اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (1115)- حوار لينا سياوش

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1115)

***

      بادئ ذي بدء، اود ان اكرر قولي مرّة اخرى، بل مرّات، بأن الصحافة العراقية على وجه الخصوص، فضلاً عن الصحافة العربية. هي التي انتشلتنا نحن مغني المقام العراقي من جيل السبعينيات. انتشلتنا من الخيبات والتقهقر وعدم الاهتمام المستديم بنا بصورة جيدة من قبل وسائل الاعلام المرئية والمسموعة زمنذاك..! فقد كانت معاناتنا  كبيرة ونحن في عنفوان الشباب ونطمح الى الشهرة وتوسيع افق عدد الجماهير التي تسمعنا او تشاهدنا من خلال الاذاعة العراقية او التلفزيون الذي كان بخيلاً جدا في اظهارنا على شاشته، الا في احيان قليلة، وعليه كانت الصحافة ملاذنا الاقوى، على الاقل بالنسبة لي. فالصحافة العراقية هي التي اعطتني الدافع المعنوي الدائم للاستمرار في تحقيق طموحاتي الفنية، الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا..! مع قلّة في الظهور الاذاعي او التلفزيوني طيلة سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم. فالمقالات والحوارات واخبارنا الفنية كانت الصحافة هي سيدة المشهد في تثبيت اسمائنا واتساع شهرتنا وسط الجماهير..!

 

     على كل حال، لاداعي للاطالة، فالكلام كثير، فقد عثرت في اوراقي الارشيفية على حوار جميل يعد من الحوارات الجيدة التي اجريت معي خلال المسيرة الفنية الطويلة. حينها كنتُ في مدينة مالمو السويدية لاقامة حفلتي الثانية في السويد بعد ان اقمت الحفلة الاولى في العاصمة ستوكهولم، وكان ذلك في تشرين اول، اكتوبر عام 2012. اتصلت بي الاخت الفاضلة الكاتبة الصحفية لينا سياوش من مدينة يوتوبوري دون معرفة شخصية بها حتى اليوم..! واجرت معي هذا الحوار عبر الهاتف النقال المنشور في جريدة(الصباح الجديد) العراقية واليكم اعزائي هذا الحوار.

*************************

الفنان حسين الأعظمي لـ « الصباح الجديد »:

المقام العراقي رواية العراقيين

2012-10-24   يوتوبوري ـ لينا سياوش

 

 كسنبلة القمح، المثقلة بعطائها، والمحنية، تواضعا وخجلا، يبدو سفير المقام العراقي حسين الأعظمي. فنان من الطراز الأول، ذو شخصية ساحرة، لا يُمل الحديث اليه، ليس في مجال الفن، فحسب، بل في الأدب والتاريخ والعلوم والرياضة، فهو موسوعة معلومات، يتحدث بالتواريخ والأرقام، وبأنسيابية عالية، صعب ان ينافسه عليها احد، لكن أكثر ما يزيد من بداعة شخصيته، البساطة والتواضع الجمان، اللذان يتحدث بهما. حديث من القلب، خص به الأعظمي صحيفة «الصباح الجديد» اثناء زيارته الأخيرة للسويد، تحدث فيه عن شبابه المبكر في الأعظمية، وسر النزهة النهرية التي كان يطرب لها، اهالي الكاظمية والأعظمية، وكيف ان «الجفرة» علمته المصارعة ومنير بشير غير مجرى حياته. اما جديده، فهو، البوم غنائي جزء ثاني من «مقامات في العشق الألهي» الصادر في هولندة وكتاب عاشر، سيكمل فيه موسوعته عن المقام العراقي.

