اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• في قصص نادية الآلوسي نجد الناس مفعمين بالحياة !

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوسف ابو الفوز  

 مساهمات اخرى للكاتب

قراءة في كتاب

في قصص نادية الآلوسي نجد الناس مفعمين بالحياة !

 

في ظل ظروف العراق في العقود الاخيرة ، سنوات حكم النظام البعثي الديكتاتوري وحروبه الخارجية والداخلية  ، وما تبعه من سنوات احتلال للعراق وعنف ذو صبغة طائفية  في ظل حكومات محاصصة طائفية واثنية ، ومع التدهور والتراجع في العديد من قيم الحياة الاجتماعية والسياسية ، والذي تسلل الى الحياة الثقافية وسبب تراجعها في ميادين معينة ، فان كل ذلك اثر وبشكل كبير ومباشر على اوضاع المرأة العراقية، وشهد موقعها في المجتمع تراجعا كبيرا ، وعن هذه الامر يمكن الحديث مفصلا ، وعليه فحين أقرا شخصيا نصا او كتابا لكاتبة عراقية ، يمنحني ذلك المزيد من الامل والفرح والتفائل بأن نهر الحياة  لن يتوقف وان الثقافة العراقية ستكون بخير  على يد بنات وابناء العراق المخلصين .

هكذا حين وصلتني مجموعة الكاتبة العراقية نادية الالوسي المعنونة " رجل النهر " ، كانت عندي ليست مجرد هدية ثمينة ، خصوصا وانها جاءتني بالبريد من بغداد ، بل وحملت لي معها معان طيبة عديدة  عن امكانية ان ينهض العراق من جديد مثلما حلمنا .

المجموعة جاءت من 100 صفحة من القطع المتوسط ،بأصدار خاص عام 2007 وتضم ست قصص قصيرة ، واثار انتباهي ان نصوص القصص لم تحمل تواريخ كتابتها ، اذ ان ذلك يمنح القاريء فرصة كبيرة لرسم صورة عن الظروف المحيطة بكتابة النص ، واعتقد ان هذا الى حد من حق القاريء وايضا الناقد  .

لست أقوم هنا بدور الناقد ، فانا قاريء احاول تسجيل انطباعاتي عن نصوص استمتعت خلال  قراءتها ، وتولدت لدي بعض الملاحظات احاول تسجيلها . ما يجمع هذه القصص القصيرة ، هو ان شخوصها الاساسيين من النساء ، باستثناء نص واحد . ان  منح المراة هذه المساحة الكبيرة في نصوص المجموعة هو امر يسجل للمجموعة ، فليس هناك افضل وأقدر من المرأة الكاتبة للتعبير عن هموم المرأة  ورصد دواخلها وهمومها وامالها . ونساء نادية الالوسي عراقيات ، من طبقات اجتماعية مختلفة ، امهات وزوجات وموظفات ، عازبات ومتزوجات ومطلقات وارامل ، بأعمار مختلفة ، وبعضهن بعمر الكاتبة ، محملات بهموم مجتمعهن وما تفرزه التطورات الاجتماعية والسياسية التي يمر بها الوطن، فهن بالتالي نساء هذا الواقع العراقي بكل ما مر به ، يحملن اسئلته وهمومه وتطلعاته .

 

 

 في القصة الاولى " ليلة سبت" (من 14 صفحة ) نلتقي  بالشابة شروق الحالمة بحياة جديدة والمنتظرة لفرصة عمل لكن ثمة مشروع زواج من رجل يتقدم لخطبتها تتوفر فيه كل المواصفات التي تدفع صديقتها لتشجيعها للزواج منه ، لكن بطلة قصتنا الواثقة من نفسها " وفي العادة لا تطلب مشورة الاخرين في امر يخصها " ص7 ، فهي " تعرف اين تضع خطواتها " ص 7 ، ويعاملها والدها بروح ديمقراطية تتناسب مع شخصيتها المتحررة اذ يكتب لها" قدمت لك نصيحتي ولكنك حرة في اختيار ما ترينه افضل " ص9 ، لكنها مثل اي فتاة عراقية في عمرها  تقع في حيرة الاختيار،  بين الزواج وفرصة العمل ، وللخروج من الحيرة تشجعها صديقتها للجوء الى امرأة تقرأ لها الفنجان، وترفض بطلتنا ذلك لأنها تؤمن " عندي عقل يفكر "  ص 12 ثم الاغراء باللجوء الى امرأة غير متزوجة لتحلم لها حلما يكون رؤيا لمعرفة نصيبها القادم  ، وهنا يتغير مسار القصة ليبتعد عن رصد هموم بطلة القصة ليتم رصد هواجس وامنيات العمة ساجدة ، التي بلغت السبعين عاما ولم تتزوج ، والتي بدل ان تحلم للفتيات ــ بطلة القصة وصاحبتها ــ بمجيء عريس مناسب لهن ، تبدأ تحلم لنفسها بعريس . القصة تنتهي برفض بطلة القصة لمشروع الزواج واختيار فرصة العمل . هذا الدخول القوي ، بقصة تتحدث عن امرأة قوية الارادة وان بدت حائرة ومترددة ، ظل يتردد في بقية القصص ويسيطر على اجواء مجموعة القصص ، وهي تدور في اجواء عراقية مترعة بالتفاصيل الحميمة الشعبية ، مما اعطى للقصص مذاقا عراقيا يميزها بطابع محلي يرفع من قيمتها الفنية ، واذ تقول بطلة القصة الاولى " ما اروعه هذا النهار ، الهواء نقي والسماء مخمل ازرق والناس مفعمون بالحياة" ص 17 ، فاننا وفي كل القصص الباقية نجد غالبية الشخوص ورغم كل الهموم والحزن فأنهم مفعمين بالحياة وتفاصيلها قلوبهم مترعة بالامل وانتظار ما هو افضل .

