اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (605)- ميِّزات في المقامات العراقية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (605)

(ارجو مساهمة الجميع في طرح آرائهم للمساهمة

 في تثبيت الافكار الفنية)

***

ميِّزات في المقامات العراقية (هامش1)

        قد نتساءل جميعا، أو ربما تساؤل يفرض نفسه..! هل أن موسيقى وغناء المقامات العراقية كلها على مستوى واحد في حجم وقوة التفاعل والتعبيرعند الغناء..!؟ على افتراض ان جميع المقامات العراقية متفاعلة ومهمة في عكس حقائق الحياة..! أليست هي فعلا متفاعلة ومعبرة عن حقائق الحياة..؟ مع ذلك يمكن ان نعيد السؤال بصورة اخرى، هل ان التفاعل الدرامي والتعبير عنه في موسيقى وغناء المقام العراقي له علاقة بحجم وقوة الحدث واهميته..!؟

 

        اعتقد ان هذه الاسئلة وغيرها التي تصب في نفس الموضوع مبررة تماما..! فنحن نعرف ان موسيقى وغناء المقامات العراقية المؤداة في العراق كثيرة ومتعددة التفاصيل، وهي بمجموعها المغنى في مدن بغداد وديالى وكركوك والموصل ومدن الشمال اربيل والسليمانية ودهوك، تتجاوز الخمسين مقاما، وهذه المقامات العراقية بمجملها، فيها مقامات صغيرة ومقامات كبيرة في حجم تفاصيلها، فيها الرئيسة والفرعية، فيها المقيدة وغير المقيدة، فيها ما تغنّى بالشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي الدارج، فيها ما تكون موسيقاها المرافقة تسير مع الايقاع ومقامات اخرى حوارية بين المغني والآلة الموسيقية دون مرافقة الايقاع لموسيقاها. فيها مقامات ذات تعابير حزينة ومقامات بتعابير مفرحة. فلا بد اذن ان تكون هناك بعض التفاوت في حجم التعابير في كل مقامٍ عراقيٍ على حدة.

 

        فالمقامات الصغيرة والكبيرة يقصد بها ما حشـِّد فيها من (قطع واوصال) سلـّمية واجناس موسيقية في عملية التنويع والانتقالات داخل المقام العراقي المغنى، فكلما زاد من هذا التحشيد النغمي وثبتتْ مساراته اللحنية في مقام ما، اعتبر هذا المقام من المقامات الكبيرة، بغض النظر عن كونه رئيسا ام فرعيا. كمقام النوى (سلّمه نهاوند) ومقام المنصوري (سلّمه صبا) ومقام الابراهيمي (سلّمه بيات) ومقام الحجاز ديوان ومقام السيكاه وغيرها. مما يتوجب على مغني المقام العراقي، الالتزام بتعدد قطع واوصال هذه المقامات وثبات مساراتها اللحنية. والعكس صحيح ، فعندما يكون مقام ما يحتوي على القليل من تحشيدات الاجناس الموسيقية وليس هناك ضرورة لثبات معظم مسارات لحن هذه التحشيدات الموسيقية القليلة، او ان هناك حرية للمغني المقامي في تنوع واختيار ما يراه مناسبا في بعض الاحيان من القطع والاوصال لادخالها خلال غنائه، فمثل هذه المقامات تعد من المقامات الصغيرة في بنائها اللحني.

 

       اما الاشارة الى المقامات الرئيسة والفرعية، فاننا نعني بالرئيسة، مقامات السلالم الرئيسة السبعة، الصبا، النهاوند، العجم. البيات، السيكاه، الحجاز، الرست، التي يمكن جمعها بكلمتين اختصارا (صنع بسحر) ومن هذه المقامات العراقية المعتمدة على السلالم الموسيقية الرئيسة السبعة، تتوالد وتتفرع منها مقامات عراقية اخرى اقل حجما في غالب الاحيان هي في الحقيقة من صلب مقاماتها الرئيسة. ومن ثم تدعى بالمقامات الفرعية. ونلاحظ في معظم المقامات الرئيسة المذكورة، تحشيدا كثيرا من القطع والاوصال، وهي تحشيدات غير اعتباطية، وانما جاءت نتيجة التراكمات الحضارية لتاريخنا وتراثنا الغناسيقي الخالد، التي تصور وتعبر عن تاريخ العراق بكل مآسيه واحزانه واشجانه وافراحه. ثم انها انعكاس لمدينة بغداد وحضارتها وفكرها ومدنيتها. لان هذه السلالم والاجناس الموسيقية والقطع والاوصال الموجودة في المقامات العراقية الرئيسة، وضعتْ عبر الزمن بصورة فنية فكرية عفوية وعقلية في صياغتها، واقل السلالم الرئيسة السبعة تحشيدا لهذه القطع والاوصال، هما مقام الصبا ومقام النهاوند، حيث لا يحتويان على الكثير من الانتقالات خلال غنائهما. واستعيض عن ذلك بفروعهما، كمقام المنصوري ومقام الحديدي وكلاهما من سلم مقام الصبا الرئيسي، اللذان يحتويان على تفصيلات غناسيقية اكثر مما هو موجود في مقامهما الرئيس –الصبا– ..! وكذلك الامر مع مقام النوى الذي يعد من المقامات الكبيرة في حين انه فرع من مقام النهاوند الرئيسي البسيط في مكوناته التفصيلية..!