 

س1 -  من خلال المهرجانات والامسيات التي اقمتها في السويد في زيارتك هذه ، كيف تقيم إهتمام الجالية العراقية بالتراث والفلكور العراقي الغنائي، هل الغربة زادت من تعلقهم بتراثهم وثقافتهم، ام انها بالعكس ابعدتهم عنه؟

 

ج1 - بالتأكيد، تعتمد الحياة اساسا وبشكل عام على الفعل ورد الفعل، اعتقد ان المهجر اصبح فعل، ورد الفعل هو الحنين الى الوطن، الى الذكريات والى كل ما يعود للاصل، والاصل تتبعه الفروع، لهذا سعدت جدا ان ارى هذه اللمة العراقية وفرقة طيور دجلة التي اجتهد عليها المايسترو علاء مجيد وهو صديق قديم، الفرقة كانت جميلة والحضور ايضا والموسيقيين العراقيين الذين حضروا من عدة مهاجر، كان الجمهور متفاعل جدا، واحسست نفسي وسط عائلة كبيرة، بين عراق مصغر من كل فئاته واديانه، مجموعة جميلة جدا، يسود بينها التآلف والتعاون وحب العمل.

 

 س2 - عرف عن الفنان حسين الاعظمي في شبابه المبكر انه كان ياخذ اصدقاءه في نزهة بنهر دجلة، ويغني لهم، بصوت قوي، يطرب له اهالي الكاظمية والاعظمية في نفس الوقت، هل لك ان تحدثنا عن ذلك؟

 

ج2 - هذه كانت قبل غنائي امام الجمهور رسميا، وقبل دخولي الى وسائل الاعلام، كنا انا واصدقائي وهم جمهوري الاول، شباب بعمر المراهقة، منازلنا تقع على شاطىء نهر دجلة الخالد وما تزال، تحتنا الماء ، وكان لدي زورق وسلم من الشرفة، انزل من خلاله الى الماء مباشرة، كنا نذهب الى منطقة تسمى بمنطقة بلاسم الياسين، وهي منطقة فيها مجال للعب كرة القدم، والعاب اخرى، نأخذ معنا طعامنا، ونقضي نهارنا هناك، ولا نفكر متى نعود ، نركب الزورق ونتجه الى بلاسم الياسين ونحن نجدف بالمجداف ، اما عند العودة فلا نجدف، بل نجعل تيار المياه يسيرّه بأتجاه منازلنا ، وكنا نضع الزورق في منتصف النهر، عند عودتنا وهو الذي يسير بنا الى ان نصل، في هذه الاثناء، كان يطلب اصدقائي مني الغناء، وكنت في وقتها اغني مختلف الاغاني، اقلد الاصوات والمغنين، فكنا نغني والصوت كان يرتد، بصدى كبير، وجميل جدا، له رنين رائع في اذني، بحيث من جهة الكاظمية، التي كانت منازلها غير مطلة مباشرة على النهر، فيما منازل الاعظمية، منازلنا، مطلة مباشرة على النهر، لذا كان الناس ونحن في طريق عودتنا الى منازلنا، والمساء يكون قد اسدل ستائره، والليل بأوله، ينادون علينا من شرف منازلهم، «الله يخليكم إلقوا الأنكر في النهر»، والأنكر هو ما يوقف الزورق عن الجريان، ولا يدعه يتحرك، ويتوسلون بنا من خلال صياحهم علينا المستمران نفعل ذلك، لانهم كانوا ينصتون الى الغناء، وكان يعجبهم ذلك كثيرا، وكان الزورق ماشي حتى ان نصل، ولا نوقفه ، وهذا كان حالنا يوميا، وهي من الذكريات الجميلة التي يصعب نسيانها .

