بما حلا منها و مــر

 

مــتقابلين ولم يــكن               ما بيننا إلا الممــــر

 

ألقى السكون لواه فــو               ق رؤوسنا وله نشـر     

 

ومشى الـنسيم كرقـصة              السكران يعثر بالحجر

 

وفي قصيدته (بث) مناجاة لأطياف الأحبة ،وأصداء لغربته التي نجدها مبثوثة في الكثير من قصائده التي نظمها أبان عمله في المحافظات العراقية ،وفيها الكثير من الصور التي تختلف باختلاف مزاج الشاعر،وطبيعة المكان الذي يضفي أثاره على المعاني التي يقتنصها الشاعر:

 

 ذكرتك يا لـــيلاي والليل مقمر              فكدت بما يخفي فؤادي أجهـــر

 

وأقسم إني ما سلوتك لحـــظة              ولم أنس أسحارا بها كنت اسمـر

 

لجنبك نرعى البدر والليل حارس                يقينا من العذال ما نحن نحـــذر

 

ولم يك ما بيني وبينك في الهوى               سوى أدمع كالشهب في الليل تنثر

 

إذا ما تلاقينا على حين غـفلة          نظل نلف الشوق طورا وننشــر

 

نود لو إن الليل يبق مـخيما           علينا ولا عين هنالك تبصــــر

 

اجل –ليل- لكن الليالي بخيلة           مواعيدها خلف وأفك مــــزور

 

وكم مرة رمتُ السلو فخانني           اصطباري وهل يا منيتي عنك أصبر 

 

وكم معشر في الحب لاموا وعنفوا     وكنت لمن لم يدر ما الحب أعـذر

 

رويدك مَهْ..لا تلحني انّ بالـهوى              حياتي ومن حبي ترى الفكر يزهـر  

 

وتنمو به روحي وأبصر كلما           حواليّ ولولا الحب ما كنت أبصر

 

جمال الثرى بالورد والقلب بالهوى      وحسن السماء البدر والشهب تظهر

 

فان أظلمت نفس الشباب بدورها                فحب الفتى بدر به النفس تسفــر

 

 

 

سرى الشوق نارا في جميع مفاصلي   وسالت على خدي المدامع تقطر

 

فليتك جنبي تنظرين مــدامعي                ويا ليتني ليلى لوجهك انظـــر

 

سلي البدر ناجيه إذا البدر يعتلي                بأفق السما إني مع البدر أسمـر

 

وقولي له: ما حال خلك والهوى                فما زال هذا الدهر صفوي يكـدّر

 

أبثك أشواقي خـــذيها فإنها         مع الريح طارت حينما كنت ازفر

 

وفي قصيدته (أمام الصورة) مناجاة جديدة عبر خلالها عن غربته وأشجانه ولواعجه ومعاناته جراء الأبعاد ألقسري عن أسرته ومحيطه وما يكابد من آلام مبرحة بسبب البعاد الطويل وظروف الحياة التي فرضت عليه:

 

يا من أناجيك في سري وأعلاني                أشكو إليك تباريحي وأشجاني

 

إني كما أنت في حزن وفي فِكَر         تعاود النفس من آنٍ إلى آنِ

 

إني على عهدي الماضي وسابقه               ولست أسلوك ما كرَّ الجديـدان

 

ضل الفؤاد وقد هــاجت بلابله                فعدت مستوحشا أهلي وخلاني

 

أراك طاوعت أحزان الحياة كما         على البعاد أنا طاوعت أحزاني

 

جلست مثلي إذا مـا هاجني ألم         فانزوي هاربا عن كل إنسـان

 

يداك يمنى على يسرى تعاقبتا           من فوق صدر من الآلام مـلآن

 

هـام الفؤاد به والنار تتبعـه          كما تبارى على شر عــدوّان

 

جلستِ جلسة محزون يفكر في         جور الحياة على من لم يكن جاني

 

يحوطك الزهر والامواه جارية          فما اهتتزت لها إذ أنت في شأنِ

 

أرسلت شَعرك منسابا على عنق                أفديه ان نابه خطب بأبــداني

 

أشعلت لـفافة تبغين سلـوتها         وتبعثين زفيرا بأسم دخـــان 

 

ووعيه المبكر جعله يمقت الطائفية- رغم ثقافته الدينية الموروثة- والمروجين لها من الأدعياء والمنافقين الذين عاش معهم عام 1934 في سوق شعلان،ورغم أنهم من المعلمين الواعين الا أنهم ينفثون زعاف الطائفية التي يرى فيها تفتيت للوحدة الوطنية،وتحقيقا لأمال المستعمرين:

 