 

        وفي صدد المقامات العراقية المقيدة وغير المقيدة، يقصد بالمقيدة على انها مقامات عراقية فيها اصول شكلية (forms) في قطعها واوصالها السلمية ثابتة في مساراتها اللحنية خلال سير عملية غنائها. حيث يتقيد المغني بهذه الاصول التاريخية التي ثبتتْ مساراتها اللحنية عبر الزمن الطويل لهذا التراث الغناسيقي الخالد. ويقابل ذلك مقامات عراقية غير مقيدة، اي انها حرة في معظم تفصيلاتها من القطع والاوصال، حيث يكون مغني المقام العراقي فيها حرا في اختياراته والتنوع بين القطع والاوصال، وفي مثل هذه المقامات العراقية المغناة، اظهارٌ لامكانيات الابداع من قبل المغني مع المحافظة على الهيكل العام لأي مقام عراقي مغنى. ان كان مقاما عراقياً رئيساً او مقاماً فرعياً.

 

        وفي مجموع المقامات العراقية، هناك مقامات عراقية تغنى بشعر اللغة الفصيحة ومقامات عراقية تغنى بشعر اللغة الدارجة العامية، اي يتحدد اختيار الكلام المغنى في مجموعة منها الى شعر فصيح واخرى الى شعر شعبي دارج، وفي هذا الشأن إلتزام اصولي تراثي تاريخي شامل لكل المغنين المقاميين. والمقامات العراقية التي تغنى اصوليا بالشعر الفصيح، كمقامات الرست والبيات والحجاز ديوان والجهاركاه وغيرها. كذلك هناك مقامات عراقية تغنى اصوليا بالشعر الشعبي، كشعر الزهيري والابوذية والعتابة وغيرها من انواع الشعر الشعبي، التي تغنى في مقامات عراقية كمقامات الابراهيمي والمحمودي والشرقي رست والشرقي دوكاه وغيرها.

 

        اما في شأن الموسيقى المرافقة لغناء هذه المقامات العراقية كل على حدة، فان هناك مقامات عراقية تكون موسيقاها إيقاعية دون إلتزام المغني بأوزانها المستمر عزفها خلال سير غناء المقام العراقي، اي ان المغني المقامي يستمر في غنائه الفالت من الايقاع، في حين ان الموسيقى المرافقة له موزونة وتخضع للايقاع. الا في اماكن محددة وقليلة يلتزم فيها المغني بالدخول في ايقاع الموسيقى المرافقة لمقامه المغنى، كالمقاطع الموزونة الموجودة في مقامات الحليلاوي والعربيون عرب وغيرهما. وبقية المقامات العراقية تكون موسيقاها حوارية مع المطرب ولا تخضع للايقاع، اي ان العازف الموسيقي او العازفون الموسيقيون، يتابع ويحاور المغني خلال غنائه في توافق وانسجام تام بين الموسيقى والغناء. بهذه الحالة العامة من تفصيلات هذا الموروث الغناسيقي –المقام العراقي– بوصفه حقائق حياة الشعب العراقي، وجب على الجميع الحفاظ وحماية هذه القيم الموروثة عبر التاريخ الطويل لعراقنا العزيز.

 

        وفي شأن المقامات العراقية ذات التعابير التي تميل الى الحزن في الاداء المقامي، والمقامات العراقية التي تميل الى تعابير الفرح. فهذه مقامات يكون طابعها التعبيري في الاداء ذي مسحة حزينة طاغية لكنها شجية جميلة صادقة امينة متفائلة، ليست هروبية، ليست اندحارية، انما تعابير تنظر الى متسع الحياة بأمل وخيال واحلام مستقبلية. مثل مقامات المنصوري والحديدي والمخالف والمدمي وغيرها. اما المقامات العراقية ذات التعابير التي تميل الى الفرح فانها تمتاز بالشجون العاطفية والفرح والآمال الجميلة في موسيقاها وايقاعها، مثل مقامات الاورفة والشرقي رست والشرقي دوكاه والجمّال وغيرها.

 

        من جهة اخرى، تظهر الحياة بكل سعتها وثرائها، مع احداث درامية مهمة، لتكون ذروة في التعبير عنها في جميع المقامات العراقية المغناة، سواء الكبيرة منها او المقامات العراقية الصغيرة. ولذلك ليس عجبا اذا ما ظهر مطرب يفوق زميله الآخر في امكانياته الفنية والثقافية والمعرفية في شأن المقامات العراقية. حيث يستطيع ان يجسد اكثر التفصيلات الفنية التي مر ذكرها، ليبقى المغني العنصر الذي يوكل إليه أمر التفوق والنجاح، حسب امكانياته الفنية المتوفرة لديه، ومن هنا ايضا يبرز عنصر التنافس الشريف بين المغنين جميعا للوصول الى افضل ما لدى الفنان من قابلية فنية، وهذه الحالة ادركها المغنون المقاميون الكبار امثال احمد الزيدان ورشيد القندرجي ومحمد القبانجي اكثر من غيرهم. وهم يمضون في سيرهم الحثيث في الغناء المقامي العراقي نحو تصوير حياتنا الماضية والحاضرة والمستقبلية.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

حميد العزاوي مقام الرست

https://www.youtube.com/watch?v=ayXF3op4Ku0

 

الهوامش

1 – هامش1: من كتابي الموسوم بـ (الطريقة الزيدانية في المقام العراقي واتباعها) الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013، ص 81 و 82 و 83.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.