 

 س3 - تميزت عن مجايليك وربما استاذتك ايضا في تأدية المقام العراقي ، خاصة باللغة العربية الفصيحة، هل جاء ذلك، لاتقانك اللغة ام رغبة في التميز ام لتطوير اللغة العربية نفسها؟

 

ج3 - اولا، تمثل اللغة الفصحى، قمة وكمال اللغة العربية بشكل عام، من ناحية جمالياتها وتعابيرها، وأمور كثيرة اخرى، ثانيا، بحكم تجوالي في الدول العربية وغير العربية، افضل الغناء باللغة الفصحى، ليصل الشعر بشكل واضح ومفهوم الى اخواننا العرب على الاقل، ثالثا، انا احب اللغة والشعر والادب واقرأ كثيرا، لكوني نشأت في بيئة دينية، وختمت ثلاثة او اربعة اجزاء الاولى من القرآن الكريم، والذي يقرأ القرأن في وقت مبكر من حياته، يتقوم لسانه، وهذا مهم جدا، وهذه نصيحة وتجربة الى الجيل القادم. ضروري ان يبدأ الاباء، بتلقين أبناءهم القرأن الكريم، لما فيه من لغة فاخرة، جميلة جدا، ولهذا السبب، تاثرت بالشعر العربي، الذي يكاد يكون في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث فخامة اللغة. الشعر اساسا من خلال بحوره، هو تفعيلات موسيقية، ايقاعها موسيقي، جميل جدا، ولهذا السبب، بدأت منذ بواكير الحياة، اميز بين الشعر الجميل او الشعر الذي يُغنى، فيما هناك شعر يصعب غناءه، وغنيت من الشعر الكثير، وعند بلوغ الاربعين، تأثرت بالشعر الصوفي، وغنيت الكثير منه، وعام 2004، سجلت في هولندا، البوما غنائيا، لصالح شركة رازا العالمية في امستردام، بالتعاون مع مؤسسة المقام العراقي التي اسسها اخي وصديقي محمد حسين كمر، اسميته «مقامات في العشق الالهي»، صدر عام 2006، وفي الشهر الثالث من هذا العام الذي كنت فيه بهولندا، سجلنا الجزء الثاني من مقامات في العشق الالهي الذي كنا بدأنا فيه قبل عامين، وانشاء الله يصدر في بداية العام القادم ولنفس المؤسستين، اللتان صدرتا الالبوم الاول، وفيه بعض القصائد الصوفية، منها مثلا قصيدة شهيرة للشهرزوري، يقول فيها:

لمعت نارهم وقد عسعس الليل   /   وملّ الحادي وحار الدليل

فتأملتها وفكري من البين    /     عليل ولحظ عيني كليل

وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى    /     وغرامي ذاك الغرام الدخيل

 

غنيت لعمر بن الفارض الكثير من الصوفيات ، ولشهاب الدين السهرودي وللحلاج، والكثير من الشعر الصوفي، لا اعتقد ان هناك معاني حقيقية كالمعاني الصادقة الموجودة في الشعر الصوفي، ونحن نعلم ان الصوفيين يقولون ما لا يقصدون ويقصدون ما لا يقولون، كلها رموز وعلاقتهم مباشرة بالاله ، لا يتخذون واسطات كالأنبياء مثلا، لذا يكون غزلهم بالآله مباشر.

 

 س4 - في العراق، لم نر تجارب نسائية كثيرة في قراءة المقام العراقي غير المطربة المقامية فريدة علي، وبقية الساحة حكرا على الرجال فقط ، ما سبب ذلك برأيك؟

 