الناس خدع وشيمتهم   مكر وهم أبدا عباد أوثان

 

شر جميعهم والشر غايتهم   يعبرون به عن ألف شيطان

 

لو أستطيع بهم فتكا أبدتهموا ولم أدع أبدا ظلا لإنسان

 

وفي الرثاء عبر عن حقيقة ما في نفسه دون تكلف أو تصنع ،فالمعاني العصم الواردة في مرثيته لرفيقه وشقيقه حسين الشبيبي فيها أكثر من صورة  معبرة عن عمق اللوعة وشدة الألم وحقيقة المعاناة وعبرت خير تعبير عن شاعريته الفذة وقدرته على توليف الصور الجديدة وقصيدته التالية رغم أنها نظمت على عجلة وبعد ترك للشعر لعقد من الزمان إلا أن ما فيها من  معان يجعلها ترقى لخيرة المراثي بما حوت من أفكار تتطلع لغد    جديد لم يكن للعاطفة والحزن أثره في التنازل عن مبدأ أو انحراف عن عقيدة أو استخذاء لحاكم بل فيها من الدعوة للرد  بالمثل والتوعد بانتقام الشعب ما ينبئ عن عمق الأيمان بقضية دفع من أجلها الكثير:

 

علـينا لكم دين سـنوفيه في غد       فأن الـوفـاء، الـحر يحسبه ديـنا

 

مشـيتم أمام الركب أخلص قادةٍ        ومـارستموا درب الكـفاح أفانـينا

 

لئن رفـعوكم في المشـانق عاليا فـقد كنتـموا فوقا ومـا كنتموا دونا

 

وكـنتم عـليها كالـنجوم تألـقت     وعـانقـتموهـا يا أبـاة مـياميـنا

 

والقـيتموا درسـا يـعلمنا الأبـا ويـرشـدنـا أن لا تسـالم أيـاديـنا          

 

عـدو أبى إلا الـتمـادي بغـيّة  وبـث الشقا والبؤس في أرض وادينا      

 

سيخضر عود النصر من عزماتكم ويعشـب واديـنا وتزهو مراعـينا

 

ويجـني الثمار الشعب بعد افتقاره ويسـحق بالرجلـين تلك الثعابـينا

 

ويعليّ تـماثيلا لكم وسط سوحـها    تـفوح حـواشـيها اقاحا ونسـرينا

 

فداً لك _ يا من مت أشـرف مـيتـة  وأرفـعها- مـن فاق بالظلم فرعـونا

 

فـدا لك من يقوى بإضعاف شعبه ويـنعم في ظـل الغـزاة ألمذلينا

 

ومن كان ذا فـكر يباع ويشـترى     وذا قـلم في حـبره السـم يسقـيـنا

 

ومن باع للجانـين أسـرار حزبـه    كأن لـه ثأرا عـلـيه يـقاضـيـنا

 

سـيبقى لك الذكر الجمـيل مخلدا على رغـم من باعوا الضمائر والدينا

 

أما قصيدته فتى التاريخ  فهي قمة الرثاء الأخوي الصادق ،وصورة معبرة عن الحزن الشفيف والأمل  بالغد المشرق والإصرار على أكمال المسيرة،والثبات على المبدأ يقول فيها:

 

يا فـتى التأريـخ ألهمني بـيانـا     وأعـرني منك قـلبا ولسـانا

 

أنت أملـيت على طـاغـوتـه        أن كفَّ الحق أعلى منه شـانا

 

وتحـديـتَ قـوى سـلطـانـه      سـاخرا منها فأذكاها عـوانا

 

وهـززت الظـلم مـن أركانه          فـتداعى الـبغي وانهدّ كـيانا

 

لم يرعك الموت مـن أعـوادها        وتـقدمت شـجاعا لا جـبانا

 

ولقـيت المـوت مـنهم باسـما       حيث نور الفجر من عينيك بانا

 

وتناول الشاعر أيضا أغراض أخرى أخوانيه واجتماعية حتى يكاد يكون الديوان جامعا لفنون الشعر العربي وأغراضه،ولو تفرغ الشاعر لقول الشعر لكان في مقدمة الشعراء العراقيين لما في شعره من جزالة ومتانة وسبك وانسجام يفصح عن حقيقة الشاعر وقدراته على التجويد ولكن مشاغل  الحياة وظروف الأسرة والتفرغ للعمل السياسي والتعليمي،كل ذالك جعل منه مقلا في كتابة الشعر ولكنه رغم كل شيء له بصمته الخاصة في الشعر كما هو حاله في التعليم والنضال الذين أخذا الشطر الأكبر من حياته.     

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.