 في القصة الثانية " الفخ " (من 16 صفحة ) نتوقف عند بطلة القصة الموظفة ومأزقها مع موظفة اسمها " دنيا " مصابة بمرض نادر غير شكلها وجعلها تبدو عجوزا وهي ماتزال في ربيع عمرها " ص 24 ، فتكون مادة لسخرية بقية الموظفات ما عدا راوية القصة التي تشفق عليها لكنها بسبب ذلك تجد نفسها في ورطة اذ تصبح دنيا ملازمة لها بشكل مزعج وثقيل  ، حتى يحصل التغيير في شخصية الفتاة دنيا وخروجها من حالة الانطواء وتحولها الى محور علاقات مع البقية ولكن بشكل فيه شيء من التبعية للاخريات ، والقصة تقدم حالة انسانية ومحاولة لرصد الروح الانسانية  .

 القصة الثالثة ، التي حملت المجموعة اسمها "رجل النهر" (16 صفحة ) تقودنا الى تأثيرات الحروب وهمومها التي مر بها العراق وفقدان نساء العراق للعشرات بل المئات من الازواج والابناء والاحبة دون اثر ، نتعرف الى صبرية ، ولابد من الاشارة هنا الى ان الكاتبة في المجموعة تختار اسماء ابطال قصصها بقصدية تتماهى وموضوع النص ، فصبرية تعيش في قرية عراقية قريبة الى النهر ، الذي صار صديقا لها وصارت تلازمه ، وثمة تهيئات وهلوسات تسكن رأسها عن عودة مهدي زوجها وحبيبها ـ لاحظ اسم  الزوج ! ـ احد ضحايا الحرب والذي لا تتقبل صبرية فكرة موته ، " لن يكون كل اثر مهدي اسم كتب على قطعة معدنية علقت بسلسلة " ص 44 ، وترفض ترديد كلمة المرحوم ، وتظل صبرية صابرة بامل عودته رافضة كل الضغوط للزواج ، متذرعة بقصص عودة الكثير من الاسرى والظهور المفاجيء لمفقودين ، وامام تكرار الضغوط من الاهل والاقرباء والناس نراها تكتب الادعية وتزور المراقد المقدسة ، وثم تتوجه للنهر والدعاء لصاحب الزمان عل ذلك ينفع ، وتتداخل عندها الادعية والاماني والاحلام فيتهيأ لها رؤية غريبة عن رجل ينهض من الماء " عاري الصدر يعصب راسه بعصابة خضراء" ص 50 . ما يسجل لهذه القصة ليس فقط لغتها وحوارتها البليغة بل ودرجة وعيها العالي باحوال العراق وجرائم السلطة الديكتاتورية ومسؤولية نظام قاد البلاد الى محرقة مهلكة ، وماكنة الحرب هنا ليس وحدها المسؤولة عن اختفاء الناس ، فهناك اشارات ذكية الى الطبيعة البوليسية القمعية للنظام البعثي ، فاحدى معارف صبرية تقول لها :

ـ  لعله في احد سجون بغداد او الصحراء ؟ ص  46

لكن الامل والحب يبقى يملأ قلب صبرية الصابرة بعودة الحبيب الغائب لحد انها تترك استكانا فارغا امامها عندما تشرب الشاي متوقعة عودة حبيبها مهدي في كل لحظة .