ج4 - صدر لي كتاب، بأسم «المقام العراقي بأصوات النساء»، ككتاب، يعتبر فكرة جديدة، كونه دراسة كاملة، صدرت في بيروت عن طريق المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهي أشهر مؤسسة عربية في الوطن العربي، تحدثتُ فيه عن كل ما يدور في خاطر اي سائل او اي متخصص، وعن محاور واسباب المراحل الثقافية التي مرت بها المراة، ودخولها الى عالم المقام العراقي في بدايات القرن العشرين، اي منذ ابتكار جهاز التسجيل الصوتي لأول مرة، والذي كان منعطفا كبيرا في تاريخ البشرية، وبالتاكيد كانت النساء موجودات قبل هذه الفترة، التي لم تخلق من العدم، وكان هناك نساء أدين المقام العراقي، لكنهنَّ لم يكنَّ معروفات، ذهب تاريخهم أدراج الرياح. جهاز التسجيل الصوتي تمكن من توثيق دخول المراة عالم غناء المقام العراقي والغناء بشكل عام. وقد قسمت الكتاب الى بابين، الاول، ضم دراسة مستفيضة عن كل ما يخص وجود المراة ودخولها في هذا العالم الفني  ولماذا، والكثير من الامور التي تحدثت عنها في هذا الموضوع، الذي قد يطول الحديث عنه، والباب الثاني، تحدثت فيه عن سبع مطربات، راعيت فيها العامل الزمني، اي منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، بدأتها بصديقة الملاية، اعتبرتها الرائدة، ومن اوائل اللاواتي سجلن باصواتهن المقامات العراقية بجهاز التسجيل الصوتي ، حيث سجلت بعض المقامات والاغاني المقامية، ثم سليمة مراد، سلطان يوسف، زهور حسين، مائدة نزهت، فريدة محمد علي وسحر طه، المقيمة في بيروت، تحدثت عن المطربات السبع وعن بعض تسجيلاتهنَّ واغانيهنَّ ، حسب الموجود من وثائق ونتاجاتهم المقامية.

لقد خضع العراق منذ سقوط العباسيين ، عام 656 هجرية ، 1258 ميلادية ، لاحتلالات وغزوات عديدة ، حكمت العراق لسبعة قرون ميلادية بالتمام والكمال، حتى العام 1958، تاريخ العهد الجمهوري في العراق الحديث، بما فيها الاستعمار الانكليزي منذ الحرب العام الاولى ودخوله العراق عام 1917 الى العام 1958، حيث سمى المؤرخون هذه الفترة الطويلة لسبعة قرون بالتمام والكمال ، (بالفترة المظلمة) ، لأن العراق ظل حكرا على الأقوام الغازية والمحتلة طيلة هذه القرون، وفي هذه الفترات وكون البلد كان محتلا، وشأن المحتل هو الظلم والاعتداء، فكانت العائلات تخاف على بناتها، لذلك أنحجبت المرأة عن المجتمع في كل شيء وليس فقط في الغناء والموسيقى، الى ان جاءت الحرب العالمية الاولى وظهر الاستعمار الانكليزي، وتأسيس الدولة العراقية الحديثة، عام 1921، حيث انفتحت الحياة في الشرق الأوسط والعراق بشكل خاص، ما حقق ولادة جديدة للشعوب، والظواهر التراثية ، سلبية كانت ام ايجابية ، وللحياة برمتها.

 

 س5 - ما الذي دفع الفنان الأعظمي الى مغادرة العراق، رغم ما عُرف عنه من عشق لبغداد والأعظمية، وما أخر نتاجاتك الورقية؟

 

