اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

امرأة سيئة السمعة .. قصة قصيرة// صبيحة شبر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صبيحة شبر

 

عرض صفحة الكاتبة 

امرأة سيئة السمعة .. قصة قصيرة

صبيحة شبر

 

-الآن وبعد جهد جهيد استطعت أن أراك يا أمي، وأتحدث إليك عما يشغل قلبي، ويهم فؤادي, وأنت لا بد تسمعينني, أليس كذلك يا عزيزتي؟ شعرت ببعض الراحة بعد أن تعذبت كثيرا, سنين طوال مرت وأنا عاجز عن الدفاع, صغر سني وشدة ضعفي وهزالي واحتياجي لهم ويتمي وغياب الأحباب عني, كل هذه الأمور مجتمعة جعلت الآلام تتفاقم على صدري وشعور بالمرارة والخيبة ما فتئ يتضخم ويتزايد وأنا الفتى الصغير الذي أنهكته السنون وهو بعد لم يشب ولم يبلغ سن الرجال.

صديقاتك وأصدقاؤك المتبقون على قيد الحياة يبلغونك السلام, فلست الوحيدة التي لاقت هذا المصير, مئة امرأة وفتاة وفي لحظة واحدة, في بلادنا المنهكة التي أتعبتها الحروب, وقفن مثل وقفتك الشجاعة و لم يخن الأمانة.

- صه, أصمت قليلا, أسمع أصواتا من بعيد, أنا مثلك فقدت أمي ولم أرها منذ دهر سحيق.

- ابتعد الصوت, إنهم لا يعرفون طريقنا, فهو مكان مهجور في سرداب سن عميق, رحل أصحابه ولم يعرف الآخرون أنه موجود, إذ لم يستدلوا على بابه, أمور جسام ومصاعب عظام, مررنا بها يا أمي بعد أن غادرتنا, بحار من الدم فاضت في ربوعنا, وقومنا صابرون, مرفوعو القامة واثقون.

- صوت أقدام تقترب, سألتزم الصمت ريثما يبتعدون, أرجو ألا يصيبك القلق, إنها تولي بعيدا.. كنت دائما أحلم أنني سوف أتمكن من تحقيق أمنيتي التي لازمتني طوال طفولتي وصباي وأنا أجدهم يحاولون النيل مني ومن طعن إنسان عزيز على نفسي, أثير على قلبي, أحببته أكثر من حبي لنفسي ووجدته دائما مسارعا إلى إدخال السرور إلى قلب الطيبين, أسمعني الكريه ابن عمي ذلك الأحمق البوال بعض الكلمات عنك وكنت أتوقع منه ذلك فكثيرا ما أسمعوني إياها أيام عجزي, دافعت عنك لمرة واحدة فحسب, فلم يذيقوني طعاما ثلاثة أيام كاملة ووضعوا بدله قطعا من الحصى و الحجارة في صحني, فإذا ما أحسست بالجوع يكاد يقتلني أخبروني أن طعامي قرب الفراش الذي أستلقي عليه عادة في المطبخ منذ أن وضعت الأيادي اللئيمة حدا لفرحي وسروري وأنا أحظى بالقرب منك ووأدت تلك الفرحة التي يشعر بها طفل صغير في أحضان أمه.

- أصوات تقترب, سأكون حذرا و أصمت قليلا, الملاعين إنهم يبتعدون, صديقتك زينب رأتني في الطريق وهمست لي إنه يمكنني أن أغادر ذلك الجحيم, فما كان مني إلا أن أنتهز الكلمات الغبية التي تفوه بها ابن عمي البليد فصفعته على خده وأنا أشعر بثقة كبيرة وذلك الإثم لن يعاودني ولن يتمكن أحد من النيل من أمي, سوف تملأني الثقة وتتبدد مشاعر الإخفاق والضعف والجبن, لم أشأ أن أرد على إساءة ابن عمي لئلا أغضب أبي فأنت تعلمين كم هو عزيز علي, أنفذ ما يرتضيه, كنت أحيا في بيت عمي فأطعمني من فضلات أبنائه وكساني من الملابس التي لم يعودوا راغبين بها, أرغمت على مساعدة زوجته وتنظيف المطبخ وغسل الأواني, أراك عابسة وأنت لا تحبذين الإساءة إلى ذوي القربى, كنت وحيدا, أخوالي غادر بعضهم والبعض الآخر أعدمته السلطات بعد ذهابك, هل تسمعين؟ أصوات جلبة تقترب, لم يخنك أحد من الأصدقاء كما توقعت. فعندما سافر أبي منح مفتاحه الخاص بمنزلنا إلى عمي الذي وضع آلة تصوير في غرفة الاستقبال فكيف أمكنهم أن يعرفوا المجتمعين من أصدقائك ويلقوا القبض عليهم؟ لقد حدثتني بهذا الأمر صديقتك أم كمال, وعدك عمي بأن يساعدك بالحصول على جواز السفر, لكنه لم يفعل وانقطع عن زيارتنا شهرين كاملين, كان يأتي أثناء وجودك في العمل إلى منزلنا ويفتش في أوراقك و يقرأ مذكراتك, أتذكرين عندما اتهمك بالعناد وأنك تتبعين أناسا أغبياء فأجبته بأنك وفية لهذه الأرض المعطاء.