القصة الرابعة " ثرثرة " (8 صفحات)  تختلف عن بقية القصص فقط بكون البطل الاساس فيها رجل ، انه ابو صادق ، قاريء العدادات ، الانسان البسيط ، الذي " لم ينل من ثمار شجرة الحياة المشتهاة الا القليل  " ص 61 الحالم بالتقاعد والراحة من الدوران بين البيوت على دراجته العتيقة لقراءة المقاييس ، واذ يعتقل من قبل رجال الامن ، تخطر على باله مختلف الاحاديث التي اجراها مع معارفه واصدقاءه باحثا عن زلة لسان ما ، او اساءة للسلطة الحاكمة والحاكمين ، وبذكاء نجد الكاتبة  تسلط الضوء على واقع اجتماعي ينوء بسلطة حاكمه بوليسية تصادر حق الانسان في التفكير الحر وتزرع الرعب والخوف  في قلب المواطن ، فمع ابي صادق ومن خلال استرجاعاته لانجد ثمة جرما او ذنبا يستحق العقاب عليه من بين كل مافكر به كاسباب لاعتقاله ، لكنه في كل الاحوال ينتهي ميتا بسبب النزف لقطعهم لسانه بسبب ما سموه  الثرثرة . 

القصة الخامسة " من كسر جنح الحمامة " ـ  لا اعرف لماذا العنوان جاء بدون علامة استفهام ! ـ وهي اطول قصص المجموعة (22 صفحة) غرقت في التفاصيل عن احوال الزواج والطلاق وتعثر نجاح قصص الحب بسبب الفارق الديني او الطائفي، ان ما اضعف القصة هنا كثيرا وشتتها هو تعدد الموضوعات على الرغم من محدودية الشخصيات ، ذا الامر حول النص الى "حكي" اكثر منه قص وسرد بأسلوب فني ، مثلا الاستغراق في رصد سلوك الام المتسلطة مهيبة ـ لاحظ الاسم ! ـ ، وعلاقتها مع بناتها ، وايضا النقلات المفاجئة في الاحداث التي جائت مثل الالغاز الصادمة للقاريء ففجاة تكتشف جنان راوية القصة ان ياسمين صاحبتها مطلقة للمرة الثانية ، وهي كانت تظن انها اسيرة الاحباط من طلاق اول ، لكن لابد من القول هنا ان القصة اجتهدت وحاولت ان ترصد توق المراة للحرية والعبء الكبير الذي يلقيه على عاتقها واقع اجتماعي لا يمنح المراة حرية الاختيار ، وهذا يبدو واضحا بدءا من عنوان القصة وايضا من خلال الحوارات .. " اه يا ليتني كنت حمامه  قالت ياسمين بحسرة ونظرها ما زال معلقا بالحمامات " ص 84 .

القصة السادسة والاخيرة " العيدية" 7 صفحات ، تبقى عندي من اجمل قصص المجموعة بناءا فنيا وموضوعا ولغة ، قصة شفافة ترصد بكثافة في اللغة والجمل ، حالة طفلة خرساء بعيون جميلة ، لاحظتها بطلة القصة ورصدت جمالها  وصمتها " كانت نحيلة شاحبة الوجه ، شعرها الاشقر وحشي الترتيب بضفائر قصيرة ورفيعة " ص 94، وكانت بطلة القصة حيرى في تفسير نظرات الطفلة الملحاحة والموجهة اليها ، واذ كانت زيارة بطلة القصة في ايام العيد فانها "وكنت اعددت للامر وملات حقيبتي بالكثير من الاوراق النقدية ذات الفئات الصغيرة " ص 98 ، الا ان الطفلة الخرساء ترفض اخذ العيدية ، تاركة راوية القصة حائرة في تفسير نظرات الطفلة " ام انها كانت تريد شيء اخر غير العيدية . فاي شيء كانت تريد ؟ " ص 99 .

بعد هذا الاستعراض المكثف لقصص المجموعة يمكن القول اننا امام صوت قصصي واع لمهمته  الادبية والفنية ، سواء في اختيار موضوعاته او في معالجتها ،  ويسعى بجد لكتابة قصة عراقية ، تغترف من تفاصيل البيئة العراقية ـ الادعية والطقوس الدينية  ، مواسم الزيارة ، شجار العصافير ، قراءة الفنجان ،  شموع النهر والعيدية  مما يجعلنا بحق نوجه التحية للكاتبة نادية الالوسي مترقبين اصداراتها القادمة .

 

*  نشرت في الصباح البغدادية 10 /09/2011

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.