ج5 - لحد الآن انجزت طبع تسعة كتب فيما يخص المقام العراقي، والكتاب العاشر تحت الطبع في بيروت، سوف اكمل فيه موسوعة المقام العراقي، وستصدر هذه الموسوعة في العام القادم او بعده، موسوعة كاملة في مجلدات، تحمل اسم «موسوعة المقام العراقي – المجموعة الكاملة»، بأجزاء، كل جزء يبلغ تقريبا 1000 – 1500 صفحة. اشعر بأني أديت بعض الوفاء الى تاريخنا العراقي والمقام العراقي الخالد، كتبت جميع المحاور، حتى المحاور التي لا تخطر على البال. كنت استاذا في بغداد والمعهد الذي درست فيه، ثم اصبحت معاون عميد عدة مرات، واخر شيء، وقبل ان اصل الى عمان عام 2005، كنت عميدا للمعهد خلال السنوات الاخيرة. انا لم اترك العراق مهجرا ابدا ، ليس لي اعداء على اي مستوى، فأنا شخص انساق للاعتدال منذ ان بدأت ، وهذا الامر معروف عني ، ولم تكن السياسة سببا لتركي البلد ، خاصة اني لا اهتم بها ولا انتمي الى أي حزب او أية جهة، قد يكون لدي افكاري واتجاهاتي ، لكنها امور ليست بالضرورة ان يتطرق اليها الانسان ويروجها ، فليس مهم لدي النتاجات السياسية ابدا، لكن وقبل ان اغادر العراق، جرى تهديدي مرتين او ثلاثة، وقتها سألني الوزير الذي امتنع عن الموافقة على استقالتي ، اعتزازا بي ، لذلك عدت اليه من عمان احتراما لاعتزازه هذا، واوضحت له ان التهديد جاء من حساد ، كانوا يريدون مكاني ، لا أكثر ولا أقل ، وربما من طلابي وربما من زملائي المدرسين، الذين كنت انا المسؤول عن تعيينهم واغلبهم كانوا طلبتي، وذلك الاحتمال الارجح في تصوري، والحياة اصبحت صعبة في العراق وعلى أكثر من صعيد ، وبالمصادفة وفي تلك الاوقات، دعوني الاخوة  في الاردن الشقيق، للتدريس في المعهد الوطني، ووجدت انه من غير المفيد ان اعرض نفسي للمشاكل في بغداد، فقدمت استقالتي وغادرت الى الاردن، وانا الان منذ ذلك الوقت في الاردن الشقيق، ومرتاح راحة كبيرة ولسان حالي يقول ويردد (ان الله لايضيع اجر من احسن عملا) ..

 

 س6 - قبل احترافك الغناء، كنت بطلا بالمصارعتين الحرة والرومانية، والفرق كبير بين المجالين، فما الذي شدك في المقام وكيف نجحت في جمع المتناقضين؟

 

ج6 - كما اوضحت سابقا، كانت منازلنا تطل على الشاطىء، وكنا عندما ننزل يوميا للسباحة انا واصدقائي، نتصارع، بعد ان نعمل على الارض الرملية مساحة مربعة الشكل والتي تسمى «الجفرة»، مثل بساط المصارعة ، كي نتصارع عليها، ودون ان ندرك هذه الاشياء، كان ذلك يخلق فينا، جسام قوية للغاية، فالرمل، ارضية متعبة للجسم بشكل كبير، وبالاستمرارية، تخلق عضلات للجسم بشكل جيدا جدا، وجسم قوي، يتحمل المتاعب، ومن جانب اخر وفي نفس الوقت كان ابن عمي عبدالجبار عبدالخالق الذي كان يكبرني بخمس سنوات، كان بطلا للعراق والدول العربية وبطل العالم العسكري عام 1968 في المانيا، وكنت احضر نزالاته، ولم اره يوما يخسر، فكان بطلا مميزا، وطبيعيا تأثرت به قليلا ، وهذا ما قادني في العام 1970 الى نادي الأعظمية الرياضي ، حيث سجلت فيه كمصارع، وفي أول عام، اخذت بطولة النادي ..! ومن ثم أخذت بطولة العراق للفتيان، ومن ثم بطولة العراق للناشئين والشباب، وفي العام 1972، اصبحت من الابطال المتقدمين، بمعنى انضمامي الى المنتخب الوطني، وكل هذا حصل في اقل من عامين .