في تلك الظهيرة يا أمي جاء بيتنا عدد غفير من الرجال, كنت عائدا لتوي من المدرسة, وربطوني أولا, كمموا فاهي قبل أن تعودي من العمل, كيف حصلوا على المفتاح؟ وحين عدت وجدت المنزل وقد احتل فأخذت تبحثين عني, أمسكوا بك قيدوك ربطوك بالحبال وعلقوك على بابنا وأنا أنظر مرعوبا, لم أكن أعرف لم لم يربطوا عيني, أدركت الجواب أخيرا لكي يزيدوا المشهد رعبا, جاء عمي أخيرا بعد أن غادرتنا

-ولدي يا ابن شقيقي

أردت أن أخبره أنه هو السبب, لكنه بادرني قائلا:

-كيف تجرؤ أمك على استقبال غرباء في منزلكم وأبوك غائب؟

-لم أكن أدري وأنا صغير كيف أرد, لكن الذي أعرفه جيدا أنك كنت تستقبلين أصدقاءك بوجودي وتتحدثون عن الوطن والشعب والحرية

- سأصمت قليلا, لست متعبا عادت إلي قوتي وفقهت أمورا كنت أجهل كنهها, في المدرسة لم يحدثني التلاميذ والمدرسون إلا باحترام فقد كانوا يقدرون أمي ويثقون بها, وتلك الكذبة المفتعلة التي تحاك خيوطها بالظلام لم تعد تنطلي على أحد فلم يعد الإنسان المواطن يصدق أن نساءنا المناضلات سيئات السمعة يستحقن القتل

بقيت يا أمي معلقة وقد كتب على الجدار قربك جملة هذه نهاية سيئات السلوك, وفي طريق المدرسة في صباح يوم شديد البرد همست في أذني امرأة أكبر منك قليلا بأنك أشرف من الشرف وأنت خالدة في عقولنا وأفكارنا وحين عدت إلى المنزل لم أجد الجثمان معلقا, فحمدت الله وعرفت أن الناس الطيبين في بلدي والذين ضحت لأجلهم والدتي قد وضعوا حدا لعذاباتي فدفنوا أمي.

أراك تبتسمين يا أمي كما عهدتك ولكن لأسمعك القصة كاملة بعد عشر سنين تذكر الأب أن له ابنا, طلب من عمي أن يسلم علي وأنه بانتظار أن أتخرج لكي أعينه على ضائقته المالية فهو متعب ويعاني من ألام الغربة, أعانتني الأسرة التي لجأت إليها في إيجاد عمل لي, اتصلت بالوالد

- لماذا لم تدافع عن أمي؟

- و هل عمك يكذب؟

- و لماذا تكون أمي الكاذبة؟

- انتبه يا ولدي أنت الآن رجل, أمك كانت ذكية جميلة مناضلة وغنية

-هل تدفعك هذه الصفات إلى التخلي عنها

- و هل أغضب أخي؟ وهو من رباك وعلمك وأسكنك بيته, وما يجديني هذا الموقف أخيرا وأمك ماتت وارتاحت

- دافع عن ذكراها على الأقل

- أنا إنسان واقعي أؤمن بأن قدرات كل منا محدودة, هب أنني دافعت عن ذكرى أمك الآن؟ سوف أخسر بهذا الموقف الكثير من الأصدقاء كما أن السلطات التي أهادنها ستحاربني وأتمنى أن أعود إلى بلدي و أنا شخص غير مشكو

صبيحة شبر

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.