اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• وعلى (العراقي) السلام

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بشرى الهلالي

 مقالات اخرى للكاتبة

   وعلى (العراقي) السلام

 

قال أستاذي، الذي قضى نصف حياته في بلاد الغرب -في إحدى المرات- إن العقل العراقي هو من أخطر العقول على وجه الأرض. ففي عصور ماقبل وبعد التاريخ، كان العراق مطمع لكل البلدان المجاورة والبعيدة عن حدوده بسبب موقعه الجغرافي وأرضه الغنية بكل الخيرات وحضارته التي تضرب جذورها بعيدا في أعماق التاريخ. وفي القرن العشرين، صار العقل العراقي هو المستهدف بعد إن أثبتت الإستخبارات العالمية بكل أنواعها خطورته على العالم فيما لو توفرت له الظروف المناسبة. فماهي الظروف المناسبة؟ ..

 

تأرجحت معاني هاتين الكلمتين من زمن لآخر حتى سقطت أخيرا في هوة سحيقة لا يعرف لها قرار، فلم تعد تعني إكتشاف الثروات ولا زوال الإحتلال ولا قيام الجمهورية. صارت بكل بساطة تدور في فلك حروف شكلت كلمات تعني الكثير للعراقي مثل الماء، الكهرباء، الأمن، الحصة التموينية، الرعاية الصحية، الوظيفة، وسكن ملائم. وربما تلهث كثيرا خلف المستحيل فتشكل كلمات أخرى مثل توفر أماكن للترفيه، السفر، السيارة وتوفر التقنيات الحديثة التي تتمتع بها شعوبا كانت في الأمس القريب قبائل متنقلة. وأنا أحصي ما يدعى بمفردات الظروف المناسبة، فز في داخلي جرح يؤنبني على وخزه، فكل هذه ألأحلام الجميلة والبسيطة تجعل من العراقي- الذي خلق لتحمل المصاعب- (متبطرا)، فهي ليست أكثر من كماليات لم يعد يجرؤ على المطالبة بها في ظل تحول بلده الى ملكية مشاعة للجميع الا (هو). وبعد إن استحوذ التفكير في بدائل لهذه المتطلبات على عقل العراقي، غط الوعي في سبات عميق ورحل الإدراك، وآمن العراقي بمبدأ (الياخذ أمي يصير عمي) فلا وقت للإعتراض، والوقت لديه من ذهب، فساعات يومه لم تنظم في أجندة أعمال بل قسمت إجباريا بين محطات الوقود ودوائر الدولة وزحام الشوارع والجري خلف الرزق وتوسل صنبور الماء وتصليح المولدات. وشيئا فشيئا، تصحرت ساحة الفردوس شأنها شأن بقية أرض العراق ونهريه الخالدين بعد إن تعبت الحناجر وتلاشت أصوات المتظاهرين في الهواء المشبع بالغبار. رحل زمن المطالبة بالحقوق ودب الخدر في أجزاء الجسد الذي أعياه الخوف والقلق والجري خلف تفاصيل الحياة اليومية التي لم تترك له مجالا لمطالعة كتاب أو متابعة خبر أو حتى مشاهدة فلم أو مسلسل تركي، فأخذت (الديمقراطية) إجازة في منتجعات أوربا بعد إن أرهقتها الانتخابات والخلافات والمحاصصة وملفات الفساد والشفافية، و.. و. فحملت معها بكل فخر شهادة الموت السريري للعقل العراقي لتقدمها لكل أولئك الذين قضوا سنوات في ايجاد وسيلة للتخلص من خطورة هذا العقل الذي لم يعد يفرق بين سرقة أمواله وامتهان كرامته وبين آخر أغنية لنانسي عجرم. بل لم يعد يعنيه من ثورات مصر وتونس وليبيا سوى حسرة على ماضيه (الثوري). ومن الغريب أن تتصاعد أحيانا أصوات الإعلام ومنظمات الصحة الخجولة ومنظمات المجتمع المدني الناعسة لتعلن قلقها من انتشار المشروبات الكحولية احيانا وحضرها في احيان اخرى، ومن انتشار المخدرات التي بدت جديدة على بيئة المجتمع العراقي وعاداته، فهل يحتاج (العراقي) الى مايسكره؟

 

لقد تجرع من وعود الأعمار والترفيه والإستقرار الأقتصادي والأمان مايجعله في قمة النشوة، و(داخ) في شمس تموز وغرقت أحلامه مع غرق شوارع العاصمة في الشتاء وطفح المجاري، وتقلبت معدته بفعل مفردات الحصة التموينية مجهولة المناشئ وخضروات وفواكه الدول الجارة، وأوهن هواء (السطوح) المغبر قواه، وإستفحلت أمراض الكهرباء الوطنية والماء والوقود في جسده حتى صار مدمنا، ولم يعد يعنيه من الوان الثورات شئ فحياته تلونت بكل الوان السواد والبنفسجي والاحمر.. بل لم تعد ساقاه -التي زحفت قبل سنة من الان- تقوى على حمله الى ساحة التحرير او غيرها.. فالنتيجة واحدة والجرح اعمق من ان تداويه الشعارات. فهنيئا لكل قوى العالم الخارجية والداخلية المتعطشة لإستعباد العقل العراقي.. فلها ان تقرأ عليه وعلى صاحبه السلام.. فلم يعد يشكل خطرا على أية جهة .. بل اصبح فقط، ضيفا ثقيلا على وطنه.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.