اماعلاقة المصارعة بالفن التي يتصورها الاكثرية، علاقة بعيدة او مفاجئة، مما يدل على فقر في المعلومات، سببه الجهات الرياضية التي لا تنبه الجمهور الى معلومات بسيطة لكنها مهمة، ان علاقة المصارعة او الرياضة بشكل عام بالفنون الاخرى، هي علاقة فن، قد يصارعني من هو أقوى مني جسديا ، لكني قد املك عقلية ميدانية على البساط في تطبيق المسكات والحصول على النقاط بحيث يمكنني الفوز عليه ..! .  استطيع الان الكتابة عن نزال واحد، بثلاث جولات، الأمر الذي لم يكن يستلزم في السابق اكثر من تسعة دقائق، مجلد عن كيفية الفوز، ابحث فيه مؤهلات الخصم الذي اواجه، اين تكمن مواطن القوة والضعف فيه، فالنزال عبارة عن فن وليس قوة. الكثير من المصارعين اقل قوة جسمانيا، لكنهم يفوزون، وسبب ذلك الفن. وفي القديم، كان المقام العراقي، يغنى مع مصارعة الزورخان، المصارعة التراثية، وهذا اكبر دليل على علاقة المصارعة بالفن. على كل حال انا بدأت عام 1970 بالمصارعة وانتهيت العام  1975 ، اما في مسالة الغناء المقامي ، فان أول غناء لي، بدأته في المتحف البغدادي، يوم 23، اذار  1973، وبعدها التحقت بمعهد الدراسات الموسيقية، الذي كان يسمى، معهد الدراسات النغمية العراقي. وفي نهاية السنة، كان منير بشير، يتجول، لأكتشاف المواهب لتاسيس فرقة التراث الموسيقي العراقي ، واذ به يسمعني اغني مقام رئيسي، وهو مقام الرست، ومقام الرست لا يغنيه الا المغنون الكبار، فكيف اغنيه انا وكنت لا زلت شابا، فأستغرب بشير، وعمل جاهدا، وبألحاح شديد، وامسكني من يدي، وقال لي ان مكانك ليس الرياضة، بل المقام العراقي، اسمع كلامي وساريك العالم ، في البداية ترددت، لكن بعدها سمعني مرة ثانية، والحديث يطول في هذا الشأن، الى ان اقنعني في اعتزال المصارعة ودخلت عالم المقام العراقي، ومن ضمن النشاطات المبكرة مع الموسيقار الراحل منير بشير ، اخذني في العام 1975 في جولة، ضمت سبعة دول اوربية، زرت فيها اشهر مسارح العالم، بعدها انقلبت لدى الموازين تماما، وبعد شهرين ونصف  من رجوعي من هذه الجولة ، قررت عدم الرجوع الى المصارعة مطلقا. منير بشير غير مجرى حياته كلها.

 

 س7 - التغيرات السياسية التي مر بها العراق، أثرت كثيرا على ذائقة الأجيال الشابة، التي باتت تبدي اهتماما بالاغنية، ذات الايقاع السريع، والمحشوة للأسف، بمفردات الغضب والانتقام وحتى الأهانة في بعض المرات، مقابل ذلك ضعف الاهتمام بالمقام العراقي، الذي يتطلب دراية جيدة باللغة ورغبة وصبر في الأستماع، هل تعتقد ان المقام العراقي ممكن له ان يندثر، وعلى من تقع مسؤولية ذلك؟

 

ج7 - من حيث المبدأ، ووفقا للمفهوم العلمي لعلم الفلكور، وعندما نقول علم، يعني هناك مفاهيم ومسلمات لا يمكن الرجوع او الحياد عنها، فأن التراث بشكل عام لا ينشأ ولا يموت من خلال الافراد، لأنه وليد الجماعة، وهذا الامر يشمل اي ظاهرة تراثية، ليس فقط الغناء والموسيقى، بما انها نتاج جماعي، لا تموت، لكن يمكن لها ان تمر بفترات انحسار او فترات زهو، بغض النظر عن ايأً تكون أسباب الفترتين، اما عملية موت ظاهرة تراثية، فهذا صعب جدا، بل يصل الى المستحيل، الا في حالة واحدة، وهي اذا انتهى المجتمع بأكمله تماما، وينتهي كل شيء معه، وهذا امر نادر في التاريخ، لا يوجد مجتمع، انتهى عن بكرة أبيه. فالتراث باق لكن يحتاج الى رعاية وتنمية ودراسة.

