اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (319)- المقام العراقي في حقبة التحول/ جزء4

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

يوميات حسين الاعظمي (319)

 

المقام العراقي في حقـــبة التحــول/ جزء4

ما زلنا نتحدث عن الطريقة القندرجية في غناء المقام العراقي، وقد يبدو مثل هذا الحديث حديث نقدي لسمات هذه الطريقة، ولكننا نتحدث الآن برؤية ولسان حال تلك الحقبة التي ظهرت فيها هذه الطريقة الغنائية، فمن سماتها ايضا الغموض المنتشر خلال الغناء في لفظ الكلمات ومخارج الحروف، بحيث يصل الامر الى عدم فهم مفردات القصيدة المغناة وتحديد الفاظها..! فقد كان الانشداد نحو المسار اللحني التاريخي العريق لشكل المقام العراقي كببرا. ويأتي الكلام المغنى والمضمون التعبيري بعد هذه الاهمية..!! وهذه الملاحظات تقودنا الى ملاحظة مهمة اخرى، هي ان القندرجيين لا نراهم يهتمون بعدد ابيات القصيدة المغناة..! وفي الاعم الاغلب لا تتعدى الابيات المغناة ثلاثة او اربعة او خمسة في الحد الاكثر..! وعليه فهم لا يهتمون بمعاني القصيدة بصورة مباشرة ويضعون جل اهتمامهم بالمسارات اللحنية التقليدية والتاريخية بحيث يجعلون كل الامور في خدمة اهدافهم التاريخية هذه..! ومن هذه الناحية علينا ان نعترف بجمالـية ورصانة وعراقة وصدق هذه المسارات اللحنية التي نذر القندرجيون وسابقوهم حياتهم من اجل الحفاظ عليها وحمايتها من الظروف المختلفة.

 

على كل حال، تكون هذه الطريقة بصورة او باخرى حلقة الوصل المناسبة للانتقال الى حقبة اخرى تالية تغيرت فيها معظم هذه السمات مع تطور شؤون الحياة بصورة عامة، حتى اخذت بالافول ليتوقف رويدا رويدا مدَّها الجارف بظهور المطرب المقامي المعجزة محمد عبد الرزاق القبانجي الذي اسس بعدئذ طريقة غنائية مقامية عراقية جديدة، مكملاً ما انجزته الطريقة القندرجية قبله بمزيد من الثقة والنضوج الفكري والفني، حتى اصبح هو واتباعه اكثر انتشارا وتسجيلاً للمقامات العراقية بحكم الحقبة التي تطورت فيها الحياة الصناعية وغيرها من شؤون الحياة. فمغنين امثال عبد الهادي البياتي (1911-1974) وحسن خيوكة (1912-1962) ومجيد رشيد (1915-1982) ويوسف عمر (1918م1986) وناظم الغزالي (1921م1963) وعبدالرحمن العزاوي (1928م1983) وهم ممن تاثروا بطريقتي رشيد القندرجي ومحمد القبانجي، استطاعوا ان يعطوا زخما ابداعيا جديدا مستقىً من استاذيهما القندرجي والقبانجي لغناء وموسيقى المقام العراقي في فترة انتصاف القرن العشرين او بالاحرى في(حقبة التجربة). الواقعـــــة بين منتصف الثلاثينات ومنتصف الستينات من القرن العشرين.

 

      يتضح لنا عندما نناقش هذه الامور بشيء من التفصيل، ان رشيد القندرجي ومعاصريه ومن اتباع طريقته، قد خدموا مدة مراسهم الغناء المقامي من خلال مقومات هذه الطريقة. فقد تأثر رشيد القندرجي بسلفه احمد الزيدان (1832م1912) مؤسس - الطريقة الزيدانية – في الغناء المقامي ببغداد ومن كان معه من المعاصرين الكبار امثال خليل رباز وحمد بن جاسم وغيرهما. فقد استطاع رشيد القندرجي واتباعه التعبير بقوة عن الحقائق التاريخية للمقام العراقي، وكذلك استطاع القندرجي السيطرة على واقع الطرق الغنائية الكثيرة وتوحيدها في طريقة سادت الاوساط المقامية ردحا من الزمن شاعت تسميتها في كتبي الصادرة بـ الطريقة القندرجية.

 

ما ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها (1914م1918) حتى بدات تأثيراتها الفكرية والجمالية تتغلغل في كيان فناني العراق عامة. وهكذا اعلن ايضا عن بدء ولادة جديدة لحركة اسلوبية في الغناء المقامي قادها المطرب المتمرد محمد القبانجي بكل قوة، تلك الحركة التي تمخضت عنها طريقته الجديدة (الطريقة القبانجية) في الغناء المقامي التي طورت معظم السمات الفنية التي كانت مناسبة للطريقة القندرجية في حقبتها.

 

         لقد تمسَّك المغنون القندرجيون باصول غناء المقام العراقي، وحاولوا ايجاد لغة اسلوبية لغنائهم، فكان لهم ذلك بواسطة استاذهم المخضرم رشيد القندرجي، ويجب الاعتراف ان تأثيرهم خارج العراق كان ضعيفا..!! ولكن ليس بسبب خلل في هذه الطريقة، بل بسبب حجم التطور الصناعي الذي لم يكن يكفي للانتشار وهو ارجح الظن..! حيث لم تكن هناك علاقات ثقافية تكفي، اوعلاقات فنية قوية بين العراق وباقي البلدان المجاورة. إلا أن خميرة هذه الطريقة، كان قد استفاد منها محمد القبانجي واتباعه من المغنين في حقبتهم. من حقبة التحول حتى حقبة التجربة التي كان حجم التطور الصناعي والظروف الاخرى  فيها اكبر كالاعلام والثقافة والسياسة وغيرها.

 

ونظرا لما بدأ به القرن العشرون في العراق من نهضة غناسيقية واضحة كانت من ظواهرها الطريقة القندرجية، واستلمت منها الطريقة القبانجية واستمر الامر بالتطور حتى وقتنا الحاضر. فقد كانت هذه تجربة المغنين. احساسهم. تصورهم. تضامنهم. ثقافتهم. تطلعاتهم. وهذا هو المهم في النهاية. 

 

       وهكذا بدأ مغنون ابداعيون خرجوا من صلب الطريقة القبانجية في تسجيل مقاماتهم الغنائية باصواتهم الجميلة وافكارهم النيرة مستقين كل ذلك من حقبتهم الثقافية واشعاعات الطريقة القبانجية التي اقتنعوا بها واتبعوها، بالتعبير عن احاسيسهم الخاصة، ومنهم يوسف عمر وعبدالرحمن العزاوي وعبد الرحمن خضر (1925-1984) وغيرهم، وكل منهم بحاجة الى دراسة مفصلة.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

يوسف عمر مقام جبوري

https://www.youtube.com/watch?v=wf6b2OqSShw

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.