 

 س8 - من ثراء في المفردات والمعنى والاحساس؟ كيف ترى مستوى أهتمام الأعلام في العراق بالمقام العراقي ، هل هناك برامج خاصة حول ذلك، تقدم ما فيه

 

ج8 - بعد الاحتلال عام  2003، أعددت وقدمت اكثر من برنامج عن المقام العراقي  في عدة قنوات، العراقية، القيثارة، ، التغيير، البابلية ..الخ ، وصل عدد الحلقات الى 200 حلقة، وكل حلقة ساعة تلفزيونية ، قدمت لهم برنامج، اسميته محاور المقام العراقي، ثم برنامج المقام العراقي في قناة التغيير ، حاولت من خلال هذه الحلقات، تدوين موسوعتي في المقام العراقي على صعيد التلفزيون، حتى قدمت استقالتي، بداية هذا العام من قناة التغيير التي كنت اعمل فيها. الان اعمل مع صديق لي، وكان احد طلابي في المعهد السابقين ، اخي وصديقي العزيز صلاح ابو سيف ، نعمل على برنامج ، ايضا من اعدادي ، اسمه «التراث الخالد»، سوف نبدأ بكل الافكار، واتوقع ان يطول العمل لأنه كبير جدا، قد ننجح في تصوير عدة حلقات وقد نتوقف، لا أعرف حسب الظروف، لكننا نسعى من اجل هذا الشيء.

 

 س9 - ما الذي يميز المقام العراقي عن غيره من المقامات، كالتركية والايرانية؟ وكم يقدر عمر المقام العراقي؟

 

ج9 - هناك ناحية مهمة، المقام العراقي بالذات، ذو الصفة الأقليمية، يناظر كل المقامات الموجودة في غرب اسيا من تركيا وايران وحتى التوغل الى اواسط اسيا، اذربيجان، كازاخستان، اوزبكستان، بمعنى نصف دول الاتحاد السوفيتي السابق، هذه المناطق جميعها، تناظر مفهوم مصطلح المقام العراقي، لانها اشكال ومضامين تعبيرية بيئية، ذات خصوصية، وهي تسمى سلالم غنائية، في حين ان مصطلح المقام العراقي ذو الصفة الاقليمية، لا يناظر، المقام المصري او المقام الاردني او الفلسطيني او السوري او غيره في الوطن العربي، لان المقامات في الوطن العربي، مقامات موسيقية، يعني مقامات تؤدى بالسلالم المعروفة، بطريقة واحدة، اما في غرب اسيا، فهناك مقامات عديدة، هي نفس المقامات، لكنها متشعبة في الوان عديدة، وهي مقامات تعبرعن المجتمع الخاص، المنطقة الجغرافية، مثلا العراق.

والمقامات الموجودة في غرب اسيا، مقامات بيئية، اما المقامات الموجودة في الوطن العربي فهي مقامات موسيقية، لهذا السبب نحن نتناظر بالمصطلح مع الوطن العربي، عندما نقول المقام العراقي، نعني بذلك البلدي المصري، القدود الحلبية، الصوت الخليجي، الغرناطي الجزائري، هنا يتناظر والمقام العراقي مع هذه التسميات لانها تمثل بيئاتها وجغرافيتها وتاريخها. ان المقام العراقي رواية العراقيين، يضم كل تاريخه. مقابل ذلك انا ضد اليأس ومع التفاؤل،  فلابد ان يكون هناك بصيص من الأمل، كقول الشاعر:

أعـــــلل النفس بالأمال أرقــــــبها   /    ما أضيق العيش لولا فسحة الامل

 

وانا اعتقد ان العراق، بلد الانبياء والاولياء والائمة الصالحين، فيه الكثير من المراقد والكنائس، لذا لا اعتقد ان الله سبحانه وتعالى سيخذله، بشكل كامل، فللبلد رب يحميه.)

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

مجموعة الصور

صورة واحدة / حسين الاعظمي مع انيسه الكتاب عام 2000 بعدسة المرحوم آمري سليم في الاستوديو.

 

 

صورة واحدة / حسين الاعظمي مع انيسه الكتاب عام 2000 بعدسة المرحوم آمري سليم في الاستوديو.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.